31/10/2010 - 11:02

مَنْ يصفع مَنْ أولاً!../ مصطفى إبراهيم*

مَنْ يصفع مَنْ أولاً!../ مصطفى إبراهيم*
اتصل يوسف ابن الأربع سنوات تلفونياً وهو سعيد ليخبرني ان الكهرباء عادت للبيت، بعد أربعة أيام. يوسف لم يشاهد خلال الفترة السابقة أفلام الكرتون، ولم يخرج من البيت مع أشقائه الذين حرموا من الاستمتاع بإجازة نهاية الفصل الدراسي بسبب القصف الاسرائيلي، والخوف والبرد الشديدين، خاصة وأن له تجربة سابقة سيئة مع الغارات الوهمية والقصف الجوي.

تزامن ذلك مع تسابق الناطقين الرسميين للحكومتين في رام الله وغزة، بالافتخار أنهما من قاما بفك الحصار الخانق وإعادة تزويد القطاع بالوقود، الذي فرضه إيهود باراك على الفلسطينيين في قطاع غزة و لا يزال مفروضاً حتى الان، وحاول كل طرف تسجيل سبقٍ بهذا الإنجاز الكبير، وكأن السماح بدخول الوقود لمرة واحدة إنجازاً له. حكومة غزة تفوقت على حكومة رام الله بالعمل الجيد والمنظم ولعبت دور الضحية.

الحصار الشامل والخانق على القطاع مستمر مع استمرار الاحتلال والانقسام الداخلي، ولن يستطيع الاحتلال أو حكومة رام الله ان يقنعا يوسف ومئات ألوف الاطفال الفلسطينيين انهم ساهموا بفك الحصار، وإعادة الوقود لمرة واحدة حسب شروط باراك، إذ أن الحصار لا يزال مفروضاً بكل تفاصيله على جميع الفلسطينيين في القطاع، المرضى منهم والأصحاء، ولا يزال البرد القارس هذا العام، الذي يختلف عن الأعوام السابقة شاهداً على ظلم وجبروت وتبجح الاحتلال وقادته.

في غزة تدور الأحداث بسرعة وأحياناً لا نستطيع فهم شيء ونهرب إلى التحليل السياسي لفهم ما يجري، كما حدث عندما اتصلت صباح الأربعاء 23/1/2008، بصديقي لأخبره أن الآلاف من سكان رفح استطاعوا الوصول الى العريش ورفح المصرية فجراً، بعد أن فجروا الجدار الفاصل بين المدينتين، فرد علي قائلاً: " لا اعرف إلى أين نحن ذاهبون، وماذا تريد حماس من هذه الخطوة؟ وذهبنا في التحليل السياسي بعيداً للهروب إلى الحقيقة، ألا وهي أن الاحتلال لا يزال جاثماً ويسيطر على كل تفاصيل حياتنا، ومستمراً في فرض الحصار.

الرئيس المصري حسني مبارك لم ينتظر وأجاب بالقول: "الفلسطينيون في القطاع محاصرون وجوعى". الإجابة كانت واضحة ولا مجال للخوض في تحليل أسباب التساهل المصري، ووجه صفعة للاحتلال وللسلطة في رام الله، التي لا نرى عدداً من مستشاريها ومنظريها ممن لهم مصلحة في بقاء الحال على ما هو عليه.

واختفوا عن شاشات التلفزيون خلال الأزمة المستمرة، وشاهدناهم فقط على شاشة تلفزيون فلسطين، وهم يبيعون الناس الوهم، والهم من خلال التحليل السياسي، والتنظير، والمطلب الدائم لهم أولا وأخيرا تراجع حماس عن انقلابها، وتحميل حماس المسؤولية بإطلاق الصواريخ، وبعضهم لم يشعر منذ أوسلو وحتى اللحظة ان هناك احتلالا، مع أنهم كانوا ولا يزالون هم وأفراد عائلتهم يحصلون على التصاريح المفتوحة (vip)، ويدخلون ويخرجون من غزة من دون الإحساس أن الفلسطينيين في القطاع محاصرون، ومرضاهم يموتون بسبب حرمانهم من العلاج، والجوع والبرد، وأطفالهم مهددون بالموت في كل لحظة.

الفلسطينيون على الرغم من اختلافهم الا انهم جميعا عبروا عن تضامن حقيقي مع انفسهم ومع سكان القطاع، وتجلى ذلك التضامن في خروج المسيرات في الضفة، والمساعدات التي حاول إدخالها فلسطينيو 48، وحركت العتمة في القطاع الشارع العربي، الذي نعاه الفلسطينيون، بعد مشاهدته الصور المؤلمة التي بثتها شاشة الجزيرة وغيرها من وسائل الإعلام المختلفة، المكتوبة والمسموعة التي كانت أبطال هذه المعركة، ومطلوب منهم أن تكون أبطال كل المعارك القادمة.

الإسرائيليون مجمعون على عقاب غزة ويعبَرون عن رضاهم من الخطوات التي تتخذها الحكومة من اجراءاءت عقابية ضد غزة، ويطالبون بالمزيد حتى يتوجع الفلسطينيون، ومستمرون في وصف الرئيس عباس مرة رئيس بلدية، ومرة محامي، في حين يطالبه بعضهم أمثال رئيس هيئة الأركان السابق "موشي يعلون" بأكثر من تطبيق خارطة الطريق والقضاء على "العصابات" و"الإرهابيين"، بل الاعتراف بيهودية الدولة والحركة الصهيونية كما اعترفت إسرائيل بالمنظمة.

سوف يستمر الإسرائيليون بفرض الشروط والاملاءات على الرئيس عباس، ولن يكتفوا بتطبيق الجانب الأمني من خارطة الطريق والاعتراف بيهودية الدولة والحركة الصهيونية، من دون حتى تطبيق التزاماتها بخارطة الطريق. بل سوف نسمع كل يوم جديداً منهم. الحكومة الإسرائيلية غير جدية في الوصول إلى حل والاحتلال مستمر.

وستبقى الأسئلة المشروعة: إلى أين نحن ذاهبون في ظل التطورات، والأحداث المتتالية السياسية والميدانية؟! والسلطة سوف تستمر بالمفاوضات العبثية، وحماس بالتمسك بسيطرتها على غزة وتوجيه الاتهامات والنقد للجميع من دون التوقف والنظر الى أين نحن ذاهبون؟ وفتح خيارات إقليمية للحل بقصد أو من دون قصد، وسوف يبقى الفلسطينيون بانتظار الرد الإسرائيلي لتزويد غزة بالوقود أو منعه عنهم، وكذلك التصعيد العسكري.

وسوف تستمر السلطة بتلقي الصفعات من أولمرت وباراك اللذين اتفقا من جديد على تقوية تحالفهما، والغزل الدائر بينهما هذه الأيام عشية صدور النتائج النهائية لتقرير "فينوغراد"، وقتل الفلسطينيين وغير آبهين بالمسيرات الشعبية العربية الخجولة، والصمت الدولي الذي اختزل القضية الفلسطينية في صواريخ محلية الصنع، و"إرهاب" فلسطيني يجب وضع حد له، والتمسك بالخيار التفاوضي كوسيلة وحيدة للحل..

وسيبقى طرفا الصراع يتربصان ببعضهما بعضا، ومن يصفع الآخر؟ لكن هذه المرة كانت الصفعة من الشعب الفلسطيني للسلطة وحكومتها في رام الله بجميع أركانها، وللاحتلال، فهل يتعظون مما جرى و لا يزال يجري في غزة من أحداث سياسية تدفع القضية للمجهول والانصراف لقضايا فرعية وخيارات إقليمية رفضها الفلسطينيين في السابق، وتصوير الفلسطينيين على انهم جوعى؟! باراك الذي تلقى صفعة هذه المرة من الشعب الفلسطيني الذي ضغط على طرفي الصراع فهل يوحدهما هذا الضغط لصفع الاحتلال ودحره مرة واحدة وللأبد ؟!

التعليقات