31/10/2010 - 11:02

نحو استراتيجية جديدة لاحتواء تداعيات الوضع العراقي../ نزار عبد القادر

نحو استراتيجية جديدة لاحتواء تداعيات الوضع العراقي../ نزار عبد القادر
وصف تقرير صادر عن مؤسسة الدراسات الملكية للشؤون الدولية في بريطانيا الحكومة ‏العراقية بانها لا تملك اية قدرة للسيطرة على العراق، وبانها فقدت السيطرة بشكل كامل ‏على مناطق واسعة من البلاد، مما يسمح بالاستنتاج بانها قد فقدت مبررات وجودها في السلطة. ‏وبلغت نظرة الدكتور غاريث ستانسفيلد مستوى من التشاؤم دفعه الى توقع انهيار العراق ‏ككيان وتفتته.‏

لا يواجه العراق، وفق هذا التقويم، حربا اهلية بل عدة حروب اهلية، تضطلع بتنفيذها ‏مجموعة كبيرة من التنظيمات والجماعات ضمن لعبة معقدة جدا من اجل السيطرة على مقدرات ‏البلاد وتقاسم السلطة والنفوذ. فالحرب التي يتعامل معها الاعلام الخارجي تتركز فقط على ما ‏يجري في بغداد وحولها من مدن وسط العراق، والتي تتركز على الصراع على السلطة المركزية، ‏والذي تقوده الجماعات والمنظمات السنية من اجل الحصول على اعتراف بدور اساسي في السلطة ‏الجديدة، في محاولة معلنة لرفض الصيغة القائمة في الحكم والتي همشت دور السنة العرب لصالح ‏الشيعة والاكراد.‏
في الواقع هناك حروب اخرى تخوضها فئات عديدة اخرى على مستوى المحافظات، حيث تحاول فئات ‏محلية او عشائر السيطرة على الارض وعلى مواقع النفوذ والسلطة المحلية.‏

الى جانب التعقيدات الداخلية للوضع الامني المتردي، ولفقدان الدولة لكل مقومات السلطة ‏خارج المنطقة الخضراء داخل بغداد، تبرز تعقيدات الازمة بوجوهها الخارجية، حيث يبرز الدور ‏الخطير والمؤثمر الذي يلعبه بعض جيران العراق من اجل افشال كل المحاولات الاميركية للسيطرة ‏على الوضع الامني ومن اجل اقناع واشنطن بتسريع قرارها بسحب قواتها من العراق.‏

يعطي الاعلام في اغلب الاحيان صورة خاطئة عن حقيقة ما يجري في العراق، بحيث يركز على بعض ‏العمليات الانتحارية والتفجيرات بواسطة السيارات الملغومة، او استهداف القوافل الاميركية ‏مما يوحي بان تنظيم القاعدة، وبعض التنظيمات السنية والمشكلة من البعثيين وبعض قدامى ‏القوات المسلحة يشكلون وحدهم عظيم «المقاومة» الرافضة للاحتلال وللسلطة المتمثلة بحكومة ‏المالكي.‏

ان الدور الذي يلعبه جيران العراق هو أعمق واخطر من ذلك وخصوصاً الاختراق الايراني الكبير ‏لكل المجتمع السياسي والامني ولكل اوجه الحياة داخل العراق.‏

ادركت الولايات المتحدة بصورة متأخرة ان القوة العسكرية وحدها لا تكفي لاستعادة ‏الاستقرار داخل العراق، كما أن العمل السياسي الداخلي لا يفي بالغرض. وان اكبر دليل ‏على ذلك نجده في عجز حكومة المالكي المنبثقة عن انتخابات عامة جرت وفق الدستور الجديد. ‏كما نجده في الحشد العسكري الاميركي والعراقي داخل بغداد دون ان يؤدي ذلك الى نتائج ‏ملموسة، على صعيد الاستقرار العام ووقف عمليات القتل الأعملى للمدنيين العراقيين.‏

لا بدّ أن تأخذ الاستراتيجية لمعالجة هذا التدهور الخطير على المستويين السياسي والامني ‏بالوقائع القائمة في العراق بشقيها الداخلي والخارجي. ويبدو أن الادارة الأميركية قد ‏ادركت متأخرة بعض هذه الحقائق وخصوصاً ضرورة فتح حوار مع جيران العراق وخصوصاً كل من ‏سوريا وايران. بدأ هذا الفصل الجديد من الاستراتيجية الاميركية التي اوصى ببعضها تقرير ‏لجنة بايكر ـ هاملتون في شرم الشيخ من خلال اجتماع الوزيرة رايس بوزير خارجية سوريا ‏وليد المعلم.‏

وتستعد الآن بغداد لتشهد مفاوضات اميركية ـ ايرانية على مستوى السفراء اعتباراً من 28 ‏الشهر الجاري.‏

ليس هناك ما يؤكد حتى الآن احتمالات نجاح المناقشات الاميركية ـ السورية او الاميركية ـ ‏الايرانية في تحقيق تعاون فعلي وصادق من اجل ضبط الأمن وتحقيق الاستقرار. صحيح أن ايران ‏قد قبلت بعد تردد ان تجري المناقشات حول الوضع داخل العراق، دون التطرق للمواضيع ‏الاخرى، لكن يجب النظر الى هذا القبول بانه مرحلي، حيث ستربط ايران تعاونها على الارض ‏بقرار فتح مفاوضات مع واشنطن حول الملف النووي الايراني، وفي خطوة اولية لوقف العقوبات ‏الجديدة التي هدد بفرضها الرئيس بوش مؤخراً وذلك على ضوء معلومات الوكالة الدولية ‏للطاقة الذرية حول تجاوز ايران لكل العقبات التقنية التي واجهتها في تشغيلها لألف ‏وثلاثمئة جهاز للطرد المركزي في منشأة ناطنز قرب اصفهان. وتربط سوريا من جهتها تعاونها ‏الفاعل في ضبط الحدود مع العراق باعتراف واشنطن باهمية دور دمشق الاقليمي وخصوصاً لجهة ‏معاودة المفاوضات من اجل تحرير الجولان والاعتراف بنفوذها في لبنان.‏

في حال عدم نجاح الخطط السياسية والامنية المعتمدة كمكونات اساسية في الاستراتيجية الاميركية ‏الجديدة، فانه من المتوقع حصول تداعيات دراماتيكية (على غرار ما وصف التقرير ‏البريطاني)، مع التأكيد على انه لا يمكن حصر نتائج هذه التداعيات داخل حدود العراق. ‏ستكون الكويت والمملكة العربية السعودية ولبنان في دائرة الخطر.‏

يتوقف نجاح المفاوضات بين اميركا وايران وسوريا على مدى ادراك واشنطن ان الاستراتيجية ‏الايرانية - السورية المشتركة لا تقتصر على مواجهة اميركا في العراق بل تتعدى ذلك لتشمل ‏جنوب لبنان وفلسطين، حيث تستمر المساعدات بالتدفق على حماس وحزب الله تدعيماً لاستراتيجية ‏الضغط على اسرائيل، وعلى حلفاء اميركا في لبنان وداخل السلطة الفلسطينية.‏

ان ما يشهده المسرح الفلسطيني من اعمال عنف بين السلطة او تحديداً فتح ومنظمة حماس هو ‏افضل مؤشر على ارادة بعض الاطراف الاقليميين للتخريب على اتفاق مكة، والذي تعتبره بعض ‏الجهات بانه قد جرى بايحاء اميركي.‏

في هذا الوقت يمر المشهد السياسي والامني في لبنان بحالة من الترقب والانتظار، لما يمكن ان ‏تؤول اليه المناقشات الاميركية الايرانية والاميركية - السورية. ان فشل وتعثر هذه ‏المناقشات سيؤدي الى تصعيد سياسي وتحرك في الشارع لمواجهة مفاعيل قرار انشاء المحكمة ‏الدولية بقرار من مجلس الامن، وللعمل ايضاً على تصعيد الضغوط على الحكومة في محاولة جديدة ‏لاسقاطها او لتعطيل الاستحقاق الرئاسي.‏
لم يعد من الممكن ان يعزل لبنان نفسه عن مفاعيل ما يجري في العراق، وتقضي المصلحة ‏اللبنانية ان يدرك جميع اللبنانيين اهمية استباق هبوب الرياح السامة باتجاه بلدهم ‏بتوافقهم - انطلاقاً من قبولهم بان قضية انشاء المحكمة الدولية قد اصبحت وراءهم، وبانها ‏كأس لا بد منه.‏

"الديار"

التعليقات