31/10/2010 - 11:02

نهاية التاريخ!../ ساطع نور الدين

نهاية التاريخ!../ ساطع نور الدين
عندما تقول شعوب الدول الصناعية الثماني الكبرى وقادتها المجتمعون في اليابان ان الاحتباس الحراري هو التحدي الاخطر الذي يواجه البشرية جمعاء، فان هذا الموقف لا يعبر عن ترف سياسي، او عن نخبوية بيئية، لكنه في الوقت نفسه يمثل هروبا جماعيا للبلدان الاغنى في العالم من مسؤولية مواجهة تهديدات انسانية اشد خطورة والحاحا.

المعضلة جدية جدا، لكنها ليست فورية: خلال عقود قليلة من الزمن، ستشهد الكرة الارضية تغييرات جذرية من نظامها المناخي، يؤدي الى غرق اجزائها الشمالية في عصر جليدي جديد، والتهاب اجزائها الجنوبية بحقبة حرارية طويلة، وتحول اجزائها الوسطى ذات الكثافة السكانية تاريخيا الى منطقة مهددة بتقلبات حادة في الطقس، مثل الاعاصير وموجات الجفاف وغيرها من الكوارث الطبيعية الطارئة.

هذا هو السيناريو الاسوأ الذي يضعه العلماء والخبراء نتيجة الارتفاع التدريجي في حرارة الارض، الناجم في معظمه عن النشاط الانساني، لاسيما في البلدان الصناعية الكبرى.. مما يمكن ان يجعل الحياة على هذا الكوكب اشد صعوبة من اي وقت مضى عبر التاريخ، ويفاقم خطر الحروب والغزوات والهجرات البشرية الواسعة، وينذر بان تكون نهاية القرن الحالي هي خاتمة وجود الكائنات الحية.

على هذا الهاجس تعيش اليوم شعوب الدول الثماني، وهي كلها تقع في الجزء الشمالي من الكرة الارضية، وتعتبر ان كل تأخير في معالجة هذه المشكلة الخطيرة، يعني تقديم موعد تلك القيامة.. التي تبدو امامها كل القضايا العالمية الاخرى مجرد تفاصيل صغيرة، تافهة، لا تستدعي اي تغيير في جدول الاعمال الانساني العام الذي يفترض ان يعيد قوانين الطبيعة الى سابق عهدها، ويمنع احتراق الكوكب او فناءه بمن فيه.

لكن هذا الشعور بالخطر الحراري الداهم تحول في الدول الثماني خاصة من موجة ثقافية تعلي من شأن الاهتمام بالبيئة وتدفع احزاب الخضر المنتشرة في كل مكان من العالم الى الشراكة في السلطة مع الاحزاب والتيارات التقليدية، كما في ثمانينات القرن الماضي، الى حالة نفسية تخرج الرأي العام من السياسة وتقوده الى عوالم خيالية، ليس لها سند على ارض الواقع.

النقاش الغربي حول هذا الخطر، يكاد يوحي انه يدور بين سكان كوكب آخر، يودون تفادي حكم الادانة الذي صدر بحق الدول الثماني بتهمة التسبب بالاحتباس الحراري، وتجنب السعي الى تقديم تضحيات من اجل الحفاظ على الارض كمكان صالح للسكن على الاقل طوال القرن الحالي.. لكنه في الوقت نفسه، يؤكد ان الهوة سحيقة جدا بين هذه الدول وبين بقية بلدان العالم الـ١٩٠ ، التي تعاني من حروب وازمات ترجع الى قرون عديدة مضت، وكان الغرب سببا في انفجارها في الحقبة الراهنة.

ولولا بعض التحفظ، لامكن القول ان الدول الثماني الكبرى عمدت الى تضخيم مشكلة الاحتباس الحراري لكي تشغل شعوبها عن تحديات اخرى تواجهها تلك الدول التي اثارت فوضى عالمية لم يسبق لها مثيل، سواء في غزواتها العسكرية او في سياساتها الاقتصادية او حتى في افكارها السياسية.. التي كان يفترض قبل عقد مضى ان تشكل نهاية تاريخ الصراع بين البشر.
"السفير"

التعليقات