31/10/2010 - 11:02

هل أزفت الساعة للخروج مـن الغيبوبة؟ / محمد ميعاري

هل أزفت الساعة للخروج مـن الغيبوبة؟ / محمد ميعاري
لعل من اغرب الظواهر التي واكبت الازمة المأساوية التي تعيشها الامة العربية على مدى فترة طويلة من الزمن، والاوضاع المتردية في جميع المجالات التي آلت اليها حالة دول هذه الامة وشعوبها انما تكمن في هذا الصمت المطبق والشلل التام، الذي تميز به حراك هذه الشعوب ازاء ما يتهددها من اخطار ومن ظلم واضطهاد، ان كان من قبل القوى الاستعمارية الطامعة بثرواتها والعاملة على تدمير كيانها القومي والوجودي والمس بكرامتها ومقدساتها، او كان من قبل معظم انظمتها السياسية وحكامها الذين اقاموا لانفسهم حلفًا غير مقدس مع المستعمر المعتدي عليهم وعلى اوطانهم او مع شلل محلية انتهازية ومارقة لا هم لها سوى نهب المال العام ولقمة عيش الفقراء والمسحوقين وخدمة مصالحهم المرتبطة بمصالح المستعمر والانظمة الفاسدة والمفسدة.

لقد كان السؤال الكبير الذي يطرح نفسه دائمًا اذا كانت قوى الاستعمار والاستكبار تسعى الى مزيد من النهب والارباح تحت شعارات العولمة والسوق المفتوحة، واذا كان هم الحكام المحافظة على مواقعهم في السلطة حتى لو كان ذلك على حساب كرامة اوطانهم ومأساة شعوبهم، فلماذا هذا الصمت وهذا الشلل وهذه الغيبوبة التي تلف الجماهير العريضة، صاحبة المصلحة الحقيقية واين هو دورها الفعال بالرد والتصدي؟

لقد كان الكثيرون من اصحاب المبادئ المؤمنين بقدرة الشعوب الصابرة يرون بعين المستقبل وميض النار الجاثم تحت الرماد الذي ينتظر هبة الريح العاتية لكي يتحول الى ضرام يؤدي الى الخروج من حالة الغيبوبة المطبقة، والحراك الفاعل في اللحظة المواتية.

لقد اخطأ المتآمرون على هذه الامة، هذه المرة الحساب عندما رفعوا من وتيرة الاهانات الموجهة الى هذه الامة بتخطيهم كل الخطوط الحمراء، بتعرضهم للمس باقدس اقداس الامة العربية والاسلامية رسولهم الكريم الاعظم محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم.

واود ان اشير هنا انه من الخطأ اعتبار هذه الفضيحة اللئيمة، ان الامر ينحصر بان صحيفة دنماركية او نرويجية نشرت صورًا مهينة تحت حجة حرية التعبير للاسلام والمسلمين لان هناك ما هو اخطر من ذلك، حيث يُستشف مما رافق القضية من ملابسات وتصريحات ان القضية مدبرة سلفًا وتقف وراءها قوى ظلامية ومجرمة، طالما دأبت على تأجيج الصراعات المحلية والدولية، واعتبار الاسلام والمسلمين وكل الشعوب المستضعفة كاعداء للحضارة الغربية، وما تدعيه من قيم من اجل شيطنة هذه الشعوب وتعزيز صفة الارهاب الملصقة بها، من اجل تبرير ما يقومون به من اعتداءات وجرائم بحق هذه الشعوب واوطانها وما يرتكبونه من مذابح بحق ابنائها واجيالها، ولضمان استمرار سيطرتها وهيمنتها عليها وعلى مقدراتها القومية والمعيشية.

وقد اشار الى ذلك مؤخرًا عالم الماني مرموق. ومن المعروف حسب قواعد علم النفس وعلم الاجرام ان توجيه الاهانة والمذلة للآخر، افرادًا وشعوبًا، من اهم الوسائل المتبعة لاستلاب ارادة الضحية ودفعه لاحتقار نفسه، مما يسهل السيطرة عليه وشل حركته المقاومة وادخاله في حالة من اليأس والاحباط الى حد الاكتئاب ورضوخه التام للحالة الدونية المفروضة عليه.

هذا هو الاسلوب الذي تنتهجه اجهزة المخابرات الاسرائيلية اثناء التحقيق مع المقاومين الفلسطينيين، وهذا هو سر الفضائح التي ترتكبها قوات الاحتلال الامريكية كما تم الكشف عنها في سجون جوانتانامو وابو غريب، وما قام به الجنود البريطانيون من اعتداء واذلال ضد الصبية في البصرة، وما تقوم به اجهزة مخابرات بعض الانظمة العربية داخل السجون التي اقامتها على ارض اوطانها لصالح المخابرات الامريكية.

لقد اعتقدت هذه القوى المجرمة ان اسلوب الاهانة والاذلال المستعمل ضد الافراد والمجموعات من الممكن استعماله ضد الشعوب ايضًا،وما هذه الطوابير الطويلة التي تحتجز امام الحواجز الاسرائيلية على طول الاراضي الفلسطينية وعرضها والاعتداءات الفظة والاهانات الرخيصة التي توجهها قوات الاحتلال لهذه الجماهير الصابرة الا تنفيذ لهذا المخطط وهذا الاسلوب في التعامل.

مما لا شك فيه ان القوى المجرمة التي بادرت وخططت لارتكاب جريمة الاساءة الى الرسول الكريم والى اكثر من مليار مسلم على وجه الكرة الارضية، باستعمالها صفحات الصحيفة الدنماركية، انما كانت تهدف الى تصعيد حالة الذل والاهانة ضد جميع ابناء وبنات الامة، ولتأبيد حالة العجز والضياع المفروضة عليها، دون التخوف من اية ردة فعل تلقائية او منظمة.

ان اعادة نشر الصور المهينة في العديد من الصحف الاوروبية ورفض رئيس حكومة الدنمارك الاعتذار عما وقع، ورسالة التأييد والتضامن التي ارسلها بوش الى رئيس حكومة الدنمارك، ما هي الا اشارة صارخة ان الامركان قد دُبرّ بليل.

ولكن المفاجأة قد وقعت فعلاً، وان هول الصدمة قد جعلت المارد يخرج من القمقم والشعب قد افاق من الغيبوبة حين خرجت ملايين الجماهير المتلاطمة في شوارع وساحات العواصم والاقاليم على طول الارض الاسلامية والعربية وفي اوروبا ذاتها تهتف وتستنكر في ثورة غضب عارمة ، غضبة مضرية دفاعًا عن كرامتها وكرامة نبيها الاكرم مطالبة برد الاهانة ومعبرة عن استعدادها لتقديم الغالي والنفيس ومعاقبة مرتكبي الجريمة على مستوى الافراد والدول، بمقاطعة بضائعها تارة وقطع العلاقات الدبلوماسية تارة اخرى ودعوة الحكام لقطع العلاقات الدبلوماسية ، واستثمار ما تملكه الأمة من قوى وطاقات هائلة الامر الذي ردّ كيد المعتدين الى نحورهم، فسارعوا خائفين مرتجفين جبناء يطلبون التصالح والتغني بالتسامح والاحترام المتبادل الذي انتهكوه بكل خسّة ووقاحة.. ولا تكرهوا شيئًا لعله خير لكم، ورب ضارة نافعة، وسلام عليك يا رسول الله، وانت تخرج هذه الامة من غيبوبتها وتعيد اليها وعيها وكرامتها المهدورة.


"فصل المقال"

التعليقات