31/10/2010 - 11:02

هل المصالحة الوطنية ممكنة بعد أنابوليس وباريس؟../ هاني المصري

هل المصالحة الوطنية ممكنة بعد أنابوليس وباريس؟../ هاني المصري
أي حديث عن الحوار والمصالحة والوحدة الوطنية الفلسطينية يبدو خيالياً بعد أنابوليس وباريس، لأن أحد الاشتراطات الأميركية والإسرائيلية للاستمرار بالاعتراف بالسلطة والتفاوض معها، ودعمها وتمكين الدعم الدولي للوصول إليها هو عدم عودة الشراكة بين فتح وحماس ما دامت الأخيرة لم تلتزم بالشروط الإسرائيلية للاعتراف بها كلاعب فلسطيني أساسي.

وحتى ندرك ما حدث ونتلمس ما يمكن أن يحدث علينا أن نلاحظ أن جوهر ما حدث هو الحفاظ على السلطة ومنعها من الانهيار حتى تكون جزءاً من إدارة الأزمة أو من الحل الذي تسعى أو قد تسعى إدارة بوش لفرضه، وتوافق عليه حكومة أولمرت لأنها لا تريد إضاعة الفرصة الثمينة المتاحة حالياً من خلال وجود أفضل إدارة أميركية في دعم إسرائيل، واعتماد خارطة الطريق الدولية التي تعطي الأولية للأمن الإسرائيلي، وفي ظل الانقسام السياسي والجغرافي الفلسطيني.

رغم ما سبق، الحقيقة العارية تفيد بأن السلطة خرجت من أنابوليس بسلة سياسية فارغة، وسلة مالية مليئة. فالمفاوضات الثنائية استؤنفت، ولكن دون الاتفاق على الأسس والأهداف التي ستحكمها، وبلا جدول زمني ولا أية مرجعية سوى ما يتم الاتفاق عليه وخارطة الطريق (غير المتفق عليها) ما يضع الفيتو بيد إسرائيل، ودون مشاركة دولية التي استعيض عنها باعتماد الإدارة الأميركية كحكم رغم أنها طرف منحاز لإسرائيل ولا تنفع، لا كحكم ولا كوسيط نزيه.

وفي مؤتمر باريس منحت السلطة أكثر مما طلبت (أقول أكثر مما طلبت السلطة وليس فلسطين لأن فلسطين مطالبها أكثر بكثير من دعم مالي دون أفق سياسي حقيقي وجدي وغير قادر على انهاء الاحتلال) وحتى يتحقق هذا الدعم لا بد من استمرار وتكريس الانقسام الفلسطيني، فالدعم يبدو كتعويض عن غياب الأفق السياسي الجدي، وعن استمرار الانقسام الداخلي، وعن اعتماد أسلوب المفاوضات كأسلوب وحيد رغم أن التجربة الماضية والمؤشرات الحالية لا تبشر بأي خير يمكن أن يعود منه وحده.

والدليل على ما سبق أن إسرائيل صادرت 1100 دونم في محيط القدس عشية أنابوليس، وغداة أنابوليس قررت حكومة أولمرت بناء أكثر من 300 وحدة استيطانية في مستوطنة أبو غنيم، وأعلن وزير الإسكان أن وزارته تدرس مشروعاً لبناء أكثر من 10 آلاف وحدة استيطانية في القدس الشرقية. وهذا يعني أن المفاوضات ستسير جنباً إلى جنب مع استمرار الاستيطان، ومع مواصلة الاحتلال لسياسة خلق الحقائق على الأرض التي تجعل أكثر وأكثر الحل الإسرائيلي مفروضاً على الأرض وهو الحل الوحيد المطروح الممكن عملياً.

صحيح أن الدعم الدولي يدل على اهتمام بالقضية الفلسطينية، ولكنه اهتمام يوظف في سياق سياسي مناسب تماماً لإسرائيل. فالمجتمع الدولي يمكن الاستفادة منه وتوظيفه لصالح فلسطين لأنه يخشى من انهيار السلطة وعواقب استمرار الوضع السابق في ظل توقف المفاوضات والمجابهة وتفاقم الأوضاع الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والمعيشية على الأرض، لذلك يريد استئناف المفاوضات ودفعها للتوصل الى اتفاقية سلام تنهي الصراع وتوفر الأمن والاستقرار في المنطقة.

أما إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية فهما تريدان الحفاظ على السلطة كهدف بحد ذاته أولاً لأن انهيارها يجعل إسرائيل تتحمل المسؤولية الكاملة عن الاحتلال، كما يفتح ثانياً الطريق لمبادرات أخرى تهدف إلى حل الصراع وفق شروط تتناسب مع القانون الدولي والشرعية الدولية، كما يزيد ثالثاً من مخاطر قيام دولة واحدة ثنائية القومية ديمقراطية أو عنصرية ستتحول عاجلاً أم آجلاً الى دولة لكل مواطنيها ما سينهي إسرائيل كدولة يهودية.

تأسيساً على ما سبق، تسعى إدارة بوش وحكومة أولمرت بالترغيب حيناً والتهديد حيناً آخر لترويض السلطة حتى تقبل ما هو معروض عليها فعلياً من إقامة دولة ذات حدود مؤقتة على جزء من الأراضي المحتلة العام 1967، دولة تكون محمية إسرائيلية وملتزمة بتوفير أمنها ومحاربة "الارهاب" بصورة دائمة، وتسعى لاجتثاثه وقمع كل من يقوم به أو يدعو إليه.

رغم كل شيء هناك أمل بالمصالحة الوطنية
رغم كل ما تقدم، أدعو إلى الحوار والمصالحة والوحدة، لأن الطريق الذي سارت فيه سلطة الأمر الواقع في غزة أوصلها الى حائط مسدود، وهي في أزمة متفاقمة وبحاجة الى مخرج، وسترضى راغبة أو كارهة بأن تبحث عن مخرج، كما ان السلطة الشرعية سارت في طريق المفاوضات كخيار وحيد أوحد، وهذا أوصلها سابقاً، ويمكن أن يوصلها بل حتماً سيوصلها، إلى حائط مسدود، فالمكتوب يقرأ من عنوانه، كما يقال، وهذا سيجعلها تقبل، ولو بعد حين، راغبة أو كارهة، بأن تبحث عن مخرج، ما دامت ليست بوارد القبول بالحل الإسرائيلي، وبما يعزز ذلك ان هناك مطالبة فلسطينية من أغلبية داخل الرأي العام، كما تدل كافة الاستطلاعات، تدعو وترحب وتطالب بالمصالحة الوطنية، ولكن مطلوب من هذه المطالبة ان تتحول الى إرادة فلسطينية سياسية ضاغطة ومتعاظمة، لأنه لا يعقل أن تنعم الضفة المحتلة أو المحاصرة ببعض الخير والدعم، بينما يتشدد الحصار الخانق على غزة، وتتواصل المجازر اليومية والعقوبات الجماعية هناك بشكل يندى منه جبين البشرية جمعاء.

وهنا لا ينفع القول إن حصة غزة من الدعم والمشاريع محفوظة، لأن إسرائيل المحاصرة تمنع وصول المساعدات لغزة إلا ما يكفي لسد الرمق أو أقل من ذلك بكثير. وإذا كان الرئيس أبو مازن وحركة فتح (والمنظمة بشكل أو بآخر) يرفضون الحوار قبل التراجع عن الانقلاب، فيمكن أن تبادر جهات فلسطينية بمساعدة عربية واقليمية ودولية لبلورة اتفاق متكامل للخروج من المأزق، يتم قبوله مرة واحدة دون المرور بمحطة الحوار، وأي اتفاق حتى ينجح لا بد أن يتضمن ما يلي:

أولاً: التراجع عن الانقلاب وتجريم كل لجوء إلى العنف والحسم العسكري والقوة لحل الخلافات والنزاعات الداخلية، وهذا يتطلب تشكيل لجنة تحقيق مستقلة للتحقيق بما حدث والخروج بالدروس والعبر ومحاسبة كل من ارتكب جرائم بحق فلسطين والفلسطينيين.

ثانياً: الاحتكام للشعب عبر اللجوء الى انتخابات تشريعية ورئاسية على أساس التمثيل النسبي الكامل، وبصورة تضمن وجود رقابة دولية حقيقية حتى تكون الانتخابات حرة ونزيهة.

ثالثاً: الاعتراف بالشرعية الفلسطينية بمختلف مكوناتها، بدءاً من م. ت. ف الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني بمختلف مؤسساتها، وانتهاء بالسلطة بمختلف مؤسساتها الشرعية من الرئاسة إلى المجلس التشريعي، وتشكيل حكومة انتقالية جديدة يفضل أن تكون من المستقلين (الكفاءات الوطنية المشهود لها) للتحضير للانتخابات التي يجب أن تعقد في مدة أقصاها عام.

رابعاً: الالتزام بإجراء إصلاح ديمقراطي شامل في المنظمة والسلطة، وخصوصاً الأجهزة الأمنية، بما في ذلك إعادة تشكيل المجلس الوطني على أسس ديمقراطية وتفعيل دوائر المنظمة ووزارات السلطة، وبما يضمن مشاركة كافة الفصائل والقطاعات والفعاليات الوطنية، وهذا يعني القبول بالمنظمة والاعتراف بشرعيتها والعمل على تطويرها وتفعيلها في الوقت نفسه.

خامساً: الاتفاق على قيادة واحدة وشرعية واحدة وسلاح شرعي واحد، أما بالنسبة للمقاومة فيتم الاتفاق على تشكيل مرجعية وطنية واحدة تكفل توحيد المقاومة والاتفاق على الأشكال المثمرة لها بصورة توظف كافة طاقات الشعب الفلسطيني في معركة التحرر الوطني، وبما ينهي حالة ان هناك من يفاوض وهناك من يقاوم، وكل منهما يعمل وحده وفي مواجهة الآخر.

سادساً: تكريس البرنامج الوطني بأضلاعه الثلاثة: حق تقرير المصير والحرية والاستقلال والعودة، وتفويض الرئيس الفلسطيني بالتفاوض لتحقيق هذا البرنامج ضمن متطلبات محددة تستفيد من العبر والدروس من المفاوضات والاتفاقات السابقة، التي أقل ما يقال فيها إنها ساهمت بإيصالنا الى ما نحن فيه من وضع سيئ ويصعب حتى على الكافر. ويكون ضمن الاتفاق التأكيد على ما اتفق عليه سابقاً من عرض أي اتفاق يتم التوصل إليه في المفاوضات اما على المجلس الوطني الجديد أو على استفتاء شعبي يشارك فيه الشعب الفلسطيني داخل الوطن وخارجه.

وأخيراً، هل هذا يعني أننا يجب أن نعيد انتاج اتفاق مكة الذي قام على برنامج سياسي غامض حمال أوجه، وعلى المحاصصة الفصائلية، لتحقيق الوحدة الوطنية، لا طبعاً، وانما عبر التزام الجميع بالاحتكام الى القواعد الديمقراطية، وذلك بعد الاتفاق على الأهداف الوطنية وكيف يمكن أن نصل لها. وهذا يعني انه في حالة عدم الاتفاق على برنامج سياسي واحد، على الأغلبية ان تحكم، وعلى الأقلية ان تعارض بحيث يكون هناك دائماً أمام الشعب خيارات واجتهادات متعددة يستطيع الاختيار فيما بينها. أما الخيار الواحد فهو يعني الموت المحتم والفشل الأكبر!.

طبعاً لا يمكن للمصالحة الوطنية أن تتم دون إرادة دولية تدفع إلى ذلك أو تسمح بذلك. ولكن هذه الإرادة يمكن أن تتوفر إذا توفرت إرادة فلسطينية قوية تستند الى قناعة وتروج لها، بأن المفاوضات لا يمكن أن تنجح، والدعم الاقتصادي لا يمكن أن يعطي نتائج جدية إذا لم تتم استعادة الوحدة بين غزة والضفة، ليكونا ضمن شرعية واحدة. إن الذي يستطيع ان يتفاوض مع الاحتلال الذي ارتكب ويرتكب كل أنواع المجازر والجرائم والحصار والعقوبات ضد الشعب الفلسطيني، يستطيع أن يتحاور مع جزء من بني جلدته، من الذين ارتكبوا جريمة الانقلاب، خصوصاً ان الانقلاب لم يحدث في سماء صافية ولا ظروف عادية، وانما كانت له أسبابه رغم عدم تبريره، ويجب معالجة الأسباب والجذور التي جعلت حدوث الانقلاب سهلاً وممكناً. الغاء الانقلاب شرط للاتفاق نعم، أما ان يكون شرطاً للحوار فهذا يقدم شرطاً تعجيزياً، أما مطالبة حماس بالحوار بلا شروط بينما هي تمضي في تعزيز سلطتها على الأرض كل يوم، فهذا يعتبر ذراً للرماد في العيون وشروطاً تعجيزية أيضاً. حماس بوصفها الطرف الذي قام بالانقلاب مطالبة بالمبادرة بالخطوة الأولى، ويمكن أن تكون اعلان الاستعداد لتسليم المقرات والأجهزة، وليس المقر الرئاسي فقط، مع الشروع في الحوار بشكل متزامن فهل هناك مبادرة تقدم حلاً متكاملاً، وتكون قادرة على إغلاق ملف الاحتراب والتآكل الداخلي الذي يهدد بالعصف بكل شيء: القضية والأرض والإنسان!! هذا ما ستجيب عنه الأيام والأسابيع والأشهر القادمة!!.
"الأيام"

التعليقات