31/10/2010 - 11:02

هل يصلح برلسكوني شريكاً في الاتحاد المتوسطي؟./ جميل مطر*

هل يصلح برلسكوني شريكاً في الاتحاد المتوسطي؟./ جميل مطر*

أكتب للمرة الثانية خلال أسبوعين عن السنيور سيلفيو برلسكوني رئيس وزراء إيطاليا، أكتب لأن الرجل تجاوز المدى. وقد يرى آخرون أنه لم يتجاوز المدى، ففي إيطاليا لكل مدى تجاوزاته. ثم إن برلسكوني لم يعترف يوماً بمدى سواء خلال ممارسته أنشطته التجارية أم ممارسته الحكم، وعلى كل حال فالأنشطة التجارية والحكم هما أصلاً عند السنيور برلسكوني مختلطان ومتداخلان إلى حد لا يوجد مثله في أي دولة من دول الاتحاد الأوروبي بما فيها الدول الخارجة لتوها من أنظمة الفساد تحت نظام حكم الحزب الواحد.

تابعت السنيور برلسكوني لمدة طويلة، تابعت نشاطه التجاري ومراحل نمو امبراطوريته ورأيت كيف يمكن الإنسان أن يتحول في سنوات قليلة من رجل أعمال بذراعين إلى أخطبوط بألف ذراع. قضيت معظم وقت المتابعة متوقعاً منه شراً يتجاوز الشر العادي، ومواقف تتحدى الاعتدال والمنطق ومصلحة إيطاليا. فالرجل مغامر ومقامر ومزايد معاً. لذلك لم تكن مفاجأة تصريحاته المثيرة ضد الإسلام والمسلمين وحضارة الشرق عندما كانت شعوب الغرب، وبخاصة الشعب الأمريكي، تواقة لمن يزايد على موقف بوش الصغير، رئيسهم وزعيم الغرب كان هدفه في ذلك الحين أن يكسب رضاء واشنطن والكنيسة فلا يتعرض منهما إلى انتقاد بسبب فضائحه القديمة والقادمة.

ولم تكن مفاجأة، أنه عاد إلى السياسة منذ أسابيع قليلة، وقد أضاف إلى وسامته الشيء الكثير بعمليات تجميل أو غيرها من ضرورات الزعامة العصرية، مسلحاً بكل النوايا السيئة لينتقم من كل القيادات السياسية والتشريعية والقضائية التي تسببت في خروجه من الحكم قبل عامين أو أكثر. وبالفعل بدأ، منذ أيام قليلة، في تنفيذ حملة انتقام مروعة ضد السلطة القضائية بجناحيها، وبخاصة جناح الادعاء والتحقيق، أو ما يمثله في بلادنا جهاز النيابة العمومية.

ففي خلال ساعات قليلة استطاع تمرير قانون مهين لكل الأعراف القانونية والقضائية، إذ تقدم شيخان في مجلس الشيوخ حيث تتوفر لبرلسكوني أغلبية مريحة باقتراح لإصدار قانون يقضي بإيقاف جميع المحاكمات المنظورة أمام محاكم إيطالية ويعود تاريخها إلى ما قبل عام ،2002 أي قبل توليه رئاسة الحكومة في عهدها الأول. واستثنى مشروع القانون القضايا شديدة الخطورة، ولم يحدد القانون معنى الخطورة. إذ ان بعض القضايا عن هذه الفترة تمس موضوعات قريبة من الإرهاب، وهو الأمر الذي لن تقبل الولايات المتحدة بالتسامح فيه أو إهماله. وما لا يعرفه الكثيرون خارج إيطاليا أن الرئيس برلسكوني نفسه متهم في قضية منظورة أمام محكمة في ميلانو، أما التهمة فهي محاولة إفساد عناصر في السلطة القضائية، ويقف معه متهماً محام بريطاني ساعد برلسكوني في إنشاء سلسلة من الشركات خارج حدود إيطاليا بأسماء مستعارة تهرباً من الضرائب أو ربما للقيام بأعمال لا تقرها القوانين الإيطالية.

وقد أقر مجلس الشيوخ القانون يوم 18 يونيو/حزيران. وبعد إقراره عاد برلسكوني يردد اتهامه القديم لرجال النيابة العامة في إيطاليا بأنهم يساريون متطرفون، وأنهم اختلقوا القضية المرفوعة ضده لأغراض سياسية وللإضرار بسمعته الشخصية وبممتلكاته وشركاته ومصالحه التجارية. ثم طالب رئيس مجلس الشيوخ في رسالة مفتوحة بأن يقرر المجلس وقف هذه المحاكمة وفي الوقت نفسه إصدار تشريع بوقف كافة المحاكمات المتهم فيها مسؤولون كبار في الدولة، وكان المجلس قد أصدر قانوناً بناء على طلب برلسكوني بتقييد سلطات هيئة الادعاء ومنع أجهزة الإعلام من نشر أخبار التحقيقات في جميع القضايا التي تمس الشخصيات العامة، وصدر القانون بالرغم من أن رجال القضاء والمحامين وعلماء القانون أكدوا أن هذا القانون إن صدر فسوف يشعل النشاط من جديد في منظمات الجريمة في إيطاليا كالمافيا وغيرها. وبعضهم ألمح إلى أن هذا ربما كان الهدف الحقيقي من إصدار القانون، إذ إن قوى الجريمة المنظمة وبعضها يساند حكومة برلسكوني وساعد على وصولها إلى الحكم هي صاحبة المصلحة في صدور مثل هذا القانون لأنه سيقضي على كافة السلطات التي حصلت عليها هيئات الادعاء والقضاء في إيطاليا بعد كفاح ضد المافيا سقط فيه عشرات من القضاة ورجال النيابة وتشرد بعض آخر.

سيلفيو برلسكوني المتهم بالفساد والإفساد ورئيس الحكومة الذي يحتكر أهم الأنشطة الإعلامية في إيطاليا، والرجل الذي جعل البرلمان الإيطالي، بوسيلة أو بأخرى، يوقف محاكمته وجميع قضايا الفساد المتهم فيها مسؤولون آخرون، هو الذي يقود مع ساركوزي وآخرين حملة طرد المهاجرين العرب من أوروبا، وهو الذي يضغط مع ساركوزي أيضاً لإقامة اتحاد متوسطي على أساس منظومة قيم جديدة قد تؤدي إن استوعبها سكان جنوب المتوسط من العرب إلى “تحسين أخلاقهم وترقية سلوكياتهم وتهذيب منظومة القيم التي يسترشدون بها ويعيشون عليها”.

يتردد الهدف من المشروع المتوسطي الساركوزي البرلسكوني التقريب بين “إسرائيل” والعرب وفرض التعاون والتطبيع بينهما، ويبدو أن الفهم السائد أيضاً أن تكون منظومة برلسكوني في القيم والممارسة السياسية والقانونية والأخلاقية والدينية، هي القدوة لكل العرب.

هل هذا ما نريد أن تشب عليه أجيال يفترض فيها أن تحمل قيم النهضة والتقدم وتتحمل مسؤولياتهما؟ أم أن قدوة كهذه قد تثير براكين غضب في مجتمعات، هي في الأصل، غاضبة ومتمردة على قليل أو كثير من قيم بعض نخب الحكم فيها.
"الخليج"

التعليقات