31/10/2010 - 11:02

واشنطن تبحث عن سيناريو عداء بين العرب وإيران../ فيصل جلول

واشنطن تبحث عن سيناريو عداء بين العرب وإيران../ فيصل جلول
كانت الحرب العراقية الإيرانية في ثمانينات القرن الماضي بمثابة “أم المصائب” التي حلت بالعرب والمسلمين منذ زمن طويل. فقد ألحقت أذى مهولاً بمنظمة الدول المصدرة للنفط “أوبيك” وعززت بالمقابل موقف الدول الغربية المستهلكة للطاقة، فالحرب وقعت في منطقة الاحتياط النفطي الأهم في العالم، وفي حيز يحتاج أهله إلى أقصى درجات التضامن في مواجهة الأسواق الدولية. وأدت الحرب أيضاً إلى انشغال العرب والمسلمين بصراع جانبي فيما عدوهم الأوحد “إسرائيل” تصول وتجول إلى حد اجتياح لبنان عام 1982 من دون اعتراض يذكر.

أنهكت الحرب الدولتين المتصارعتين وأطاحت اقتصادهما فخسرا ليس فقط البنية التحتية في كلا البلدين، وإنما أيضاً ميزانيات ضخمة بالعملة الصعبة خصصت لإعادة الإعمار. ولعل من نتائج الحرب البعيدة انهيار النظام العراقي عشية الغزو الأمريكي العسكري لبلاد الرافدين وتزايد مشاعر العداء والمبالغة في تفسير النوايا وتحميلها خططاً سيئة وعدائية ما كان يمكن أن تتحملها لولا تلك الحرب. أضف إلى ذلك أن الحرب وقعت في غرة الثورة الإيرانية وحالت بالتالي دون تفاعلها مع محيطها الأقرب والأبعد ناهيك عن أنها ربما تكون مسؤولة عن توجه إيران النووي الذي تعزز منذ تلك الحرب بعد استخدام الأسلحة الكيميائية من دون اعتراض دولي بل ربما بموافقة ومشاركة دولية نصف معلنة.

يبقى التذكير أنه خلال الحرب تجرأت “إسرائيل” على تدمير المشروع النووي العراقي الوليد، من دون أن تتمكن بغداد ومعها العرب من الرد على هذه الإهانة بما تستحق. باختصار شديد يمكن القول إن الحرب العراقية الإيرانية انطوت على نتائج كارثية بالنسبة للعرب والمسلمين وترتبت عليها نتائج باهرة بالنسبة ل “إسرائيل” والدول الغربية التي تخلصت دفعة واحدة من تهديد ومنافسة دولتين مناهضتين للصهيونية والغرب لأسباب ايديولوجية ودينية وتاريخية وتمتلكان الوسائل الضرورية لوضع سياساتهما موضع التطبيق على غير صعيد.

وإذا كان من الواجب تحميل الدولتين المعنيتين المسؤولية المباشرة عن الحرب فإنه لمن الواجب أيضا تحميل الدول الكبرى، والغربية في طليعتها، مسؤولية التخطيط للحرب عن بعد وتشجيع الحكومتين على خوضها وتزويدهما بوسائل القتال اللازمة، ومن ثم التخلص منهما معاً. وبالعودة إلى تفاصيل تلك الحرب نلاحظ بوضوح أن الدول الكبرى كانت تزود كل طرف بصور جوية لمواقع وحشود الطرف الآخر وتقدم لكل طرف التكنولوجيا العسكرية اللازمة إذا ما تبين أنه يتراجع أمام خصمه، ولعل معاصري تلك الحرب يتذكرون تفاصيل نقل طائرات “سوبر اتندار” الفرنسية المتقدمة إلى العراق للمساعدة في مجابهة التقدم الإيراني، في حين كانت شركة “لوشير الفرنسية للأسلحة والذخائر تبيع إيران مؤونة عسكرية وكذا الأمر بالنسبة للولايات المتحدة التي ارتبط اسمها بفضيحة إيران غيت في حين كانت تزود العراق بما يحتاجه من معونة عسكرية، لوقف تقدم الإيرانيين على جبهات القتال.

واللافت في هذا الصدد أن ما يسمى ب “الشرعية الدولية” كانت غائبة عن السمع في كل مرة تطرح فيها دول عدم الانحياز حلولاً ومشاريع لوقف القتال وإنهاء الحرب ولم تتدخل “الشرعية” المذكورة إلا بعد ما تأكدت من مشارفة الطرفين على الانهيار، فكان أن فرضت وقف القتال لتنتهج من بعد سياسة احتواء مزدوجة عبر قرارات ومشاريع عقوبات دولية وقد استمرت هذه السياسة الى سقوط النظام العراقي السابق في العام 2003.

كان لا بد من استخلاص النتائج المفيدة من هذه الكارثة والإفادة من دروسها، إلا أن أحداً من المعنيين في المنطقة لم يتصدّ لهذه المهمة بطريقة معلنة وموجهة، وان كانت العلاقات الطبيعية بين إيران ومعظم جيرانها قد بنيت ضمناً بعد تلك الحرب على قاعدة الاحترام المتبادل وتجنب الاستفزازات والتعاون الأمني وضبط الخلافات تحت سقف سلمي، بيد أن التطورات اللاحقة لاجتياح العراق واحتلاله بدأت تلقي بظلال سلبية كثيفة على العلاقات العربية الايرانية، وخصوصاً بعد هزيمة “اسرائيل” في حربها على لبنان صيف العام 2006. والواضح أن أمريكا المثخنة بجراح حربها العراقية تأمل مع تل أبيب بتكرار سيناريو الحرب بين العرب وايران عبر تحريض البعض على طهران وتعيينها عدواً للعرب بدلاً من “اسرائيل”. ومن المؤسف القول إن بعض العرب وبعض الإيرانيين سقط ويسقط في هذه اللعبة التي تظهر أحياناً بمظاهر مذهبية، وأحياناً أخرى بمظاهر قومية أو نووية أو جيواستراتيجية، وأخيراً أفصحت واشنطن عن خطط تسليحية في المنطقة لمواجهة مزاعم مختلقة بوجود خطر ايراني داهم على العرب، في حين أن هذا الخطر إن وجد فهو يطال “اسرائيل” حصراً.. إلخ.

حتى لا تحقق واشنطن مأربها بافتعال عداء مسلح بين إيران والعرب، وحتى لا تحقق “اسرائيل” مأربها بتظهير عدو مفتعل للعرب يحل محلها ويعينها عليهم، ربما يتوجب على الطرفين العربي والايراني التنبه الى هذه اللعبة الجهنمية منذ الآن وبالتالي تجنب السقوط في نزاع جديد قد يكون هذه المرة إذا ما اندلع أشبه بالسخرية التاريخية قياساً بمصيبة الحرب العراقية الإيرانية أواخر القرن الماضي.
"الخليج"

التعليقات