31/10/2010 - 11:02

ونُصبت خيمة الاعتصام الرابعة في القدس../ يونس العموري*

ونُصبت خيمة الاعتصام الرابعة في القدس../ يونس العموري*
هي مدينة الله، وأم المدائن، وبوابة الصعود نحو السماء، منذ أن كانت تعملقت بتاريخها، وكان لها أن تجمع في ثناياها تناقضات الإنسان وصراع أقطاب الشر مع إنسانية الفعل للحياة. هي القدس بكل تجلياتها وأحزانها، وفرح اللحظة، تتعرض اليوم لواحدة من أبشع المجازر بحق بشرها وحجرها من خلال مخطط لشطب تاريخها ووجودها القحطاني، فهي عدنانية الانتماء منذ أن كانت.

في القدس.. من في القدس اليوم يتوه في بحر السؤال عن المصير في ظل اشتداد الهجمة العبرية، وتتكاثر على هوامش روابيها الخيام، ولا سبيل أمام عشاقها سوى نصب خيم الاعتصام لممارسة الصراخ في الواد السحيق والصوت المرتد عن جدران أزمان الردة يتوه وسط ضجيج الكلام....

فما بين الإدانة والإدانة شجب واستنكار، والكل يتبارى بالقول البليغ لفعل الوعيد، وكل يغني على ليلاه، وليل القدس حالك السواد هذه المرة، وطفل يحاول أن يزمجر بحواري العتيقة ليمارس فعلا ذاتيا في معمعان التيه والتخبط... وكما هو كرنفال الموت يرقص المقدسي ساخرا على مشاهد اغتصابات أم المدائن....

في القدس حكاية أخرى أبطالها آخرون والفعل فيها مختلف، وسيد الموقف فيها مدجج بالسلاح وبأعتى أشكال الحقد على عروبتها وبشرها وحجرها، عناوينها اليومية هدم وقتل لحضارتها، وطرد لسكانها وعشاقها، وبالجوار يسكن من يسكن من أبطال الكلام والزمجرة بكل عبارات التأكيد والتوكيد على الحق المطلق بعاصمة فلسطين....

للقدس كلام، وممارسة الكلام له أصوله وله مدركاته ومنطلقاته، ولكل كلمة أو نقطة وحتى التوقف عن الكلام المباح حرفية والتزام، تخدم من يريد أن يعبر إلى أماكن أخرى، أو أن يحقق رغبة بأن يسود ويصبح ظاهرة من الظواهر الصوتية ومقاول من مقاولي المهرجانات الخطابية، ومن لا يعرف فليعرف أن هناك الكثير من يعلم من أين تؤكل الكتف وكيفية الأكل...

قتل وضرب وهدم وخوف يتسلل رغما عنا إلى شوارع القدس التي صارت مرتعا للأشباح، واعتقالات ومداهمات لمؤسسات تحاول أن تنطق بلغة الضاد، ومحاصرة منازل وإرهاب للبيت الآمن بحي البستان بجوار معابد الله، وطرد ومحاصرة منازل وتشريد لعائلات في جبل الزيتون وبيت حنينا... واعتقالات عند انبثاق الفجر ومطاردات لمن يصلي عند حجارة الهدم، والمعبد قد صار خاليا من الرعاة، والكفر قد أضحى الغالب بالمشهد العام... والمدجج بالسلاح قد أصبح من يسيطر على حالة العشق اليوم بكل الأماكن، ولم نعد نفرق كثيرا بين يهوذا في شوارع القدس وذلك المتسلل إلى أحلام العذارى بالبيت... صار كل شيء مباحا ولم يعد هناك محرمات، فبعد أن صار المشهد طبيعيا والدم المسفوك واحد والبيت المهدوم أيضا واحد وحالة التشريد واحدة، وقد أضحت الخيانة وجهة نظر، وفيها الكثير من البلاغة ومن الممكن مقاومة المقاوم ومن الممكن ملاقاة القاتل ما الفرق إذن..؟؟

لقاء واستجداء من فقراء الوطن بالعودة إلى العقل وممارسة الحوار وحل الخلافات ولا حياة لمن تنادي إذا ما ناديت حيا. الجنون صار صفة ملاصقة لممارسة الحكم الرشيد، والوعيد والتهديد صار الفعل المصاحب لسادة العصر الجديد.... وفي القدس من في القدس يحاول أن يمارس صموده على أرض يقال إنها مقدسة وقدسية وبقداستها قد طالت كل النواحي الأخرى، وما من قداسة اليوم لشيء، فقد أسقطوا كل الرموز، وأصبحت تباع وتشترى بأسواق المزادات والمزايدات بأسواق نخاسة تجارة المواقف، بدهاليز قصور حياكة المواقف والبيانات والزمجرة بمقاومة الاحتلال، وسيد المقاومة يثبت انه الأقدر على تثبيت الهدنة والتهدئة مع الآخر بمعادلة الصراع، ولا يمكنه أن يقبل أن يمارس فن الهدنة مع من يفترض انه الشريك بالوطن، إذا ما قبلنا بصيغة الوطن والمواطن وتعددية الفهم والقول البليغ وممارسة الفكر وحرية التعبير....

القدس كانت على موعد وهي كل يوم لها الكثير من المواعيد بأجندة العدوان الصامت الناعم المتدحرج لفرض الأمر الواقع والكاميرا سيدة المواقف وصانعة الأبطال الورقية. فالقدس باتت كلمة السر لمن يريد العبور إلى منتدى زعامات العصر من خلال الفعل الكلامي.

جاءوا ليلا وصرخوا وأطلقوا العنان لكلاب تعرف لغة كلام الفعل وممارسة الفعل ذاته وباشروا بفعل المقاولة الفعلية لعملية الهدم الحقيقية لبيت يأوي من يأوي من جميلات ورجال كان من الممكن أنهم بأحضان من يعشقون، ولطفل قد يكون حالما بفراشة تحط على شباك غرفته ويزهو بألوانها...

وما كان من السادة الكرام إلا أن عبروا عن بالغ أسفهم وغضبهم من هدم المنزل في قلب القدس معتبرين أن عمليات الهدم والاستيطان في القدس تدمر السلام، وقد تدمر التهدئة والهدنة التي نحرص عليها برموش العيون... وتشكل مخالفة لمؤتمرات التسوية وصناعة السلام... ودعوا المجتمع الدولي للضغط على إسرائيل لوقف هذه السياسات الاستفزازية المدانة، والتي تعيق التوصل إلى أي اتفاق تسووي سلامي وقد تعيق تمديد الهدنة والتهدئة... وكفى الله المؤمنين شر القتال....

وخيم الاعتصام قد أصبحت وأضحت طبيعية في المشهد المقدسي فواحدة بحي الشيخ جراح وأخرى بسلوان وثالثة بشعفاط والرابعة بجبل الزيتون ولو عرف ذاك الزيتون غارسه لصار الزيت دمعا....

بتلك الخيام يتجمع عشاق البيت ويجلسون فيها للتعبير عن رفضهم لهذه السياسات... وقد ينتقل فعل الاعتصام إلى كل أحياء القدس ليُصار أن يصبح المشهد طبيعيا.... فالضحايا يعرفون بعضهم ويمارسون أفعالهم بوضح النهار...

لاشك أن للقدس برأيي الكثير من الكلام وكلمة القدس قد باتت ضرورة هذه الأيام وقولها لا يمكن أن يصح دون صرخة مدوية تهز أركان المعمورة من خلال فعل أبناء القدس ذاتهم... فلا تعولوا على زعامات النظام والأنظمة فلن تأتيكم المساندة فالطرق مغلقة ولن ينطق باسمكم سوى أنتم ولن يكون لكم منبر سوى خيم اعتصاماتكم... ولن تتوقف الجرافات عن الهدم.... أعلنوا عصيانكم وباشروا بحماية مخادع نومكم، أعلنوا ثورتكم على ظلم ذوي القربى أولا.... وانطقوا بكلام القدس...

هو فعل العصيان الذي من شأنه إيقاف مجزرة الطرد والترانسفير من القدس... وليكن العام 2009 عام العصيان المدني في القدس كفعل مصاحب للاحتفاء بالقدس كعاصمة للثقافة العربية....

التعليقات