31/10/2010 - 11:02

يريدون لنا أن نجلس على الطاولة كي نسهل الحرب على لبنان../ زكريا محمد

يريدون لنا أن نجلس على الطاولة كي نسهل الحرب على لبنان../ زكريا محمد
الجميع مجنّد اليوم من أجل هدف واحد: عودة الرئيس عباس إلى المفاوضات!

أمريكا، أوروبا، والجزء الرئيس من العرب، كلهم يريدون للرئيس عباس أن ينهي حرده، وأن يعود إلى الطاولة. إسرائيل بكل كياناتها تريده أن يعود؛ بدءاً من باراك، إلى بنتنياهو، مرورًا بليبرمان وأيالون.
كلهم يريدونه على الطاولة.
"اجلسْ على الطاولة"، هذا هو المهم.

لماذا برأيكم؟ لماذا هذا الإصرار على جلوسه على الطاولة؟

أنا أقول لكم: جلوسه على الطاولة ضروري من أجل الحرب المقبلة التي ستشنها إسرائيل، بموافقة أمريكا وتحريضها. وهذه الحرب ستكون على لبنان، على حزب الله.
وهي حرب لا بد منها لأمريكا وإسرائيل:

- إسرائيل وجيشها يريدان من خلالها أن يثبتا أنهما قادران على تسليم البضاعة، بعد ان فشلا في ذلك عام 2006. طلبت منهم رايس وقتها تدمير حزب الله حتى تعيد عقارب الساعة إلى الوراء، من أجل شرق أوسطها الجديد. لكن جيش إسرائيل فشل في توصيل البضاعة في الوقت المحدد. وهذا أخطر ما يمكن أن يعرض لدولة إسرائيل من مخاطر. فتسليم البضاعة هو أساس وجود إسرائيل. لذا، فحرب ناجحة على حزب الله بالذات هي التي ستثبت أن جيش الدفاع ما زال يستطيع أن يسلّم البضاعة. من أجل هذا، فالحرب على حزب الله حاسمة لإسرائيل وجيشها.

- أمريكا: لا يمكنها حتى أن تفكر في ضرب إيران ما لم تتمكن من درء خطر حزب الله. ذلك أن وجود حزب الله يهدد تحويل أي مواجهة أمريكية مع إيران إلى حرب إقليمية، إسلامية وعربية، شاملة. فهو على استعداد لإطلاق النار فورا. لذا يجب إزاحة هذا التهديد.

عليه، فإسرائيل وأمريكا، إذن، يريدان الخلاص من حزب الله. هذا هدف حاسم سيأتي وقته مهما تأجل. وكي يتم الخلاص منه يجب تبريد الجبهة الفلسطينية. ذلك أن عدم تبريد الجبهة يؤدي إلى تشابك مشكلة المقاومة اللبنانية والموضوع الفلسطيني، الأمر الذي يحول أي معركة ضد حزب الله إلى حرب وطنية عربية إسرائيلية. ولا تستطيع واشنطن وتل أبيب ان تغامرا بالوصول إلى هذا الوضع. لذا يجب تبريد الجبهة الفلسطينية قبل فتح الجبهة اللبنانية. وتبريدها يقتضي عودة الرئيس عباس إلى الطاولة.

يعني، لا يمكن الذهاب إلى حرب حزب الله في حين أن الجبهة الفلسطينية مأزومة، المفاوضات متوقفة.
لذا على عباس أن يجلس على الطاولة، وأن يتناول فطوره، حتى لو لم يكن جائعا.

هذا يعني أن الرئيس عباس مطلوب لهدف لا يخصه هو مباشرة، ولا يخص السلطة، بل يخص لبنان. وجود على الطاولة غطاء للحرب المقبلة على حزب الله وعلى لبنان. هذا هو جوهر المسألة، وكل ما عدا ذلك تفاصيل. الكل يدرك ذلك. يدركه في قمة السلطة وفي أسفلها، مثلما يدركه الآخرون. يعني أن الأمر ليس غائبا عن أحد.

ويمكن القول إن شيئا من هذا قد حدث في الحرب على غزة. فلم يكن سهلا الهجوم على عزة من دون إخراس الضفة. وقد أخرست الضفة حتى تمر الحرب على غزة. بالطبع، كان الصراع بين فتح وحماس هو الذي مكن من حصول هذا.

الآن، يجب تهدئة الوضع الفلسطيني، وكسر الجمود، من أجل الحرب على حزب الله. يعني: يجب إخراس فلسطين، كي يتم الهجوم على لبنان. فحين يكون الوضع متوترا في فلسطين، فإن هذا يشكل غطاء ما لحزب الله. لذا يجب رفع هذا الغطاء، كي يسهل تدميره.

بالطبع، فهم السوريون أن الأمر هكذا، وان إسرائيل أنجزت استعداداتها للحرب على لبنان. لذا أرسلوا تحذيرات لإسرائيل، بأن الأمر هذه المرة سيختلف. فسوريا سوف تدخل الحرب إلى جانب حزب الله. لن تسمح بتدميره ومن ثم عزلها وتركيعها. هذا هو جوهر ما صرح به وزير الخارجية السوري وليد المعلم. لقد ذكرهم بأمرين:

الأول: أن سوريا ستدخل الحرب إلى جانب حزب الله هذه المرة، ولن تكتفي بإدخال الصواريخ فقط.
الثاني: تذكير إسرائيل بأن حرب 2006 غيرت الوضع. فتكتيكات حزب الله فيها، فتحت الباب لطراز آخر من الحروب في المنطقة، طراز سيجعل الانتصار الإسرائيلي أصعب، وأكثر كلفة.

إذن، فنحن أمام احتمال حرب قد تشمل سوريا إلى جانب لبنان. أما دور الطرف الفلسطيني فهو أن يهيئ لهذه الحرب عبر تبريد الجبهة الفلسطينية. "اجلس على الطاولة، واترك لنا الباقي"؛ هكذا يقال للرئيس عباس. وهذا ما يريدونه منه.
مطلوب منه أن يجلس على الطاولة. ولم يكن ليمانع، لكنه كان يريد وقفا للاستيطان ولو لشهر كي يتمكن من فعل ذلك من دون مشاكل، غير أنهم لم يعطوه ذلك. لذا فسيجلس ويغطي الحرب المقبلة من دون أن يحصل على شيء.

نعم، نحن نذهب للمفاوضات من أجل تسهيل حرب إسرائيل المقبلة على لبنان. هل هذا أمر غريب؟ نعم، إنه غريب، لكنه يحصل!

ومع ذلك، يجب أن لا نرى الأمر غريبا جدا. فقد قطع أناس كثيرون في السلطة والمنظمة أشواطا هائلة مبتعدين عن تاريخ الشعب ومنظمته، بحيث صاروا مستعدين للقبول بما لا يصدق. ففي مؤتمر (بدائل) الأول، هناك من قيادات المنظمة من جادل بأن علينا ان نسهل ضرب إيران على أمل ان يعطينا الأمريكيون شيئا. كان يقترح صفقة نغطي فيها الحرب على إيران مقابل شيء ما. بالطبع كان يتوهم أن أمريكا على وشك ضرب إيران. الآن الطموحات تقلصت. فهم مستعدون لتغطية الحرب المقبلة من أجل لا شيء تقريبا، أو قل من اجل تواصل فلوس المانحين لا غير.

التعليقات