06/11/2010 - 10:22

مصالحة فلسطينية ام كونفدرالية بين الضفة وغزة؟../ ماجد عزام*

-

مصالحة فلسطينية ام كونفدرالية بين الضفة وغزة؟../ ماجد عزام*
أثمر الاجتماع الأخير بين حركتي حماس وفتح الذي عقدمنتصف ايلول سبتمبر الماضي في العاصمة السورية دمشق اتفاقا على ثلاث من النقاط الاربع محل الخلاف، والتي تمثل مجتمعة ملاحظات حماس على ورقة المصالحة المصرية، بينما يفترض ان يحسم اللقاء القادم بعد ايام النقطة المتبقية المتعلقة بالملف الأمني الاكثر تعقيدا.
 
للتذكير فان ملاحظات حماس هي في الحقيقة بضع كلمات يراد إضافتها او حذفها من الورقة المصرية التي تقبلها الحركة بنسبة خمس وتسعين بالمائة حسب تعبير احد قادتها، وهي طالبت مثلا بان يكون تشكيل لجنة الانتخابات بالتوافق بدلا من التشاور، والامر نفسه مع محكمة الانتخابات. أما اللجنة المكلفة اعادة بناء منظمة التحرير فتريد حماس ان تكون مهامها "غير قابلة للتعطيل". وتضيف فتح بشرط ألا يتعارض ذلك مع صلاحيات اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، والملاحظة الاخيرة تتعلق بتفسير العبارة الواردة اصلا في الورقة المصرية والتي تشير الى إعادة بناء وهيكلة الأجهزة الامنية في الضفة الغربية وغزة.
 
مع الترحيب بالتوافق على الثلاث ملاحظات أو بالاحرى الثلاث كلمات من أصل اربعة خلال الاجتماع السابق بين فتح وحماس والذي لم تستغرق المناقشات فيه أكثر من ربع ساعة-حسب تصريحات متطابقة للطرفين - الا ان ذلك يطرح السؤال المنطقي والمؤلم عن اسباب استمرار الخلاف والانقسام كل هذه المدة، رغم ان الامر يتعلق ببضع كلمات كان تجاوزها في متناول اليد لو توافرت الإرادة والمسؤولية الوطنية عند طرفي الأزمة والخلاف، مع العلم ان حماس فازت في الانتخابات السابقة في ظل لجنة الانتخابات الحالية، ناهيك عن حيوية المجتمع الفلسطينى وقوة حضور منظماته المدنية والأهلية، كما اتضح من ردود الفعل على تأجيل عرض تقرير غولدستون امام مجلس حقوق الانسان في جنيف تشرين اول اكتوبر من العام الماضي، كما على قرار الذهاب الى المفاوضات غير المباشرة، وهو ما يقف خلف تصلب الموقف الفلسطيني الرسمي الحالي الرافض للعودة للمفاوضات الا بعد التجميد التام للاستيطان خاصة في القدس ومحيطها.
 
الخلاف الجدي الحقيقي يتعلق طبعا بالملف الأمني وفي كيفية تفسير العبارة الواردة في ورقة المصالحة المصرية، والتي تتضمن اعادة بناء وهيكلة الاجهزة الامنية في الضفة الغربية وغزة على أسس مهنية ووطنية، وهي المهمة الصعبة في ضوء الواقع الحالي حيث الأحادية الأمنية في الضفة لصالح فتح، وفي غزة لصالح حماس، وصعوبة اجراء اي تغير جدي وجوهري في المدى القصير.
 
والحقيقة ان التعاطي مع الملف الامني يعبر عن فلسفة وروح الورقة المصرية والطريقة الواقعية التي تعاطت بها من اجل انهاء الانقسام عبر اتباع التدرج وخلق وقائع على الارض كفيلة مع الوقت بازالة جدار عدم الثقة العالي بين حماس وفتح، وهي تلحظ ابقاء الوضع على حاله تقريبا خلال الفترة الانتقالية ما بين توقيع اتفاق المصالحة واجراء الانتخابات، والبالغة تسعة أشهر في حدها الأدنى، مع تشكيل لجنة وطنية للتنسيق بين الجانبين بدلا من حكومة توافق وطني نظرا لصعوبة وعدم واقعية الفكرة الاخيرة على المدى المنظور. وهذه اللجنة ستاخذ على عاتقها مهمات صعبة منها العمل على رفع الحصار وانطلاق عملية اعادة الاعمار وتحضير الاجواء المناسبة لاجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية وفق قانون انتخابات عصري ونزيه ودمج جزئي لعناصر من حركة فتح ضمن المنظومة الامنية في غزة، وتحديدا فيما يخص امن المعابر ما يعني من جهة اخرى اننا سنكون خلال المرحلة الانتقالية امام شكل من اشكال الكونفدرالية بين الضفة الغربية وقطاع غزة، وسيكون الأداء الفلسطيني -والمواكبة العربية- من حيث التنفيذ الأمين والدقيق للوثيقة المصرية والتفاهمات الثنائية الحمساوية الفتحاوية حاسما وقاطعا لجهة انهاء الانقسام السياسي والجغرافي الحالي او تابيد الانفصال بين الضفة وغزة، وإعادة تحديث الواقع الذي كان سائدا قبل نكبة حزيران 1967 اي سلطة فلسطينية في غزة خاضعة لوصايات عدة مصرية ودولية، واخرى في الضفة خاضعة لوصايات عدة أردنية واسرائيلية ودولية، ما يعني ايضا تصفية المشروع الوطني بشكل عام، واعطاء اسرائيل على طبق من ذهب ما عجزت عن تحقيقة بالاحتلال والقهر والمفاوضات خلال الستين عاما الماضية.
 
 في كل الاحوال طبعا يجب عدم تجاهل الطابع الاجرائي البحت للورقة المصرية، وهو أمر محمود وواقعي ومسؤول لعدة اسباب، منها ان ثمة وثائق عديدة وضعت من قبل وتتعاطى مع الجانب السياسي، وتمت الاشارة اليها في الوثيقة مثل اتفاق القاهرة 2005 ووثيقة الوفاق الوطنى 2006 واتفاق مكة 2007 اضافة الى عبثية ووهم ربط المصالحة بالتوصل الى توافق سياسي جديد قد لا يحصل مع اولوية انهاء الانقسام وتكريس المصالحة وتنظيم الخلافات والاحتكام الى الشعب عبر انتخابات شفافة وحرة ونزيهة.
 
 رئيس المكتب السياسي لحركة حماس السيد خالد مشعل كان واضحا وصريحا في هذه الجزئية حيث قال بالحرف الواحد في اجتماع لتحالف القوى الفلسطينية اواخر ايلول الماضي "حول التفاهم السياسي قبل خمس سنواتلم نتمكن من ذلك، فكيف الان نحن نتحدث عن الانقسام فى الجغرافيا على الارض نتوحد وبعدها ليبقى الخلاف السياسي لنذلل الصعاب على شعبنا".
 
تمثل الوثيقة المصرية اذن خريطة طريق واقعية ومسؤولة نحو انهاء الانقسام الكارثي والمأساوي حتى لو استمر الخلاف السياسي، علما ان ثمة وثائق يفترض انها حسمت هذا الامر او على الاقل وضعت خارطة طريق لانهائه -وثيقة الوفاق الوطنى- وامام الفلسطينيين سنة تقريبا لترتيب البيت الوطني الداخلي وبلورة قيادة او مرجعية عليا لوضع استراتيجية متفق عليها لادارة الصراع مع اسرائيل ترقبا للاعلان الرسمي عن فشل المفاوضات، والا فاننا سنكون امام كونفدرالية بين الضفة وغزة او انقسام سياسي وجغرافي أبديودائم. وفي الحالتين نحن أمام إنهاء للمشروع الوطني وهدر للتضحيات الجسام التى قدمها الشعب الفلسطيني بمختلف فئاته وفصائله لاكثر من نصف قرن من الزمان.

التعليقات