12/11/2010 - 15:41

الإفقار كسياسة../ إمطانس شحادة*

-

الإفقار كسياسة../ إمطانس شحادة*
** ازداد عدد العائلات الفقيرة في العام 2009  بـ 15 ألف عائلة، منهم 14,200 عائلة عربية و 650 عائلة يهودية متدينة. أي ان  95% من العائلات الفقيرة الجديدة هم عرب
** 66% من الأطفال العرب فقراء
** القدس حكاية تهويد وإفقار.. يبلغ معدل الأسر العربية الفقيرة في القدس 75% و 83% من الأطفال العرب في القدس فقراء 
 
وفقا لتقرير الفقر والفروقات الاجتماعية للعام 2009 بلغ معدل الفقر في إسرائيل 20.5% من مجمل الأسر في الدولة مقارنة بـ 19.9% في العام 2008.
 
وقد تناولت وسائل الإعلام العبرية هذا الموضوع بنوع من الاعتدال، ولم يتحول الموضوع إلى قضية رأي عام حارق أو لتوجيه انتقادات شديدة للحكومة الإسرائيلية. تدقيق معمق في المعطيات يوضح أسباب هذا الاعتدال الإعلامي والسياسي، اذ يتضح أنه لا يوجد سبب جدي لرفع قضية الفقر إلى رأس سلم أولويات الصحافة، صناع القرار أو الرأي العام، بالنسبة للمجتمع الإسرائيلي، كون الفقر متواجد بالأساس لدى الأسر العربية ومن ثم الأسر اليهودية المتدينة (الناتج من أسلوب حياة تلك الفئة).
 
بلغ عدد الأسر الفقيرة في العام 2009 نحو 435 ألف عائلة، منهم 156 ألف عائلة عربية. وقد ازداد عدد العائلات الفقيرة مقارنة بالعام 2008 ب 15 ألف عائلة، منهم 14,200 عائلة عربية. وقد ارتفعت نسبة الفقر العامة 3.6% في العام 2009. بينما ارتفعت قرابة 10% لدى الأسر العربية. أما لدى الأسر اليهودية فانخفضت نسبة الفقر من 15.3% الى 15.2%. هذا يعني أن ضائقة الفقر في إسرائيل متواجدة لدى الأسر العربية بالأساس، الذين يشكلون قرابة 36% من الأسر الفقيرة، والأسر اليهودية المتدينة والتي تشكل 13% من مجموع الأسر الفقيرة. مما يعني أنه باستثناء العائلات العربية والعائلات اليهودية المتدينة يخفض معدل الفقر الى 10%. 
 
من متابعة وتحليل معطيات الفقر منذ مطلع التسعينيات، يمكننا أن نلمس بعض النقاط الأساسية والهامة المتعلقة بمعدلات الفقر لدى السكان العرب:
 
 
 
 
1-                               التحول البارز في معدلات الفقر لدى الأسر العربية حصل في العام 2001. فمن جهة بدأت معدلات الفقر بالارتفاع بشكل كبير، ومن جهة أخرى انخفض تأثير مخصصات التأمين والضرائب في إخراج عائلات عربية من دائرة الفقر. فبعد أن كانت مخصصات التأمين والضرائب تخرج بالمعدل 27% من العائلات العربية من دائرة الفقر بين الأعوام 1990 و 2001، هبطت هذه النسبة إلى 13% (بالمعدل) منذ العام 2002. أي أن هناك توسيعا في دائرة الفقر وتعميق حالات الفقر لدى العائلات العربية.   
 
2-                               لقد ازداد معدل الفقر في أوساط العائلات العربية الضعفين منذ مطلع التسعينيات. فضائقة الفقر لدى العائلات العربية قائمة في كافة أنماط العائلات، وهي ليست ناجمة عن كبر العائلة وعدد أفرادها فحسب. وقد دلت بعض الأبحاث على أن 75% من أسباب كون الأسر العربية تعيش تحت خط الفقر ليست ناجمة عن أسباب ديموغرافية، وإنما عن أسباب أخرى، مثل: النقص في التعليم؛ وجود عدد معيلين منخفض؛ تمييز في سوق العمل؛ محدوديّة فرص التشغيل؛ ارتفاع مستوى البطالة؛ التنافس مع العمال الأجانب؛ عدم المقدرة على الاندماج في الاقتصاد المركزي وعن نوع المهن المزاولة.
 
3-                               في العام 2009، تنخفض نسبة الفقر في أوساط العائلات اليهودية بصورة ملموسة، بعد احتساب مدفوعات التحويلات والضرائب. فغالبية العائلات التي عاشت دون خط الفقر، وفق مقياس الدخل الإجماليّ ( 28.9%)، في أوساط المجتمع اليهودي نجحت في الخروج منه بعد قبض مدفوعات التحويلات، ووصلت نسبتها (أي العائلات الفقيرة) إلى 15.2 %. أي أنها لا تبتعد كثيرا عن خط الفقر. في المقابل، انخفضت نسبة الفقر في الأسر العربية في العام 2009 بنحو 11.4% فقط بعد تدخل الدولة عبر الضرائب ومدفوعات التحويلات والمخصصات، من نسبة 60.3% إلى 53.5%.
 
4-                               المجتمع العربي يستغل فقط 40% من طاقات المشاركة في أسواق العمل أي من قدراته الإنتاجية. اذ أن معدل مشاركة الرجال في أسواق العمل يصل قرابة ال 50% ومعدل مشاركة النساء العربيات لا يتعدى ال 20%.
 
 
يُستنتَج من الوضع الاقتصادي المتدني للفلسطينيين في الداخل أنه لم يكن هناك أي علاج جذري لمنابع الفقر ولا للنواقص الأساسية التي تؤدي إلى الفقر لدى العائلات العربية. كما أن الأقلية العربيّة لم تُمنح أية إمكانيات لزيادة وتعزيز آليات داخلية لمواجهة هذه الظروف. ناهيك عن تطبيق سياسية إفقار منهجية للحفاظ على دونية الأقلية العربية، وترسيخ التبعية في مصادر الدخل، التي تمكن الحكومة من فرض عقوبات جماعية ضد المواطنين العرب حيثما شاءت، كما حدث بعد هبة اكتوبر 2000، وتهدف (وفقا لاعتقاد الدولة) إلى التحكم في التصرف السياسي للفلسطينيين.
 
هل هناك حلول للوضع القائم؟
 
هناك تصريحات وإعلان عن خطط من قبل وزارة "الأقليات"، لاتخاذ بعض الخطوات للتعامل مع الضائقة الاقتصادية للفلسطينيين، منها على سبيل المثال، إقامة هيئة حكومية خاصة لتطوير الاقتصاد العربي وإنشاء شركة للاستثمار في الاقتصاد العربي برأس مال 40 مليون دولار، ووضع ميزانية 800 مليون لعدد من السلطات المحلية العربية. كما بدأ عدد من المؤسسات الإسرائيلية بالعمل في السنوات الأخيرة على دمج العرب في الشركات الإسرائيلية الخاصة وفي الصناعات المتطوّرة والمعرفة والمعلوماتية. لكن هذه خطوات محدودة وموضعية ليس بمقدورها وحدها حل ضائقة الاقتصاد العربي ولا تحقيق تطوير وإنماء اقتصادي دائم.
 
كما يمكن التعامل مع الفقر وتدني الأوضاع الاقتصادية، بواسطة وضع ميزانيات مخصصة للأقلية الفلسطينية في مجالات التعليم، التأهيل المهني، المراقبة القانونية لظروف العمل، وتطوير البنى التحتية في البلدات العربية، إقامة مناطق صناعية، بالإضافة الى رفع مستويات تشغيل الفلسطينيين في المؤسسات الحكومية. لكن هناك غياب قرار سياسي لتطبيق أو تفعيل تلك الحلول. فعلى سبيل المثال هناك الآن اقتراح ميزانية للأعوام 2011-2012، ومن الصعب أن نجد في بنودها أي بنود لتطوير الاقتصاد العربي، أو تطوير لرأس المال البشري عن طريق تطوير التعليم مثلا، أو تعامل جذري مع نسبة المشاركة المتدنية للنساء العربيات في أسواق العمل.
 
من هنا فإن الحلول الجذرية لتحقيق تغير في الواقع الاقتصادي، لا تحقق بالميزانيات والمخصصات فقط، إنما يتحقق بواسطة إشراك الفلسطينيين في وضع الخطط والبرامج ورسم السياسات وتنفيذها من جهة، وتغيير مكانة الفلسطينيين في إسرائيل. فعلى سبيل المثال لا الحصر، فقط اذا كانت لدينا السيطرة والإدارة الذاتية في مجال التعليم، ووضع برامج تعليم، وخطط تهدف الى تغير الحال بشكل جدي وصادق، يمكن الوصول الى نتائج. وهذا يندرج على جوانب عدة في عمليات التطوير. يجب ان يكون للفلسطينيين الإمكانيات والأدوات لوضع الخطط وتنفيذها بما يخدم المجتمع العربي وألا يكون الحل المتخيل في رفع مخصصات التأمين أو زيادة ميزانيات وهمية ومؤقتة وفي كثير من الحالات مشروطة بالموقف والتصرف السياسي.
 
سياسية إفقار الفلسطينيين في الداخل لا تقتصر على حكومات اليمين أو ناتجة حصريا عن سياسات نتنياهو الاقتصادية، ولا عن أهداف إغناء الأغنياء وإفقار الفقراء. إفقار الفلسطينيين ناتج عن سياسات الاقصاء المعمول بها من قبل كافة الحكومات الإسرائيلية. لذلك لا يمكن التعامل مع الواقع الاقتصادي للفلسطينيين في إسرائيل  بمعزل عن السياق السياسي والاجتماعي، ودون أن نتعامل مع الأوضاع الاقتصادية والفقر كجزء من الإقصاء الاجتماعي والسياسي المعمول به تجاه الأقلية الفلسطينية، الذي يمنعهم من العمل على تطوير أوضاعهم الاقتصادية والسياسية والاجتماعية.
 --------------------
 
* منسق مشروع "الأقلية والمرأة العربية في ميزانية الدولة" – (مشروع مشترك لجمعية الجليل ومركز "إعلام" ومركز "مدى الكرمل")

التعليقات