14/11/2010 - 07:11

متآمرون ثلاثة... وثلاثة كتب تدعم "نظرية المؤامرة"!../ عبد اللطيف مهنا

-

متآمرون ثلاثة... وثلاثة كتب تدعم
في السجال المحتدم حول تاريخ وطبيعة العلاقة بين العرب والغرب، وكل ما دار ويدور من جدل يتعرض لشؤون وشجون وكوارث ومصائب واستهدافات المشروع العدواني الغربي في بلادنا، منذ أن بدأ مع بدء المسيرة الاستعمارية الأوروبية لقرون خلت وحتى الساعة، يشهر الغرب في وجه العرب مقولة مضللة، أقل ما يقال فيها أنها تستخف بالعقل العربي وتسخر منه، أشاعها وحاول ترسيخها وتلقينها لبعض مستلبيه بين ظهرانينا، فكررها هؤلاء حتى صدقوها وعمموها، وأصبحت بالتالي لديهم وكأنما هي بمنزلة القول المأثور. هذه المقولة تزعم بأن العرب مولعون بنظرية المؤامرة، بمعنى، ولعهم برد كل ما لحق ويلحق بهم من ويلات في الثلاثة قرون الأخيرة إلى سبب من التآمر الغربي الدائم والمستمر عليهم.
 
في مثل هذه الحالة يتم تجاوز سلسلة طويلة من المؤامرات الغربية على العرب التي سطرها التاريخ وفضحها الزمن وأكدتها الوقائع وكشف عنها سيل من وثائق الغرب نفسه، التي أفرج مضي الزمن عن مكنوناتها وعالجها المؤرخون... هنا قد نكتفي بالإشارة إلى سايكس بيكو، ووعد بلفور، والعدوان الثلاثي، وصولاً إلى غزو العراق... وهكذا، لمن شاء، تفاصيل التفاصيل التي تنهال علينا عبر الوثائق المفرج عنها مع مرور الزمن وانتفاء ضرورة الحفاظ على سريتها، في كل ما يتعلق بهذه العلاقة بين المعتدي المستهدِف و المعتدى عليه المستهدَف، أو الطامع والمطموع فيه.
 
ثلاث كتب طازجة صدرت هذه الأيام تفضح هذا المفضوح وتقطع بشأن خطل مثل هذه المقولة المزعومة قول كل خطيب، وتجعل من المستلبين المرددين لها الأحق بالسخرية وليس العقل العربي الجمعي، هذا الذي لم يخطئ بشأن موقفه من هذه العلاقة غير الإنسانية إجمالاً من حيث لا منطقها ولا طبيعتها ولا استهدافاتها، وغير المتكافئة، والتي تنوء تحت أثقال تراكمت من الضيم والمعاناة والاستضعاف والمآسي والدماء التي لحقت بالعرب.
 
هذه الكتب الثلاثة هي، الأول: كتاب سيء الذكر طوني بلير الأخير أو مذكراته، والثاني: كتاب حليفه الأسوء ذكرا جورج بوش الصغير، الذي تزامن نشره مع الانتصار الجمهوري في الانتخابات النصفية الاشتراعية الأمريكية، وترافق مع ما يلمح من بداية لخروج العنصرية الأمريكية الحبيسة من قمقم كمونها، كرد فعل على تداعيات بداية العد العكسي لمرحلة الأفول الإمبراطوري الأمريكي، وتأثير الهزائم التي تكبدها الجموح الاستباقي الإمبراطوري، أو المشروع الأمريكي، الذي عبرت عنه حروب بوش الكونية على عدوه الكوني غير المرئي المسمى "الإرهاب"، بدءاً بتعثر هذا المشروع في العراق، وبداية هزيمته المريرة المؤكدة في أفغانستان، وخساراته البادية في الباكستان، وهكذا سائر ساحاته... أو كل ما يقول لنا أن عالمنا قد دخل مرحلة انتهت فيها أحادية القطبية أو هي تحتضر، وإن لم يصل بعد إلى تعدد هذه القطبية، أو الحالة التي هو في طريقه إليها.
 
أما الكتاب الثالث، فكتاب الفرنسي فنسان لوزيل "سر الرؤساء"، الذي يتحدث ويفصل فيه عن بعض من حكايات تآمر هذا الثالوث المتآمر على العرب، بلير، بوش، شيراك، مورداً فيما تعرض له تفاصيل التفاصيل وعديد الوقائع والتي لا يغفل عن مسألة تدعيمها بالوثائق.
 
لعل هذه الكتب الثلاثة بما يكشف فيها أصحابها عن بعض من المفضوح الذي يعاد فضحه أو يؤكد على يد أهله، سوف تظل إلى أمد غير قصير حديث الأيام. وهي من الآن قيد التعليق والتعقيب في بلادهم وبلادنا والعالم، لاسيما منها كتاب بوش الذي عنونه ب "لحظات القر ار"، والتي يهل علينا الرجل فيه هذه المرة متقمصاً دور المفكر!
 
وعليه، نكتفي في هذه العجالة بالإشارة إليها، أو إلى بعض من جوانب فيها حول ما يتعلق بما نحن بصدده، ونترك الباقي لحديث الساعة الدائر وقادم الأيام التي أشرنا إليها، كتب بوش عن ارتكابات حقبته الاستباقية الهائجة في البيت الأبيض مبرراً حماقاته المأساوية وما جرته سياساته الكارثية الدموية على هذه المنطقة مبرراً، وكان فيما كتب ملتزماً تسطيحية عرفت عنه وظلت تلازمه، مكرراً شعارات كان العالم قد مجّها وكره سماعها جراء استخدامه الوقح لها وترجمته النقيضة تماماً لمضامينها... "دفاعاً عن الحرية"، "نشر الديموقراطية"، "حماية القيم الأمريكية"، "محاربة الإرهاب"... وحيث لم يعتذر، كما هو المتوقع من مثله، عن كل ما فعله بالعرب والأفغان، وترويعه لبقاع أخرى من العالم، فهو يؤمن، مثلاً، وفق ما ورد في الكتاب، بأن من مآثره التي سوف يلحظها التاريخ ويسجلها له في سياق ما يعتقده انصافه له، أنه حول مسار التاريخ في دنيا العرب... من ذلك مثلاً:
 
تدمير العراق وانتصار ديموقراطيته العتيدة التي خصه بها، هذه التي جرى التعبير عنها بانتخاباتها التي جرت تحت حراب الغزاة ووفق سيناريوهاتهم، وانتجت إلى جانب الموت اليومي ما تدعى "العملية السياسية" التي نشهد مفارقات آخر فصولها هذه الأيام. وتعاونه مع شيراك وبلير في استخدام الأمم المتحدة لإصدار قرار 1559 المعروف الذي لايزال لبنان يعيش فصوله الخطرة حتى اليوم، مفاخراً هنا بكيف أدار مع شريكه الفرنسي شيراك لعبة "ثورة الأرز"، التي يصفها بأنها "أحد أهم النجاحات في خطة نشر الحرية"!
 
كما لا ينسى التأكيد على تآمره مع أولمرت لشن حرب 2006 العدوانية على لبنان لاستئصال المقاومة ودوره في إطالة أمدها ورغبته في توسيعها لضرب سوريا... دون أن ينسى في هذا السياق ما ذكره عن تشاوره المسبق مع أولمرت حول ضرب منشأة دير الزور السورية وتقديمه المعلومات اللازمة لإسرائيل لقصفها... وأخيراً أعرب بوش عن أسفه لأن أولمرت لم يستفد من الفرصة التي أعطاها له عبر ما دعاه "شراء الوقت لإسرائيل" لتحقيق أهداف تلك الحرب الفاشلة... هذه الحرب العدوانية الفاشلة التي يعتبرها "احدى اللحظات الحاسمة الأخرى في صراعنا الأيديولوجي"!!!
 
والمأثرة الثالثة له التي يفاخر بها في كتابه هي انتخاب أبو مازن رئيساً لسلطة الحكم الذاتي الإداري المحدود تحت الاحتلال، أو تدعيمه لديموقراطية أوسلو التي تعم خيراتها التهويدية ما تبقى من فلسطين هذه الأيام... هذه المآثر البوشية الثلاث يصفها بوش في كتابه كالتالي: "لم يسبق أبداً أن حققت ثلاث مجتمعات عربية هذا الحجم من التقدم"!!!
 
أما الكتاب الثاني، فيكفي أن نقول أن بلير، العضيد التابع والمتحمس المزين لكل حماقات بوش ودمويته الاستباقية ومبررها وداعمها بأكاذيبه، اعترف فيه بأن خططهما المشتركة في العام 2001 وما تلاه كانت تستهدف، وفق ما كتبه نصاً، "تدمير الدولة السورية" وليس النظام فحسب، أي أنهم ارادوا تماماً بالنسبة لسوريا مثل ما فعلوه بالعراق. أما كتاب "أسرار الرؤساء" الفرنسي، أو الثالث، فقد تمحور حول تآمر شيراك وبوش لما وصفه بلير ب"تدمير الدولة السورية"!
 
إذن أبو التحول الديموقراطي غير المسبوق في بلادنا، والمكافح الهام من أجل حقوق الانسان فيها، طبعاً على طريقته المعروفة التي جربناها ولازلنا نعيش تداعياتها، لازال يكذب... لكنما السؤال هو، لماذا، بعد أن بدا أن أمريكا المؤسسة التي ملت حماقاته، فاخفته، أو سحبت ذكره من التداول، لسنتين كاملتين خلتا وكأنما هي تخفي عاراً أو تتفادى حرجاً، واستبدلت في بداياتها وجهه العاكس غباءً بسمرة أوباما التي يسوّقها خطيب مفوه بغية ستر قبح سحنتها في نظر العالم، لماذا تستله هذه الأيام من غمدها، وبالتزامن مع الفوز الجمهوري الانتخابي الأخير، وما الذي يدفعها لأن تمهد لعودته مفكراً بسلسلة لقاءات تلفزيونية تبريرية لكل ما جره من مصائب عليها وعلى أعدائها وأصدقائها جميعاً؟!
 
لعله حاجتها هذه الأيام لزعيم على شاكلتههو أفضل من يمثل حالها الامبراطوري المتخبط المنحدر... أما لاصحاب مقولة الولع العربي بنظرية المؤامرة ومردديها من بني جلدتنا، فلعل خبر هؤلاء المتآمرين الثلاثة وما ورد في هذه الكتب الثلاثة المشار إليها تقول: أن كافة تجليات العلاقة بين الغرب والعرب، بما كان ولايزال لها، أو ما اتسمت به، من طبيعة عدوانية استعمارية عنصرية من حيث جانبها الغربي، هي فصول لا تنقطع مسلسلاتها من مستمر المؤامرة... وأيضاً تقول لنا: وما أشبه اليوم بالبارحة!

التعليقات