15/11/2010 - 12:52

توحّد الأمّة طريق خلاصها../ كلوفيس مقصود

-

توحّد الأمّة طريق خلاصها../ كلوفيس مقصود
بوادر متكاثرة تشير إلى مزيد من التفكيك وفقدان المناعة داخل الأمة العربية، وحتى التفتيت داخل الكثير من مجتمعاتها، ولا أريد أن أتصور أن الحالة الراهنة هي دلائل تشير إلى فقدان العرب أمتهم، هذا يشكل ضرراً كبيراً وكبيراً جداً للأجيال العربية القادمة. كما أن ليس هناك من ضوابط لهذا الفلتان في وحدة الأمة ووحدة الأوطان داخل مجتمعاتها، وقد يكون هذا مبرراً للتشاؤم، لكن المفروض أن لا نستقيل من العمل المبدع لاسترجاع مناعة المجتمعات العربية ومناعة احتمال قيام وحدة الأمة. قد لا يكون هذا محتملاً في القريب العاجل ولا في القريب المتوقع، ولكن لابد من التنويه بأنه إذا بقي التدهور والتآكل في الأوضاع كما هو عليه، فإن هذا يستدعي بشكل عاجل التقليص من احتمالات هذا التدهور، والعمل المضني لعودة الالتزام بوحدة الأمة. أعلم أن الدعوة لوحدة الأمة في الوقت الراهن كأنها صرخة في البرية، وأعلم أيضاً أن الدعوة وسط الخراب السائد تندرج في خانة اللاواقعية وتدفع من يستمر في الإصرار على شرعية الوحدة لأن يعتبر تشويشاً غير مجد وبالتالي فإنه خطاب للتهميش وبعض الأحيان إلى القمع.
 
هذه الصورة السوداوية واضحة المعالم في ما هو حاصل في العديد من الدول والمجتمعات العربية حيث إن فقدان مجرد التنسيق بين الدول العربية والالتزام بقرارات بديهية تأخذها مؤسسة جامعة الدول العربية أصبح وكأنه نهاية المطاف وليس نقطة انطلاق لتفعيل إجراءاتها. حتى فقدان هذا المستوى الباهت من التنسيق والالتزام لم يعد قائماً إلا في قرارات وزراء الداخلية المتعلقة بكيفية الإمعان في انتهاك الكثير من الحقوق المدنية والإنسانية لشرائح شعوب هذه الأمة. فما نشاهده يوماً بعد يوم مما هو حاصل في الصومال، واحتمال ما قد يحصل في السودان وبما ينطوي عليه من تقسيم له، وما نشاهده من ظاهرة الابتعاد بالمغرب العربي الكبير وانجذاب البعض منه إلى ترسيخ علاقات أقوى مع أوروبا، وما قد ينطوي عليه ذلك من فقدان هذا المخزون العربي من المشاركة العملية في تقرير مصير الأمة بحيث إن هذا يحول دون مساهماتهم المطلوبة في تبني تمكين الشعب الفلسطيني من استرجاع حقوقه بشكل أقوى وأجدى، بالرغم من الإرادة الشعبية في كل دول المغرب العربي الكبير التي تبلور الالتزام بوحدة المصير العربي، مثلما تجاوب مع ما يسمى بالمشرق العربي في نضالاته الوطنية والقومية، ولعل ما حصل بعد ثمانية أشهر من محاولة قيام حكومة يشكل تعبيراً مأمولاً عن الوحدة الوطنية في العراق يحول دون التعرض لمزيد من التقوقع العنصري والنزاعات المذهبية والطائفية. لكن ما نشاهده يكاد يقترب من تحالف يرسخ بدوره الطائفية والعرقية على حساب المواطنة أسوة إلى حد ما بما هو حاصل في لبنان كون النظام الطائفي بدوره يعطل المواطنة شعوراً وانتماء، ذلك أن ما حصل في العراق في الأيام الماضية على الرغم من أنه قد يؤول إلى تهدئة فإن استناده إلى صيغة طائفية يجعل التسوية التي من شأنها أن تستولد تهدئة متقطعة أن تؤدي إلى إضعاف دور العراق في محض الأمة التزاماً بوحدتها كما كانت الأجيال تتصور أن العراق هو أحد روافد النهضة العربية ليس فقط من حيث الثقافة القومية بل أيضاً من حيث تجاوبه مع دعوات الوحدة منذ وعي جماهير العراق على احتضان القضايا التي آلت إلى مزيد من الوعي بوحدة المصير.
 
كما نجد أن فقدان مسؤولية تأكيد عروبة الهوية والمصير قد أدى إلى تبلور الولاءات القبلية والفئوية والمذهبية في اليمن السعيد، اليمن الواعد الذي تجاوز في مرحلة سابقة التقسيم الذي انتجه الاستعمار في جنوب اليمن، وقد كانت هذه الوحدة، خطوة اعتبرتها شرائح الأمة بداية لمزيد من الوحدة، وإذ بنا اليوم نجد أن تيارات الانفصالية والعودة إلى الولاءات القبلية وبدء التآكل في المجتمع المدني الذي كان في مراحل عديدة من تاريخ اليمن الحديث حاضناً لتيارات وحدوية بدءاً من الوحدة التي حصلت بين جنوب وشمال اليمن تمهيداً لعودة دور لليمن في استعادة ثقافة الوحدة على المستوى القومي، الآن أين هذا اليمن من اليمن الذي كان واعداً لاحتضان دافئ لعروبة متجددة؟
 
ولبنان، هذا الوطن الذي شكل من نفسه جزيرة للمخاضات الفكرية العربية، والذي كان ولا يزال مرشحاً لأن يكون المخترق لتقوقعات الطائفية، والذي يجعل من إطاره ساحة التلاقي والتفاعل بين الآراء والتيارات، والذي يحتضن مؤسسات لدراسات الوحدة العربية والشؤون الفلسطينية ومجابهة المشروع الصهيوني، إلا أن لبنان هذا يتعرض اليوم إلى احتمال انسحاب من دوره المضيء الثقافي والفكري وكونه الرد الحضاري على المشروع الصهيوني ليتحول مثلما حصل نتيجة النظام الطائفي مسرحاً لتنافسات وتناقضات ونزاعات الغير على أرضه، وأنه كلما حصلت تهدئة فإن النظام الطائفي تارة يسهل التعايش في ما بين مكونات الطوائف وتارة أخرى لعودة استقطاباتها كما هو في المرحلة الراهنة، حيث نجد بعض قادته السياسيين يقول إنه إذا خيرنا بين المحكمة والحكومة فإننا نختار المحكمة من دون الحكومة.
 
هذا الوضع المتأزم ليس بنظرنا هو التعبير عن أصالة الأمة ولا عن حقيقة مشاعر والتزامات شعوب الأمة ولا عن تلقائية الوحدة التي تستشعرها شرائح مواطني الأمة، لكن الذي يصمم على إفقاد الأمة مناعتها والأوطان حصانتها هو المشروع الصهيوني "الإسرائيلي" الذي يعتبر أن وحدة الأمة ومشاريع التنمية فيها واستعادة المناعة هي التهديد المباشر لردع تمادي "إسرائيل" في عدوانها على الشعب الفلسطيني المصمم أن يبقى في الطليعة يتحمل مسؤولية الأمة لأن تكون قضية فلسطين هي القضية المركزية لالتزام الأمة ووحدتها، وهذا يعيدنا إلى ضرورة استرجاع مصر كرائدة لردع تمادي "إسرائيل" في استباحة حقوق الشعب الفلسطيني من خلال حاجة الأمة إلى دور مصر لتمكين الأمة من استعادة مناعتها وأن تكون مصر كما هو دورها التاريخي والحاضر والمستقبلي هي ساحة التلاقح بين المخزون الوحدوي في المشرق العربي ومغربه.
 
وهكذا نرى اليوم أن كل توصيف إيجابي أو سلبي تشاؤمي أو تفاؤلي يعيدنا إلى المعضلة الفلسطينية التي في وعينا لمركزيتها نستطيع أن نؤكد أسباب هذا التفكك والتفكيك الحاصل، ما يشجع شخصاً مثل وزير خارجية "إسرائيل" أفيغدور ليبرمان، على القول من مرتفعات الجولان المحتلة بأنها أرض غير سورية، ناهيك عن دوره الداعم لسياسات رئيس حكومته نتنياهو الذي يبتز الإدارة الأمريكية المستضعفة أمام تصاعد دور اللوبي "الإسرائيلي" نتيجة الانتخابات النصفية، والذي أدى في الأسبوع الماضي إلى أن تقوم الإدارة الأمريكية في غضون العامين المقبلين بزيادة حجم الأسلحة والمعدات العسكرية، التي تحتفظ بها في مخازن الطوارئ في "إسرائيل" بقيمة أربعمائة مليون دولار، كون هذه الأسلحة تحتوي على قنابل ذكية يمكن أن توضع في تصرف الجيش "الإسرائيلي" في حالات الطوارئ كما أشارت جريدة "هآرتس" بتاريخ 11/11.
 
وقد أشارت مجلة "ديفنيس نيوز" البريطانية إلى أن الكونغرس الأمريكي صادق الشهر الفائت على زيادة حجم المعدات العسكرية لحالات الطوارئ التي تقوم الولايات المتحدة بتخزينها من 800 مليون دولار إلى 2.1 مليار حتى سنة ،2012 وهذا الأمر يتم وفقا لبند خاص في قانون المساعدات الأمريكية الخارجية يتيح للولايات المتحدة إمكان تخزين معدات عسكرية في أراضي حلفائها كما يمكن للجيش الأمريكي استعمالها ولجيش الدولة التي توجد فيها هذه المخازن استعمالها في حالة الطوارئ. وكل هذه الزيادات في مساعدة "إسرائيل" عسكرياً واستراتيجياً وفي إعطاء أسلحة ومعدات قتالية أمريكية التي بدأت عام 1990 بمائة مليون دولار ثم 800 مليون دولار في أعقاب حرب لبنان الثانية صيف ،2006 ثم في الشهر الفائت أكتوبر/ تشرين الأول، أقرت زيادة أخرى بنسبة 50% لتصبح قيمتها 2.1 مليار دولار حتى سنة 2012.
 
يا أيها العرب كل هذه الأسلحة هل هي فقط من أجل ضمان "أمن إسرائيل" ولإقناعها بأن لا تقوم بعمل انفرادي كاعتداء على إيران وإقناعها بتمديد تجميد الاستيطان لشهر أو شهرين، بغية استئناف محادثات مع السلطة الوطنية الفلسطينية التي وعدتها وزيرة الخارجية كلينتون مؤخراً خلال حديث مع سلام فياض أن تعطيها مبلغ 150 مليون دولار. وإزاء هذا التفوق الحاسم استراتيجياً على كل الأمة العربية، هل من السذاجة أن نطالب بالتنسيق الملزم لقرارات الجامعة العربية، ناهيك عن المطالبة بوحدة الأمة إن لم يكن خدمة لجيلنا فلأجيالٍ قادمة إذا تركناها اليوم على ما نحن عليه فقد لا ترحمنا، وأكثر من ذلك لن يرحمنا التاريخ. وكل عام وأنتم بخير
"الخليج"

التعليقات