28/11/2010 - 12:03

قوة الدفع والطاقة المحركة../ ظافر الخطيب

-

قوة الدفع والطاقة المحركة../ ظافر الخطيب
تحتاج الذات، مطلق ذات، الى قوة دفع تؤمن انطلاقتها الحركية، الى طاقة محركة تضمن لها ان تتحرك بالاتجاه المحدد، وعلى ذلك فإن غياب هذه القوة و تلك الطاقة، إنما يؤديان حكماً الى سيادة منطق فيزيائي آخر، أوله تخبط  وفوضى وتاليه شلل، ما يزيد من ذلك غياب أو انتفاء الغاية. فهناك إذن طاقة وقوة دفع محركة، وهناك أيضا غاية تضمن للذات طريقها الواضح، الغاية هنا ليست هدفا مادياً فقط، بل هي أيضا وفوق ذلك، قوى روحية، صاحبة فعل عظيم في تعظيم القوة وتفعيلها ضمن استثمار ناجح.
 
والقوة والطاقة المحركيتان تتميزان أيضاً بالقدرة على التجدد والتجديد، فالمخزون المتوفر يستهلك تدريجياً في أثناء عملية الدفع، لذلك فإن ضمان الوصول الى الغاية، وتحقيق الاهداف والنتائج المتوقعة والمتخيلة، إنما يتوقف على قدرة هذه الذات على تجديد مصادر الطاقة المحركة والقوة الدافعة، و تأمين مخزون دائم لا ينضب قادر على توفير أسباب وشروط الحركة، وهو ما تضطلع القيام به مجموعة من الأسباب، الظروف والشروط الموضوعية.
 
كل الحضارات القديمة والجديدة، الشعوب التي استطاعت تحقيق ذاتها وإنجاز ماهياتها، إنما قامت انطلاقاً من توفر قوى دفع كبيرة ومتجددة، انتجت بدورها إرادة صلبة وهدف واضح استطاعت عبر تسييلها في إطار نظام عمل ذي قيمٍ وضوابط وقواعد أن تحقق السيادة والغلبة والانتصار، ودونها ماهيةٌ فرضت الاعتراف على كل ما حولها من حضارات وشعوب.
 
الدراما المتراكمة، العواطف والمشاعر المترسبة، والناتجة عن طبيعة الظروف والشروط القاسية التي عاشت في ظلها هذه الشعوب، من حروب وفقر ومجاعة، الى مواجهة قوى الطبيعة والكوارث الطبيعية، مثلت قوة الدفع والطاقة المحركة لها كي تسير باتجاه تحقيق غاياتها، واستطاعت بفعل تجددها الدائم ان تعطي للشعب استقراره وهويته، ليتحول الهدف المحقق والمنجز بحد ذاته الى قوة دفع وطاقة محركة.
 
بذلك نكون امام مبدأين للحركة في حالة الشعوب:
·        قوة محركة وطاقة دافعة تضغط باتجاه الحركة
·        هذه القوة وتلك الطاقة متغيرة أو متطورة
 
لذلك فإن تأمين مقومات الحركة يحتاج الى رصد القوة المحركة والطاقة الدافعة، كما يحتاج الى رصد التراكم الكمي بحد ذاته، فالقاعدة الاساسية تقول (ان التراكم الكمي يؤدي الى تغيير نوعي)، وعليه فإن من شأن عدم رصد التراكم، ورصد عملية التغير نفسها، ومواءمة ذلك بسلسلة من الاجراءات والتدابير، ان تعطي نتائج عكسية، فقد يؤدي ذلك الى انكسار وهزيمة، كما قد يؤدي الى فوضى، تخبط، جمود وشلل، وبما أن خاصية الرصد، هي مهارة وميزة يختص بها الوعي، فإن غياب الوعي الاستراتيجي كما غياب مهارة التكتيك والجبن والخوف والتردد والاحباط والتشاؤم، يؤديان الى التفريط وهو ما نحن عليه اجمالاً.
 
فالقوة المحركة لقوى الشعب الفلسطيني انما تمثلت في هذا الكم من الدراما الذي خلقته مجمل الشروط والظروف الصعبة والقاسية التي عاش في ظلها وخضع لنتائجها على مدار اكثر من قرنٍ من الزمن.  مجمل المشاعر والعواطف المنتجة والمترسبة والتي تراكمت في الذات السحيقة، فرضت الحركة ومسارها، على ما جاءت عليه، وهي حركة تميزت بوضوح الغاية والهدف، وما قدمه الشعب الفلسطيني من بذلٍ وجهدٍ انما كان ينطلق من ذلك المخزون الهائل والمتراكم للمشاعر والعواطف، و يتأسس على فكرة تحقيق الغاية والهدف.
 
ولما كانت الظروف والشروط الصعبة والقاسية المنتجة لهذا الكم من الدراما تتميز في حالة الشعب الفلسطيني بانها شروط وظروف مستدامة ومتطورة، فإن قوة الدفع والطاقة المحركة امتكلتا بدورهما مصادر تجددهما، بحيث اصبح المعين دائم ولا ينضب، وعليه فإن حالات الكمون التي يظهر عليها في بعض الفترات، فإنها لا تعكس القوى المحركة وطبيعتها، بقدر ما تعكس التفريط بمصادرالقوة وعدم قراءة التراكم بشكل صحيح، وهو ما يعني غياب الرؤية وانعدام الوعي الاستراتيجي، كما يعني توفر وعي تدميري يعمل ضمن قواعد فاسدة على تسريب الطاقة باتجاهات مغايرة لإطار الحركة الاساسي باتجاه تحقيق الغاية والهدف.
 
يدخل في ذات السياق، الكثير من الاجراءات والتدابير، التي لا تنسجم مع الحركة ذاتها، بحيث تبدو وكأنها خارج السياق، حتى ولو تم تبريرها بتبريرات مختلفة، كأن تمارس ممارسات الدولة وانت لا تملك دولة، كأن تمارس السلطة وانت لا تمتلك القدرة، كأن تضرب وانت لا تمتلك العصا أو بعصا غيرك، كأن تشبع وانت لا تملك ما تقتات به، كأن تمارس الفكرة ونقيضها، وأشياء أخرى لا قبل للمقال بها.
 
فعلى سبيل المثال، ما الذي يفعله التفاوت بين خطابٍ قوىٍ دون مستندات قوة او غير مستند الى رؤية واستراتيجية وخطاب متهافت ضمن استراتجية تهافت تقول بتهافت ثم المزيد من التهافت؟ ما الذي يفعله سلوك مقاوم غير مستند لاستراتيجية مقاومة وسلوك متهافت متناقض كلية، كأن تستقبل عنصرياً من رموز الكيان الصهيوني في وقت يُدمَر فيه مخيم جنين او يُشَن عدوان على غزة، او تُرتُكب مجزرة في لبنان؟ ما الذي تفعله مظاهرة متعصبة عمياء مقابل مظاهرة متعصبة عمياء؟ ما الذي يفعله مهرجان طقسي (في مناسبات الفصائل) متكرر تٌجتًر فيه الكلمات وما هو مدى تأثيره في الذات البشرية الفلسطينية؟
 
إن تطور العلوم والتقنيات المستخدمة في التعامل مع الذات البشرية أتاح الكثير من الوسائل والطرق المبتكرة يمكن اللجوء اليها لتأهيل الذات او التحكم بها، وعليه فإن حفظ مصادر قوة الشعب الفلسطيني وتطويرها أو إهمال ذلك إنما نابع من توفر وعي او ارادة بامتلاك واستخدام هذه العلوم وتلك التقنيات، على أن هذه المسألة بدورها تخضع لمنطق التوازن أيضاً، ففي حين أنها تمثل امكانية متاحة (امتلاكها واستخدامها في سياق الصراع)، فإنها متاحة وبالفعل لدى الآخر (العدو)، بحكم التفوق العلمي والتقاني وامتلاكه الوعي بأهمية الوسائل والوعي الاستراتيجي، لذلك فإنه في الوقت الذي يغفل النظام السياسي الفلسطيني وقوى النضال الوطني الفلسطيني أو يتجاهل تلك الوسائل المتاحة فإن الآخر استخدمها وما يزال، ضمن منطق استراتيجي لتفريغ، تنفيس، تقسيم، هذه القوة.
 
إن قراءة التجربة الفلسطينية يكشف عن الكثير من الأخطاء الاستراتيجية والتكتيكية التي تحولت الى منهج بحد ذاته، منهج الخطأ، المتأسس على قراءة خطأ، وسلوك خطأ، وتخطيط خطأ، ومنبع الخطأ إنما تكرس بفعل الفردية وغياب العقل الجماعي، نزعة التفرد والهيمنة والإقصاء والإلغاء والتعصب، لذلك فإن أي تغيير لا بد أن ينطلق من تصحيح استراتيجي، إعادة تصويب الوعي باتجاه استراتيجي.
 
الثابت الوحيد في زمن الحديث عن الثوابت يكمن في حقيقة واحدة، هي أن الشعب الفلسطيني وبالدليل، هو شعب عصي على الإلغاء وعلى الرغم من انحدار الحتميات التاريخية، فان شعبُ فلسطين هو حتمية أبدية غير قابلة للقسمة على غزة أو الضفة، هو كلٌ متكاملٌ، حقيقةٌ متكاملة، فإن عجزت قوى النضال الوطني الفلسطيني عن الاجابة والاستجابة فإنه قادر على ذلك وعليه يقتضي التنويه.....إ

التعليقات