13/12/2010 - 13:50

دول عربية تتفكك../ عبد الباري عطوان

-

دول عربية تتفكك../ عبد الباري عطوان
جنوب السودان على بعد أسابيع معدودة من الانفصال، والحراك الجنوبي في اليمن يكثفأنشطته ويعتبر الوجود الشمالي احتلالاً، والصحراء الغربية تسير على الطريق نفسه،وسمعنا السيد مسعود البرزاني رئيس إقليم كردستان العراق يطالب بتقرير المصيروالاستقلال للإقليم الذي يحكمه، ويشدد على أن كركوك ستكون محور ارتكازه.
 
دولعربية تتفكك على أسس طائفية وعرقية في وضح النهار، وبمساعدة أمريكية وإسرائيليةأيضاً، والحكام العرب ينعمون في لامبالاتهم، ويتصرفون كما لو أن الأمور تسير على مايرام في المنطقة.
 
الأشقاء الأكراد يخططون للانفصال عن العراق، وإقامة دولتهم منذزمن طويل، وكانوا يرددون دائماً أنهم يتعرضون لاضطهاد الحكومة المركزيةالديكتاتورية في بغداد، وللكثير من عمليات القتل والتهجير التي كانت تمارسها ضدهم،ويتخذون من ذلك أدلة وأسانيد لتبرير نواياهم الانفصالية هذه.
 
اعتقدنا أنالاحتلال الأمريكي للعراق الذي لعبت القيادات الكردية الرئيسية دوراً كبيراً فيإنجاحه وتسهيله، وإزالة النظام السابق من سدة الحكم، سيسقط جميع الحجج الانفصالية،ويبدأ صفحة جديدة من التعايش في "العراق الجديد"، خاصة بعد أن حصل الأشقاء الأكرادعلى نصيب الأسد في المناصب العليا، فقد تولى السيد جلال الطالباني رئاسة الجمهورية،والسيد هوشيار زيباري وزارة الخارجية، وأصبح الأكراد قوة رئيسية في مساومات تشكيلالحكومة، وتحديد هوية رئيس البرلمان ونوابه. ولكن يبدو أن كل هذه الامتيازات، معتسليمنا بأحقية الأكراد لها، كانت مجرد خطوة، أو غطاء، للوصول إلى الهدف الأساسيوهو حق تقرير المصير، والاستقلال عن الحكومة المركزية في بغداد.
 
فمن الواضح أنهناك قناعة لدى الكثير من أصحاب التوجهات الانفصالية بأن الأمة العربية في أسوأحالات ضعفها وانهيارها، وأن هذا هو الوقت الملائم لتحقيق طموحاتهم وإقامة دولهمالمستقلة، وكأننا نعيش مرحلة مماثلة للأيام الأخيرة للامبراطوريتين العباسيةوالعثمانية.

لا نعرف ما إذا كان القادة الأكراد الراغبون في الانفصال قد أجرواحسابات دقيقة هذه المرة، وتبنوا الخيار الأصوب، وتعلموا من أخطاء الماضي الكارثية،التي أدت إلى مقتل مئات الآلاف من الأبرياء في مجازر وصفوها دائماً بالتطهيرالعرقي، ولكن من الواضح أنهم يقدمون على مغامرة أو بالأحرى "مقامرة" قد لا تكونمضمونة النتائج.

***

صحيح أن الأمة العربية ضعيفة منهارة، وصحيح أيضاً أنالحكومة المركزية في بغداد تدير دولة شبه فاشلة، وتمثل نخبة سياسية فاسدة متصارعةعلى الأموال والمناصب وتدير البلاد بعقلية طائفية مريضة، ولكن الصحيح أيضاً أنمحاولة الانفصال قد تثير حساسيات دول الجوار القوية المتماسكة، مثل تركيا وإيرانوسورية.

ومن المفارقة أن هذه الدول الثلاث متفقة في ما بينها على منع قيام أيدولة كردية مستقلة في شمال العراق، لأن هذه الخطوة يمكن أن تكون مقدمة لتفكيكها،بالطريقة نفسها، وبما يؤدي إلى انتقال "فيروس" الانفصال إلى الأقلية الكرديةفيها.

تقرير المصير حق مشروع لكل الشعوب، في إطار من التوافق الداخلي والإقليمي،ولا نعتقد أن ممارسة هذا الحق ميسر في الوقت الراهن بالنسبة إلى الأشقاء في كردستانالعراق، بل على العكس تماماً، قد يكون محفوفاً بالمخاطر.

ولا نستغرب أن يكونلإسرائيل دور في هذا الإطار، لانها لا تريد استقرارا في المنطقة، وتتطلع إلى تمزيقالنسيج الاجتماعي والسياسي في معظم دولها، وجرى نشر العديد من التقارير الإخباريةعن تغلغل إسرائيلي أمني وتجاري في كردستان العراق، مما يعزز هذا الانطباع.

كماأن إسرائيل تحرض أيضاً على انفصال جنوب السودان ومحاصرة مصر بدول منابعالنيل.

البروفيسور برنارد لويس البريطاني الذي يعتبر من أكبر المؤيدين لإسرائيلوالداعمين للحكومة اليمينية المتطرفة فيها، كان صاحب النظرية التي تقول إن العراقدولة مصطنعة يجب تفكيكها، وبدأ التحريض على تغيير النظام في العراق مبكرا عندما وقعمع مجموعة من المحافظين الجدد لاحقا على رسالتين مفتوحتين عام 1998 تطالبان الرئيسالأمريكي في حينها بيل كلينتون بتغيير النظام في العراق، وكان من بين الموقعين أيضاريتشارد بيرل (امير الظلام) وبول وولفويتز، ودوغلاس فيث وآرون ميللر ومعظم هؤلاءكانوا أعضاء في اللوبي الصهيوني في امريكا، وتولوا مناصب بارزة في حكومة الرئيسالسابق جورج بوش الابن، وقادوا الحرب على العراق.
وربما يفيد التذكير أيضاً أنالبروفيسور لويس نفسه هو الذي بشر بانهيار مفهوم القومية العربية في أوائلالتسعينيات.

العراق الآن يواجه التفتيت على أسس طائفية، فالفيدرالية التي نصعليها دستور بريمر وحلفائه من العراقيين هي مقدمة لإقامة دولة شيعية في الجنوب،وكردية في الشمال، وسنية في الوسط. فمن المؤسف أن الهوية العراقية الواحدة تآكلتواندثرت، والطبقة الوسطى هاجرت أو جرى تهجيرها، وتحول العراق الذي يعتبر من أغنىالدول العربية، إلى دولة طاردة للسكان، فحلم معظم العراقيين في "العراق الجديد"حاليا هو الهجرة الى مناف آمنة توفر الحد الأدنى من العيش الكريم.

نحن لا يمكنان ننسى فضل الزعيم الكردي الكبير صلاح الدين الأيوبي الذي حرر القدس وهزمالصليبيين، ولكننا نود أن نذكر في الوقت نفسه بأن البطل صلاح الدين كان على رأس جيشعربي، حيث تجلت الأخوة العربية الكردية في أزهى صورها. لذلك نتمنى أن يستمر التعايشوالتكاتف والتعاون من اجل تحرير فلسطين مرة أخرى.

* * *

الحكومات العربيةالحالية تتحمل المسؤولية الأكبر عن عمليات التفكيك والتفتيت التي تتعرض لها الدولالعربية، لأنها سارت خلف المخططات الأمريكية وما زالت، فقد تآمرت على العراق،وتواطأت مع الحصارات المفروضة عليه وعلى دول أخرى مثل السودان وسورية وحالياإيران.

انفصال كردستان العراق وجنوب السودان، وربما دارفور وجنوب اليمن بعد ذلكسيكون مقدمة لتفتــــيت دول أخرى تعتقد حكوماتها أنها في منأى عن ذلك، ولو عدنا إلىالوراء قليلا، وبالتحديد إلى مرحلة ما بعد هجمات الحادي عشر من أيلول/سبتمبر عام 2001، نجد الكثير من المقالات والدراسات نشرت في مجلات أمريكية مثل "يو.اس نيوز" تتحدث عن ضرورة تفكيك المملكة العربية السعودية إلى أربع دول، واحدة في الاحساء،وثانية في الحجاز، وثالثة في نجد ورابعة في عسير.

ومن المفارقة أن هناك من يتحدثعن تقسيم لبنان، وهناك من يطالب بدولة للأقباط في مصر، وثالث يرى حقا للأمازيغ فيدولة في الجزائر، ولا نعرف من أين ستأتي الدعوة المقبلة للانفصال وتقريرالمصير.

إنها سياسة أحجار الدومينو تزحف حاليا إلى المنطقة، فبمجرد سقوط الحجرالأول ستتوالى القطع الواحدة تلو الأخرى، حتى يتم الانهيار الكامل.

إنها أمةمريضة بحكامها الغارقين في لهوهم، ونهب المال العام، واضطهاد شعوبهم، ولذلك يتكاثرالكثيرون على قصعتها، وينهشون لحمها، ويقطعون أوصالها. إنها نهاية محزنة ومخجلةومزرية بكل المقاييس.

التعليقات