05/01/2011 - 15:17

عام التصحيح وأعوام التطويع!!../ نزار السهلي

-

عام التصحيح وأعوام التطويع!!../ نزار السهلي
العام السادس والأربعون من عمر الثورة الفلسطينية المعاصرة، ورصاصته الأولى، التي انطلقت من رماد الهزائم، لتعلن بالصوت المجلجل انبعاث قضية شعب فلسطين وهويته وكيانه، منذ فجر الأول من كانون الأول عام 1965، ومنذ ذلك اليوم تتزاحم التحديات، في ظل ظروف عربية وإقليمية ودولية، هي الأخطر اليوم على قضية الشعب الفلسطيمي وفصولها الممتدة عبر ما يسمى مفاوضات السلام.
 
فختام العشرية الأولى، من القرن الجديد بمزيد من الخيبات والهزائم، فلسطينيا وعربيا، حملت معها أحداثا جسيمة على الساحة الفلسطينية والعربية والدولية، لتشكل فيما يعد ملامح الربع الأول للقرن الحادي والعشرين في ظل الغياب المستمر لحالة التغيير والتصحيح التي تقع مسؤولية قيادتها على فصائل العمل الوطني.
 
 تشير عقارب السياسة العربية والفلسطينية إلى أن التغيير المنشود والآمال المعلقة في معادلة الواقع السياسي الفلسطيني لا تمتلك إرادته الأطراف العربية والفلسطينية، طالما أن العقلية ثابتة في إدارة وطوي سنوات "النضال" وبإرادة "مفعمة" بمفاوضات ورهان مستمر على المضي بأعوام "الثورة" إلى ما شاء المحتل.
 
عدم وضوح الرؤية، والضباب الذي يلف الموقف والأداء السياسي، لقوى المعارضة الفلسطينية أو ما بقي منها من جمل ثورية فاقدة لأي مبرر وتأثير في الواقع السياسي الوطني في المجتمع الفلسطيني، في الداخل والشتات يدفع بأوهام الرهان من الشارع الفلسطيني على قوى عجزت في العقد الأول من القرن الحالي، على استعادة زمام المبادرة في إدارة الصراع والمواجهة مع المحتل من يد سلطة حسمت خياراتها إلى غير رجعة.
 
الدافع المصلحي والنفعي لوجود فصائل فلسطينية محسوبة على المعارضة وعلى "اليسار" وتطوي أعوام من الاحتفال بوجودها وببرامج شكلية وديماغوجية، تماثلت كلها مع بعضها البعض، فلم تعد "فتح" كتنظيم هو الأوسع والأكبر، يختلف في مظاهر البقرطة والفساد مع البقية في أطراف الساحة الفلسطينية، وهل تكفي لجان التحقيق التي تشكل كل عام للتحقيق في فضائح السلطة والثورة المحتفى بها من كل عام لإنجاز التصحيح؟ أم أن تطويع العقل والإرادات كان هو المنتصر دائما في ساحة "المعركة"، وفي المحطات الفاصلة والانعطافية المرتبطة في سياق الأحداث ليغدو لون "التصحيح" باهتا، إذ أن الوعاء الأكبر والشقيق الأكبر لقوى الثورة المعاصرة كـ"فتح" استطاعت من خلال السلطة الفلسطينية خلال العقد المنصرم، أن تستوعب وتحتضن أخواتها في فصائل م.ت.ف التي رهنت نفسها "للمال السياسي" وسقوطها في براثن السياسة السلطوية  لحكومة "رام الله" وابتعادها عن مشاكل ومصالح شعبها وهمومه، لتصبح فصائل ومعارضة ديكور وشكل لا فاعلية ولا تأثير لها في السياسة ولا في صناعة القرار السياسي الذي يخدم المصالح العليا للشعب الفلسطيني.
 
تصحيح أم تطويع؟
 
هل ما يجري، في الساحة الداخلية "للبيت الفتحاوي" يهم فقط ذاك البيت وهي مشكلة داخلية لا يجوز الاقتراب منها باعتبار ذلك وفق المنطق المعهود والمعمول به في مهنة الصحافة، تجاوزا وتدخلا في الشان الداخلي للبيت الفتحاوي؟ وماذا بشأن التضخم أو الورم الذي أصاب إمبراطوريات، ارتبطت بأسماء أصحابها بات من الصعب استئصالها، من الجسد الفلسطيني. ولسهولة النشر ومنعا للحرج الذي قد يصيب أي منبر "إعلامي" غير مرتبط بإمبراطوريات، إعلامية وأمنية ومالية، تنتشر منذ ازدهار عمل السلطة الفلسطينية وخفوت منابر لسنا معنيين بالإشارة لتلك الإمبراطوريات، فتسأل مثلا من أين خرجت فصيلة "المناضلين" في الساحة الفلسطينية بأسماء كبيرة من أبو فلان إلى ابو علان (مع الاعتذار للزميل محمد أبو علان) لتقود وتطوع العقل الفلسطيني في زمن الاحتلال ونشوء السلطة، بأدوات حديثة من النضال المعرفي لا ترتبط بلغة خشبية، فتطويع العقل واجتثاث ثقافة "الإرهاب والعنف" من المجتمع الفلسطيني، وحالة التأبط والعناق المستمر "في حالة التنسيق الأمني" والحميمة المطلقة في العلاقة مع ضباط التنسيق الأمني ومخابرات الجيش الإسرائيلي، وحفلات الغداء "على اللحم الضأن والكنافة" لتقديم صورة عن مجتمع منزوع من صدره "الكراهية والغضب من المحتل"، و بات يتصف بالعقلانية والهدوء في معالجة أمور حياته اليومية عبر مكاتب التنسيق الأمني، ويمتلك نظرة ثاقبة من خلال حكومة رشيدة، تبني مؤسسات غير مرتبطة بثقافة الإرهاب، كما هي الحال في الجزء الآخر من الوطن وباقي تجمعات الشعب الفلسطيني في اللجوء والشتات المبتعد عن الواقعية الرشيدة لحكومة وسلطة نجحت باستبدال ثقافتها.
 
في العشرية المنصرمة تأسيس لعشرية قادمة أكثر قسوة وإيلاما في معركة تصحيح المسار وتطويع المستقبل. وأهم ما يمكن وصفه بالإنجاز المحقق من حركة تحرر وطني تحتقل بعيد ميلادها أنه في عامها الجديد استطاع طلائع "الطلقة الأولى" في ختام حقبة ماضية أن يضفوا على المجتمع الفلسطيني ثقافة، أمام التجوال والظهور المتكرر، لغابي اشكنازي وضباط الاتصال والارتباط في مدن الضفة المعجبين بعدم وجود كلمة احتلال في مدينة تسمى رام الله، وهو ما تثني عليه تقارير التنسيق الأمني، و من يريد التظاهر من أجل القدس ومن أجل الاحتلال، ليس المكان عاصمة القرار السياسي الفلسطيني، ففيها الكثير من شموع الحرية، ويافطات التنديد الصامت، وهو أضعف الإيمان للنضال من خلال خفقان القلوب ومد البصر نحو قدس تهود، والشكل العصري، للنضال في العام الأول من العشرية الثانية في القرن الحادي والعشرين.
 
 من المحظورات أن تقترب من عمل لجان التحقيق المكلفة متابعة ملفات تحددها الرئاسة وبما يتناسب مع الوضع القائم. وعدم السؤال عن مصير لجان مماثلة ارتبطت بملف رفيق الحسيني وفهمي شبانة، وبتقرير غولدستون وقرار محكمة لاهاي حول الجدار العنصري، وعدم السؤال عن الخيارات التي حددها المناضلون لمواجهة كل هذا العدوان المتواصل. وإذا دققت في الصورة المرتبطة بصاحب إمبراطورية الأمن والمال والإعلام والسلاح ستجد أن العناق المستمر مع موفاز واشكنازي وكل ضباط الأمن الإسرائيليين، هو نموذج لصورة، يجب أن تبقى داخل إطار من يقوم بالتحقيق في الأمر. ولا يجوز منك وعليك كقارئ ومتابع، أن تلقي التهم جزافا فيما تشاهد وتقرا وتسمع، عن قادة هم أعرق وأنبل "مناضلي" عصرهم، وأن الجهل الذي يتصف به أمثالنا ولا يصيب "المناضلين" الجدد هو ما يمثله الجيل الجديد من المناضلين في ثورة تطويع التصحيح لأعوام قادمة.

التعليقات