29/01/2011 - 18:50

من تونس إلى مصر../ ظافر الخطيب

يستمر الشعب التونسي في حراكه الموغل ضد الاستبداد ونحو الحرية، لكن الأنظار تتجه وبقوة نحو مصر، الكل يتطلع هناك، يلاحق فعل الانترنت والفيسبوك، تلك الرسالة الصغيرة التي تنتقل بسرعة البرق تحمل في طياتها النداء والدعوة، فيتحقق الفرز بين فئة متعبة من الاستبداد والفقر والجوع وقررت أن تتحرك، بعد أن شاهدت كيف يفعل الياسمين التونسي فعله، فيفر زين العابدين بن علي في ليلة ظلماء، تماماً كما يفعل اللصوص، وفئة ثانية متعبة، أرهقها الاستبداد والفقر والجوع، لكنها تترقب المشهد، هي غالبية حاسمة لكنها تحتاج ربما إلى المزيد من الدماء، إلى المزيد من البطش، إلى المزيد من صمود الفئة الأولى التي تقارع أجهزة النظام في شوارع القاهرة والإسكندرية والسويس والإسماعيلية، حتى تتزحزح من مواقعها و تحتل شوارعها

من تونس إلى مصر../ ظافر الخطيب
يستمر الشعب التونسي في حراكه الموغل ضد الاستبداد ونحو الحرية، لكن الأنظار تتجه وبقوة نحو مصر، الكل يتطلع هناك، يلاحق فعل الانترنت والفيسبوك، تلك الرسالة الصغيرة التي تنتقل بسرعة البرق تحمل في طياتها النداء والدعوة، فيتحقق الفرز بين فئة متعبة من الاستبداد والفقر والجوع وقررت أن تتحرك، بعد أن شاهدت كيف يفعل الياسمين التونسي فعله، فيفر زين العابدين بن علي في ليلة ظلماء، تماماً كما يفعل اللصوص، وفئة ثانية متعبة، أرهقها الاستبداد والفقر والجوع، لكنها تترقب المشهد، هي غالبية حاسمة لكنها  تحتاج ربما إلى المزيد من الدماء، إلى المزيد من البطش، إلى المزيد من صمود الفئة الأولى التي تقارع أجهزة النظام في شوارع القاهرة والإسكندرية والسويس والإسماعيلية، حتى تتزحزح من مواقعها و تحتل شوارعها.
 
أما الفئة الثالثة فهي كل مكونات النظام، التي تستميت في هذه اللحظة، فتستخدم كل قوتها في سبيل الحفاظ على امتيازاتها، في سبيل الحفاظ على شروط الغلبة والاستبداد بثمانين مليون مصري، وقد أنتجت في عهدها مصر المعاندة لإرادة شعبها وأمتها، مصر التابع المخلص لإرادة الإدارة الأمريكية، مصر المنسحبة من كل أدوارها، لتنتهي عند حدود حاكم يرفض أن يتغير.
 
ومع حفظ الدور الريادي، واحترام سبق النزول للشارع من أجل التغيير لتونس الخضراء، ومع القواسم المشتركة بين واقع النظامين التونسي والمصري لجهة الاستبداد بالسلطة، وبين واقع الشعبين التونسي والمصري لجهة المعاناة الطويلة من الظلم والاستبداد والجوع القهر، فإن مصر تختلف عن تونس، وربما يكون من حظ تونس أن تختلف، ذلك أنها تسمح للشعب التونسي بفرض حق الإختيار، أما مصر فإن الجيوبولوتيك يلعب دوراً هاماً، يفرض تدخلات تشوه فكرة التغيير أو تصعب من مهمة التغيير.
 
ومن الطبيعي أن يتطلع الملايين نحو مصر، فمصر حاسمة بقوتها كما هي حاسمة بانهيارها، وعلى حدودها السودان وفلسطين والكيان الصهيوني، ولما كان المدى الحيوي لمصر القوية يمتد ليطال مساحة العالم العربي وأفريقيا، فإن ضعفها وانعزالها عن ما حولها، شرطاً حيوياً للكثير من المصالح الإقليمية والدولية، وعليه أيضاً يمكن الاستنتاج أنه في مواجهة هذه النخبة التي نزلت إلى الشارع، ليس النظام المصري بكل مكوناته فقط، بل كل المستفيدين من بقاء وضعية الارتهان لمصر، وتحديداً الولايات المتحدة الأمريكية والكيان الصهيوني.
 
وعليه فإن هناك مسارين لا ثالث لهما يتسارعان بقوة حتى يسبق أحدهما الآخر:
1.     تغيير بقوة المصالح والمعاهدات: بحيث يتنازل مبارك أو يتم تظهير عملية خلعه من دوائر قوية في مصر، وتحديداً الاستخبارت، الطغمة المالية، الجيش، مع وعود بالاصلاحات تأتي لذر الرماد في العيون، لإرضاء المنتفضين في شوارع مصر، بهذا يعاد إنتاج النظام بوظيفته و تعهداته، ويتم تنفيس الاحتقان الحاصل لدى الشعب المصري.
2.     أن يثبت المنتفضين من أبناء الشعب المصري، أنهم لن يلدغوا من الجحر مرتين، وأنهم على سنة أشقائهم في تونس، فلا يبرحوا الشارع حتى يبرح النظام، ولا يشكل ذلك استعصاءً، ذلك أن هناك تجربة تونس يمكن البناء عليها، كما أن الوعي السياسي لدى القيمين على هذه الحركة التي يشارك فيها الكثير من رجال الصحافة والقانون، ومع قليل من العناد فإن النصر ليس بمستحيل.
 
إن حركة الشعب المصري التي تتفاعل كانت قد اختمرت منذ وقت طويل، بعد أن أثبت النظام عجزه في الإجابة عن أسئلة الشعب المصري، كما في عجزه في الدفاع عن مصر وحقوقها، وقد تم تكبيله بالكثير من الشروط، و لما كانت المواجهة الحالية تسند الى قوى غير متوازنة فإن هناك ما تحقق للشعب المصري، وأهمها أن هيبة النظام تكسرت، وما قبل هذا الحراك لن يستوي مع ما بعده، وإن لم يتحقق التغيير النهائي على فرض ذلك، فإن تغيير النفوس الساعية نحو التغيير ستقدم نموذجاً كبيرا يبنى عليه.
 
ومن قراءة الحركة المصرية المنتفضة في شوراعها يمكن استخلاص التالي :
1.     أن الشباب هم قوة الدفع الأساسية، إن كان على مستوى التخطيط أو التنفيذ
2.     أن هذه الحركة جاءت من خارج العباءة الحزبية التقليدية، من يسار إلى ليبرالي إلى إسلام سياسي .
3.      الشعار الأول والأساسي الذي رفعته هذه الحركة كان التغيير والحرية وليس البطالة والفقر مع أهمية ذلك، وهو ما يعني أن المبنى السياسي الذي يقتضى تغيير النظام في مصر بعد أن تعفن هو الأساس في الحركة الانتفاضية.
 
ولعل أهم درس في هاتين الحركتين (مصر وتونس) بغض النظر عن النتائج المفضية إليها في نهاية الأمر، هو أن الشعب و ليس غيره، هو الميزان الأقوى في موازين القوى، وهي مقولة تم الانفكاك عنها، من قبل الأنظمة الحاكمة والقوى السياسية بمختلف مشاربها، وعليه فإن العودة إلى الإيمان بقدرة الجماهير الشعبية على التغيير يجب أن يظل العنوان الأساس للجهد المبذول من قبل كل القوى الساعية للتغيير، به تخرج الأحزاب من أزماتها وعليه تبقى و تستمر.

التعليقات