05/02/2011 - 14:05

كلام في السياسة../ محمد جادالله

كلما تفاقم التشرذم في النظام السياسي العربي، كلما ازدادت وتائر التوحيد بين الشعوب العربية. وكلما ازداد تفكك الدول العربية، كلما يُعاد تركيبها على نحو أفضل. إنه الارتباط المتبادل بين الشعوب العربية. فالنظام المصري الذي - هو في حكم البائد - نأى بنفسه عن معاناة الفلسطينيين وهموم اللبنانيين، فشل في إخراج الفلسطينيين واللبنانيين من الحيّز المتخيّل للشعب المصري، وبالمثل فشل النظام الذي سقط في تونس

كلام في السياسة../  محمد جادالله
كلما تفاقم التشرذم في النظام السياسي العربي، كلما ازدادت وتائر التوحيد بين الشعوب العربية. وكلما ازداد تفكك الدول العربية، كلما يُعاد تركيبها على نحو أفضل. إنه الارتباط المتبادل بين الشعوب العربية. فالنظام المصري الذي - هو في حكم البائد - نأى بنفسه عن معاناة
الفلسطينيين وهموم اللبنانيين، فشل في إخراج الفلسطينيين واللبنانيين من الحيّز المتخيّل للشعب المصري، وبالمثل فشل النظام الذي سقط في تونس.
 
هذان النظامان ومعهما بقية الأنظمة العربية يفسحون في المجال لتعميم نمط الحياة والفكر الاستهلاكي القادم من الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا لضمان حماية المصالح الغربية في السيطرة على منابع النفط من جهة، وضمان توفير الأمن وديمومة الكيان الصهيوني في المنطقة من جهة ثانية. ويبقى الناس في معظم الدول العربية يحيون حياة احتضار وحرمان وبطالة مستديمة ومرض، إلى جانب القهر الفردي والجمعي بهدف نزع الكرامة الفردية والجمعية وامتهانها. وحتى لا يموت الناس من الجوع أو من القهر أو من كليهما معاَ، تنشط الدوائر الغربية، تحت ذريعة التغيير ويافطة الدمقرطة، في نثر أموال هنا وهناك على ما بات يعرف جزافاَ بمنظمات أهلية تتلهى في ملعب لا علاقة له بالصراع الحقيقي، ولا يمت بصلة بجوهر المعاناة التي تلف الملايين ولا بآمالهم وتطلعاتهم الوطنية والقومية، وكبح مقاومة الشعوب العربية وبخاصة الشعب الفلسطيني للاحتلال.
 
 وفي الوقت ذاته، تواظب الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا في دعم الأنظمة الاستبدادية العربية من جهة، وفي دعم الكيان الصهيوني والاحتلال لفلسطين والجولان.
 
درج المثقفون العرب وردّد معهم كثير من السياسيين، أن مصر خرجت من العالم العربي بعد توقيع اتفاقية كامب ديفيد وملحقاتها في نهاية السبعينيات من القرن الماضي، وهذا هراء، إذ أن الصحيح هو أن مصر خرجت من التاريخ، وحملت معها العالم العربي وأخرجته من التاريخ. كذلك ومَنْ ينظر بعين ثاقبة فاحصة، لا يجد عناءً في رؤية أن التاريخ الاقتصادي والعسكري والعلمي والثقافي في العالم يكتب في أمكنة بعيدة مستبعداً تماماً عالمنا العربي.
 
الأمر الوحيد الذي يشكل استثناءً هو أجهزة الأمن والمخابرات، التي تحظى بالتحديث الدائم والامتيازات وأعدادها الهائلة، كي تكون مؤهلة وقادرة على القيام بالمهمة المزدوجة: حماية النظام الاستبدادي وحماية أمن إسرائيل، والنموذج الفلسطيني هو أحدثها، وهو ما تكشّف أثناء وبعد الثورة في تونس وفي مصر، ويتكشّف كل يوم في الضفة الغربية المحتلة.
 
الثورة في تونس أسقطت النظام السياسي وكنست معه أجهزة الأمن والمخابرات، والثورة في مصر تسير على نفس الطريق، أسقطت النظام فعلياَ وعملياَ ولا مجال للالتفاف عليها سواء من بقايا النظام أو من " المعارضة " من الإخوان المسلمين أو من " الحكماء ". والسؤال هو من التالي ؟
هناك نوعان من الأنظمة المرشحة للسقوط لا محالة. أنظمة تنهض فيها الشعوب وتسقط على غرار ومنوال تونس ومصر، وأنظمة أخرى ستتداعى وتنهار من تلقاء نفسها مثل السلطة الفلسطينية. أنظمة تسقط بالضربة القاضية وأخرى تسقط بالنقاط على طريقة المصارعة.
 
نتفق – فيما أظن – على أن جميع الأنظمة العربية فاسدة وعلى أنها أنظمة قمع واستبداد. ويجب أن نتفق على أن جميع الأحزاب والقوى السياسية في الوطن العربي فاسدة أيضاَ، وأن معظمها على شاكلة الأنظمة الفاسدة والمستبدة المنتجة لها. وأهم ما يجب أن نتفق عليه، هو أن المثقفين وعلماء الاجتماع أثبتوا كسلهم وضحالتهم، فقد فشلوا أو تقاعسوا أو عجزوا عن التعرف على مجتمعاتهم وعلى الحراك داخل هذه المجتمعات. اعتقد هؤلاء أن الناس والشباب خاصة هم فقط أو على شاكلة النموذج المائع اللاهي والاستهلاكي الذي تعرضه الفضائيات على مدار الساعة، ولم يلحظوا الذين يقودون الثورة في تونس وفي مصر والذين ينتظرون دورهم في أقطار عربية أخرى
 
إن الثورة في تونس هي ثورة وطنية قومية عربية خالصة. وإن الثورة في مصر هي ثورة وطنية قومية عربية خالصة وبامتياز. وإن الاعتقاد بغير ذلك لا يندرج في غير خانة استدخال الهزيمة.
أعتقد أن الولايات المتحدة وإسرائيل وأوروبا يدركون أنهما ثورتان عربيتان قوميتان، ومن هنا يأتي هذا الخوف والاهتمام والمتابعة والتضليل ومحاولات حرفهما عن مساريهما.
 
إن الارتباط المتبادل بين الشعوب العربية واقع ملموس وقد بدأ ولا يوجد من يوقفه بعد اليوم.
إن وجه الوطن العربي قد تغير، ومعه سيتغير وجه العالم. والأيام بيننا.

التعليقات