09/02/2011 - 11:01

ملاحظات أولية في خصوصية الثورة المصرية../ علي جرادات

لأن الطبيعة تكره الفراغ، وبإلهام الانتفاضة التونسية، وبسرعة مفاجئة، وتعبيراً عن "الأزمة السياسية"، (الشرط الموضوعي لاختمار الثورة)، ونيابة عن غياب "الحزب السياسي القائد"، (الشرط الذاتي لاندلاعها)، انبرت حركة شبابية لقدح الشرارات الأولى للثورة المصرية الجارية. لكن، ولأن شرعية "المخلوق" هي بقيامه بما "خلق" من أجله، فقد لحقت الأحزاب السياسية المعارضة بالركب، (وإن بعد تهيبِ بعضها). ولأن مرجل الشعب المصري يغلي منذ عقود، فقد انخرطت جماهيره بعشرات الآلاف، وبسرعة البرق، في الحدث

ملاحظات أولية في خصوصية الثورة المصرية../ علي جرادات
لأن الطبيعة تكره الفراغ، وبإلهام الانتفاضة التونسية، وبسرعة مفاجئة، وتعبيراً عن "الأزمة السياسية"، (الشرط الموضوعي لاختمار الثورة)، ونيابة عن غياب "الحزب السياسي القائد"، (الشرط الذاتي لاندلاعها)، انبرت حركة شبابية لقدح الشرارات الأولى للثورة المصرية الجارية. لكن، ولأن شرعية "المخلوق" هي بقيامه بما "خلق" من أجله، فقد لحقت الأحزاب السياسية المعارضة بالركب، (وإن بعد تهيبِ بعضها). ولأن مرجل الشعب المصري يغلي منذ عقود، فقد انخرطت جماهيره بعشرات الآلاف، وبسرعة البرق، في الحدث.
 
   هنا لم يمتلك النظام الرسمي المصري عمق البصيرة. ووقف مذهولاً، ولجأ إلى مألوف معالجاته الأمنية القاصرة في التعامل مع الحدث، ظناً بإمكانية قمعه وإنهائه، كما فعل مع هبات شعبية سابقة بما فيها هبة عام 1977 وهبة عام 1986. ولم يدرك النظام أنه أمام زلزال غير مسبوق منذ عام 1952. وتناسى أن احتكار السلاح والمال لا يمكن له أن يحتجز الفهم والسياسة والحريات للأبد. وأغفل أن أعاصير  تتجمع منذرة بإندلاع زلزال، غذته حيثيات مباشرة، تمثلت في:
 
1: إن إدماء بدايات الجيشان الانتفاضي بقوة السلاح العارية، كان بمثابة صبا للزيت على النار، فزادها اشتعالاً، حيث انخرطت الجماهير بالملايين، بعد أن كانت بعشرات الآلاف، في أتون الفعل الانتفاضي، وحولته إلى فعل واسع متواصل.
 
2: إن اندلاع الجيشان الانتفاضي جاء بعد مثيله التونسي الحي ونجاحاته وإلهامه، الذي توقع النظام، (وأعلن)، أنه لن يكون، وأنه، إن وقع، لن يكون سريعاً، وأن بالمقدور صده بالمألوف من المعالجات الأمنية.
 
3: إن اللجوء إلى تقديم التنازلات السياسية لم يعد مجديا، لأنها جاءت بالقطارة أولاً، وتالية لخيار القمع والإدماء ثانياً، وجاءت كاحتواء، دلّ على الضعف ثالثاً. وهذا ما قرأته الجماهير الثائرة وقياداتها الشابة وأحزابها السياسية المعارضة.
 
بهذا كان الشعب المصري قد انخرط، (بعد الشعب التونسي)، في أتون ثورة شعبية حقيقية، هي بكل المعاني متغير تاريخي، سيكون ما بعده غير ما قبله، في مصر والمنطقة العربية والشرق أوسطية.
 
   متغيّر تاريخي، (وإن كان لم ينتهِ مآلا ووقائع بعد)، يستحق التفكير في دلالاته وتداعياته وتردداته. وكذا، في" إضافاته الخاصة إلى نظريات الثورة وقوانينها العامة. فهو أكبر وأعظم وأوسع وأعمق من اختزاله في قراءة أحداثه اليومية المتلاحقة فقط. بل إن من شأن هكذا قراءة أن تحصد خطيئة النظام المصري، الذي راح يتدارك نفسه، إنما بعد أن سبق السيف العذل، أي بعد فوات الأوان.
 
   أجل، إن وقائع الزلزال المصري المتواصلة، تستدعي الحوار معها، والتعلم منها، ودفعها إلى الأمام في الوعي والممارسة. فمع هذا الزلزال لا ينفع التوقف عند مألوف الوعي عن الثورة وقوانينها العامة. أما لماذا؟؟ فلأن لهذا المتغير الزلزال جملة من الخصوصيات، يجدر القبض عليها. وبشكل أولي، وعلى عجل، وباقتضاب، يمكن تسجيل التالي: 
 
1: إن هذا المتغير، وإن اشتعل بطريقة خاصة غير مألوفة، (أي بغياب "الحزب السياسي القائد")، إلا أنه انتقل سريعا إلى فعل ثوري شعبي منظم واسع ومتصل. فالشعوب عندما تباشر ثوراتها تطور بالممارسة وعيها، وبالتالي تنظيمها وإستراتيجيتها وتكتيكاتها وأدواتها.....
 
2: إن هذا المتغير، وإن بدأ كجيشان انتفاضي شعبي عفوي، إلا أنه شب على طوق القمع، بل، وبفعل هذا القمع الدموي، تحول إلى ثورة شعبية عارمة، دمجت بين الديموقراطية السياسية والاجتماعية. ولن تكون، (كأي ثورة)، إلا محصلة لواقع ملموس من التناقضات لها سماتها الخاصة المحددة.
 
3: إن هذا المتغير، وإن لم يكشف حتى الآن عن خياراته الوطنية، بمعنى مستقبل سياسته الخارجية قوميا وإقليميا ودولياً، إلا أن كل هذا مضمر، وسيكون على رأس جدول أعمال ما يفرزه من سلطة، بات مضمونا أن تكون حصيلة لانتخابات حرة ونزيهة، ووفقاً لأصول دستورية ديموقراطية، تعبر عن إرادة الشعب، ودون وصاية من أحد. والشعب المصري مجرَّب على هذا الصعيد. فقد ظل، وخاصة منذ الثورة الناصرية، صاحب خيار وطني قومي، ولم يندرج في "التطبيع"، رغم مرور ثلاثين عاما على معاهدة السلام بين النظام وإسرائيل.   
     
4: إن هذا المتغير يحدث في مصر، الدولة العربية المركزية، التي لا مبالغة في القول، إنها، إن نهضت نهض العرب، وإن نكصت نكص العرب. وشواهد التاريخ كثيرة. وللتدليل: ألم تتكالب القوى العظمى كافة ضد نهضة ثورة محمد علي التحديثية التوحيدية؟! ثم ألم يكن توحيد بلاد الشام مع مصر، هو السر المفتاحي في نجاح صلاح الدين وانتصاراته؟! كذلك، هل كان بلا معنى أن توجب نهضة الثورة الناصرية ثلاث حروب (1956، 1967، 1973)، أفرزها ارتباط المصالح الإسرائيلية والاستعمارية الغربية، وكان هدفها  صد الثورة الناصرية، والحد من تداعياتها على المنطقة العربية؟! وهل هو من دون معنى أن ينكفئ العرب، حيث لم يشنوا حربا واحدة ضد إسرائيل منذ خروج مصر العسكري من الصراع؟! وهل هو من دون معنى أن تختار إسرائيل، بل غلاة قادتها، مصر كأول دولة عربية تعقد معها معاهدة للسلام، بهدف إخراجها من الصراع، لتقوّي نفسها كـ"نزارة" للحروب، وتدعم رفضها للتسويات السياسية للصراع، اللهم إلا إذا جاءت على مقاس شروطها واملاءاتها التعجيزية.
 
5: إن هذا المتغير المصري، (بعد التونسي)، وتردداتها عربيا، قد نقل المنطقة العربية من "الزمن الرمادي"، ووضعها على مفترق طرق "الزمن المكثف". حيث أن دقيقة "الزمن المكثف" بسنة من "الزمن الرمادي". فما بالك إن وقع هذا على إيقاع عصر سريع عصي على التحكم! ناهيك عن أنه يأتي على خلفية ما تراكم على مدار عقود، تحت السطح على طول وعرض الساحة العربية، مِن غضب شعبي، يتوق للحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية.
 
 قصارى القول، إن كان على العقل الصحافي متابعة الزلزال المصري كأحداث يومية، وإن كان على العقل السياسي أن يتابعه كفعل ومردود سياسي، فإن على العقل النظري أن يفكر فيه كثورة، جاءت بنتا لعصرها في ملموس خاصها، أضافت، وستضيف، ما هو جديد خاص للعام من قوانين الثورة.              

التعليقات