مصر.../ الأسير وليد دقّة*

إن هؤلاء الشباب المصري لا يشبهونك يا سيد أفنيري، وديمقراطيتهم لن تشبه ديمقراطية إسرائيل، فهؤلاء ديمقراطيون حقيقيون، يرفضون القهر والظلم، ولن تجد من بينهم من يبرر لبلده احتلاله لشعب آخر، ويصادر حقه في الحرية والحياة..

مصر.../ الأسير وليد دقّة*

 عند سماع السياسيين والمحللين الاسرائيليون في النشرات الاخبارية باللغة العبرية، وفي تعليقهم على الثورة التونسية والمصرية، تتيقن حجم الهواء الفاسد الذي يملأ صدورهم، والذي يصرون على بثه لشعبهم ليستنشقه ويعيده مواقفاً وتأييداً مشبعاً بالكراهية والتطرف؛ هذا فيما شعوب العالم قاطبة تتعلم دروساً في الممارسة المدنية السلمية المطالبة بالحرية والعدالة والديمقراطية التي تكثفت عبرها في هذه اللحظة التاريخية المصرية وثورتها العظيمة.

لا ديمقراطية بدون ديمقراطيين، واستطلاعات الرأي في إسرائيل تبين بأن شعب "واحة الديمقراطية الوحيدة" في الشرق الأوسط، اختار يهودية الدولة على ديمقراطيتها، ويفضل زعيمًا قوياً يحكم بعيداً عن التعددية والحرية والقيم الديمقراطية، كليبرمان أو ليبرمان ذاته، حيث يجمع بين عقلية الديكتاتور والآيديولوجيا العنصرية، فالعنصرية في إسرائيل أصبحت الإجماع الوطني الصهيوني، وتمثل القاسم المشترك بين ليبرمان وأنصاف الليبراليون ومدّعي "الديمقراطية اليهودية"، ممن تنتهي ديمقراطيتهم عندما يبدأ الحديث عن غير اليهودي وخصوصاً العربي.

ففي الأيام الأولى لإندلاع الثورة في مصر، لم ينطق الساسة والمحللون الاسرائيليون كلمة واحدة عن الحرية والديمقراطية وإرادة الشعوب، وانشغلوا كعادتهم في السؤال، أين أخطأت الأجهزة الأمنية المصرية، ولماذا فشل النظام في قمع المتظاهرين؟ مستخدمين المفردات الأمنية نفسها التي اعتادوا استخدامها في مواجهة النضال الوطني الفلسطيني، حتى كاد إيهود يعاري يطالب بلجنة تحقيق لهذه الفضيحة، والإهمال الأمني الذي تسببت به القيادة المصرية لأمن إسرائيل، جراء تسرب أفكار "خطيرة" مثل الحرية والعدالة الاجتماعية لعقول المصريين.

ولما أيقن هؤلاء بأن عرابهم قد انتهى وفي طريقه للرحيل، بدأت جوقة التخويف من الديمقراطية التي لا بد فارزة تطرفاً وإرهابا،ً وكأن "الديمقراطية اليهودية" هي منارة الديمقراطيات التي يهتدى بها، أو كأنها لم تفرز أحزاباً دينية موغلة في التطرف، وقوى سياسية عنصرية توراتية، أمثال ميخائيل بن يائير وغيره، وقد انضم لهذه الجوقة أكاديميون أمثال جاي بخور لإضفاء عمق وموضوعية للتحليل، فكان سطحيّا غارقًا في العنصرية، وقد كتب شلومو أفنيري في صحيفة هآرتس واصفاً الشباب الثائر في مصر بأنهم "جيل مثقف وشاب، ويتحدث الانجليزية ويستخدم الفيسبوك والتويتر مثلي ومثلك تماماً!!!"، شو هالحكي ... يا سلام... حقاً يا بروفيسور أفنيري مثلك تماماً؟؟!! أخيراً اجتهد أفنيري ورفع الغشاوة عن عينيه قليلاً ليكتشف أن الشباب العربي مثله تماماً، لكنه ظل على عمى قلبه، مصراً على أن ثورات العرب ليست كباقي ثورات الشعوب تقود إلى الديمقراطية، وأن أمام مصر خياران، إما ديكتاتورية عسكرية وحكم جنرالات، وإما فوضى.

أما خيار الديمقراطية فهذه ماركة اسرائيلية مسجلة، لا سيما "الديمقراطية اليهودية" التي ينظر لها أشباه الديمقراطيين أمثاله.

إن هؤلاء الشباب المصري لا يشبهونك يا سيد أفنيري، وديمقراطيتهم لن تشبه ديمقراطية إسرائيل، فهؤلاء ديمقراطيون حقيقيون، يرفضون القهر والظلم، ولن تجد من بينهم من يبرر لبلده احتلاله لشعب آخر، ويصادر حقه في الحرية والحياة..

لا يشبهونك لأنه لن تجد بين القوى السياسية المصرية بما فيها الإخوان المسلمين من ينادون بغير الدولة المدنية، ولن تجد قوى ممثلة في البرلمان فاشية تعادي الديمقراطية، وتسعى لسن قوانين عنصرية..

لا يشبهونك لأنهم تربوا في مجتمع طالما احترم المختلف الذي لا يشبههم، بما فيهم اليهود المصريين الذين عاشوا كطائفة مصرية مزدهرة..

لن تسمع منهم قولاً ينادي بعدم اختلاط بين المصرية وغير المصري، وسمر البشرة هناك ليس لهم أحياء وجيتوات خاصة بهم، ولا تلقى دماؤهم في القمامة، لا لشيء، إلا لأنهم سود البشرة..

لا يشبهونك لأنهم يلفظون العنصرية من أوساطهم، ولن تجد بينهم من لا يؤجر بيتاً لغير المصري..

لا يشبهونك لأنهم لا يشبهون العنصريين.. ولايشبهونك لأنك لو نظرت حولك قليلاً ستجد بأن هذه الدولة وقياداتها وسياستهم حوّلوا الاسرائيلي إلى شيء لا يشبه أحداً في هذا العالم.

مهما حاولت إقناع نفسك بأنك في الغرب لن تصبح في الغرب، ولم يفت الأوان لتحاول مجدداً أن تشبهنا، فأنت في الشرق لا محالة ومن الشرق تشرق الشمس دومًا كل صباح.  

التعليقات