04/03/2011 - 13:00

حتى لا تتحوّل الثورات العربيّة إلى مطيّة للمصالح الأمريكيّة/ زهير أندراوس

يواصل الزعيم الليبي، العقيد معمر القذافي، ارتكاب المجازر المروعّة ضدّ أبناء شعبه، في ظل صمتٍ عربيّ رسميّ مريبٍ ومخزٍ ومشين. الشعب يريد إسقاط النظام، الشعب يريد تفسير الخطاب، والدول العربيّة تلتزم الصمت، هذا الزعيم يتحدث عن عدم وجود مبادرة عربيّة لوقف حمام الدم في بلد أحفاد عمر المختار

حتى لا تتحوّل الثورات العربيّة إلى مطيّة للمصالح الأمريكيّة/ زهير أندراوس

"إنّ القومية العربية لا يُجسّدها رجلاً واحدًا، أوْ مجموعة من الرجال، إنّها لا تتوقف على جمال عبد الناصر

ولا على الذين يعملون معه، إنّها كامنة في ملايين العرب، الذين يحمل كل منهم قبساً من شعلة القومية، إنّها تيار لا يُقاوم،  ولا تستطيع أيّة قوة في العالم تحطيمها، طالما بقيت محتفظة بثقتها فى ذاتها" (جمال عبد الناصر)

 

"تحت ستار خلق الدول المستقلة سياسيًا، تصنع الدول الإمبرياليّة في الواقع دولاً تابعةً لها في الميادين الاقتصادية، المالية والعسكرية" (لينين)

 

يواصل الزعيم الليبي، العقيد معمر القذافي، ارتكاب المجازر المروعّة ضدّ أبناء شعبه، في ظل صمتٍ عربيّ رسميّ مريبٍ ومخزٍ ومشين. الشعب يريد إسقاط النظام، الشعب يريد تفسير الخطاب، والدول العربيّة تلتزم الصمت، هذا الزعيم يتحدث عن عدم وجود مبادرة عربيّة لوقف حمام الدم في بلد أحفاد عمر المختار، وذاك يقول إنّه من الصعب، إنْ لم يكن مستحيلاً، القيام بخطوة عربيّة عمليّة لاحتواء الأمور ومنع "قائد ثورة سبتمبر العظيمة" من مواصلة أعمال قتل المدنيين العزّل، الذين ثاروا ضدّ الغبن والظلم وكم الأفواه والفقر المدقع وسلب الحريّات والثروات

***

من حيث ندري أوْ لا ندري عادت الولايات المتحدة الأمريكيّة إلى الواجهة في منطقة الشرق الأوسط، الجميع ينتظرون بفارغ الصبر ماذا سيكون الموقف الأمريكي وكيف ستتصرف إدارة الرئيس باراك أوباما. دول الاتحاد الأوروبي، التي تعتمد على صادرات النفط الليبي، كشفت عن وجهها الحقيقي، وكشرّت عن أنيابها الاستعماريّة، عندما شعرت بأنّ الأوضاع المتوترة في لبيا، بدأت تهدد النفط وترفع أسعار البرميل الواحد، وتؤثر سلبًا على الأسواق المالية (البورصة). الناطق بلسان البيت الأبيض، الذي يستقبل لأول مرّة، وباعتقادنا أخر مرّة، رئيسًا أسودًا، بات يطل علينا يوميًا، يهدد ويطالب القذافي بالرحيل فورًا، مشددًا على أنّ بلاده تدرس جميع الخيارات، بما في ذلك، الخيار العسكري، وبطبيعة الحال انضمت القارة العجوز إلى واشنطن وبدأت بالتهديد والوعيد، إذا واصل الزعيم الليبي ارتكاب المجازر بحق المدنيين من أبناء شعبه، التحرك الغربيّ لا يدور في فراغ ولم يأت من فراغ، فهو تحصيل حاصل للأزمة الاقتصادية التي ستكون من نصيبه، أيْ الغرب، من هلوسات الزعيم الليبي، إذ أنّ ليبيا تُصدّر يوميًا أكثر من مليوني برميل حالياً.

***

هذه المعطيات تؤكد لكل من في رأسه عينان على أنّ الغرب الكولونيالي يتعامل مع هذه الدولة العربيّة بمنظار اقتصادي استعماري، ويرى فيها مصدرًا مهمًا للغاية للتزود باحتياجاته من النفط والغاز، ومن هنا يمكن فهم تهديدات البيت الأبيض والاتحاد الأوروبي بالتدخل السريع لعزل القذافي، فبعد أنْ كان حليف الغرب لسنوات طويلة، وسلّم واشنطن جميع برامجه النووية والبيولوجيّة والكيماوية، أصبح الآن مصدر التهديد على مصالح الأصدقاء، الذين تحالفوا معه، على الرغم من علمهم المسبق بأنّ الحديث يدور عن زعيم دكتاتوري واستبدادي، ولم نسمع حينها من الغرب المتنور المطالب التي نسمعها اليوم عن نهب الثروات وسلب الحريّات وقمع المواطنين عبر أجهزة المخابرات، علاوة على اغتيال المعارضين الليبيين على الأراضي الأوروبيّة، والمؤسف، لا بل الغريب والعجيب، أنْ يُعبّر القذافي عن غضبه الشديد والعارم من قيام الغرب بالتنازل عنه وعدم تقديم المساعدة له في محنته، ناسيًا أوْ متناسيًا، أنّ عهده قد ولّى، وأنّ جميع الخدمات التي قدّمها للغرب، وتحديدًا لأمريكا، باتت في خبر كان، لأنّ الغرب يبني سياساته على مصالحه الحيويّة في المنطقة، وفي مقدمتها الاقتصادية المرتبطة عضويًا بالسياسيّة، ومبارك كامب ديفيد هو أكبر مثال على النفاق الغربيّ تجاه الشرق العربيّ المتخلف، وفق منطقهم المشوه.

***

وعود على بدء: العرب أقّروا أنّهم أعجز وأجبن عن القيام بمبادرةٍ عربيّة لوأد الفتنة في ليبيا، وهذا الأمر كان أكثر من متوقع، فالدول العربيّة لم تقترب حتى الآن، مع بداية العقد الثاني من القرن الـ21 إلى تعريف الدولة الحديثة، وخصوصًا في كل ما يتعلق بالمواطنة، إنّها دول تُصدّر النفط، ولكنّها في الوقت نفسه تستورد الخبراء الغربيين لبناء ناطحات السحاب وهندسة برامج النفط وما إلى ذلك، إنّها دول تعتمد على الغرب، الذي يضمن لها الحماية، إنّها تتلقى فقط، وزمام المبادرة يبعد عنها ألف سنة ضوئية، وهذه التركيبة الفريدة، تًحوّل هذه الدول إلى رهائن بأيدي الغرب، التي بات يستعملها كحجار الشطرنج منذ أنْ انهار الاتحاد السوفيتي، وأصبح العالم يُقاد من قبل قوةٍ واحدةٍ، وباتت أمريكا تصول وتجول في العالم العربيّ، وتُملي شروطها على الأمراء والملوك والسلاطين والمتزعمين، وهنا المكان وهذا الزمان لإطلاق صرخةٍ مدويّةٍ من أنّ الثورات التي شهدها العالم العربيّ وسيواصل العيش في كنفها، قد تزيد من إحكام سيطرة أمريكا على الدول العربيّة، ولا نستبعد البتة أنْ تُقدم الولايات المتحدة الأمريكيّة، مدعومة من الاتحاد الأوروبي، بتنصيب حاكمٍ ليبيّ بعد القذافي على شاكلة حميد كارازي في أفغانستان، وفي هذا السياق لا بدّ من التذكير بتصريح وزيرة الخارجية الأمريكيّة، هيلاري كلينتون، هذا الأسبوع، والتي قالت فيه إنّ بلادها تقوم بإجراء اتصالات مع قيادات ليبية في شرق البلاد المحرر من "نيرون طرابلس"، هذه الاتصالات ربّما تكون توطئة لتعيين زعيم ليبي يرقص وفق موسيقى النشاز التي تعزفها واشنطن وربيبتها تل أبيب، وفي حال تحقق هذا السيناريو فإنّ الثورة الليبيّة التي قدّمت المئات وربما الآلاف من الشهداء قد اختطفت من الشعب قبل أنْ تُحقق الإنجازات، بحيث يُستبدل القذافي بزعيم موالٍ للغرب في كل شيء، ناهيك عن أنّه سيكون تابعًا للغرب الذي عمل على تعيينه في منصبه، وعند ذلك فإنّ ليبيا لن تهدأ ولن ترضى بهذا الأمر، ما يعني أنّ النزاعات القبليّة والطائفية والمناطقيّة ستستمر، ولا نستبعد بالمرّة تفتيت هذه الدولة وإقامة دويلات تخدم أولاً وأخيرًا مصالح الغرب الاستعماريّ.

***

وربّما في هذه العجالة نُذكّر، هذا إذا نفعت الذكرى، أنّ المغفور له، الزعيم والمعلم جمال عبد الناصر، الرجل الذي اتسّعت همّته لآمال أمته، كما قال منظر القوميّة العربيّة، ساطع الحصري، رحل عنّا جسديًا قبل أنْ يتمكن من تحقيق مشروع الوحدة العربيّة، وهذا الأمر كارثة بكل المقاييس، فماذا ينقصنا حتى لا نؤسس الاتحاد العربيّ على غرار الاتحاد الأوروبيّ؟ ولكنّ المأساة الكبرى تكمن في أنّ الرئيس الأمريكيّ الأسبق، جورج بوش الأب، حقق الوحدة العربيّة في العام 1991 عندما شنّ العدوان الثلاثيني على عراق الرجل والبطل والشهيد صدّام حسين، جميع الدول العربيّة، بدون استثناء، انضمت إلى الحلف الذي أسسته واشنطن لتحرير "دولة الكويت العظمى" من الاحتلال العراقيّ، وانضمام الدول العربيّة لم يكن عبر بيانات الدعم والشجب والاستنكار والامتعاض، بل عبر المشاركة الفعليّة في عملية تحرير الكويت من الاحتلال العراقيّ، الجيوش العربيّة تمّ إرسالها للمشاركة في عملية التحرير، تحت قيادة أمريكا، وهذه المشاركة الفعالّة في تحرير الكويت تؤكد بما لا يدعو للشك أنّ العرب على استعداد للوحدة ولو التكتيكية، إذا كانت واشنطن هي المبادرة، فماذا تختلف الكويت عن ليبيا، يا زعماء الأمّة؟

***

قد نُخطئ، قد نصيب، وبالتالي نميل إلى الترجيح بأنّه في حال قررت واشنطن تشكيل الحلف مع العرب لتحرير ليبيا من القذافي، سيتهافت، لا بل سيتسابق الزعماء من المحيط إلى الخليج للمشاركة في كذبة أخرى تقول إنّ العرب، من الناحيتين القوميّة والأخلاقيّة، يلتزمون بالوقوف إلى جانب الشعب الليبي الشقيق.

 

التعليقات