23/03/2011 - 10:26

الديمقراطي شرط لازم للوطني../ علي جرادات

يبدو أن مشوار التقاط هذا الدرس ما زال طويلاً. حيث جاء التعامل مع حراك الشباب الفلسطيني احتوائيا في الضفة، وقمعيا في غزة

الديمقراطي شرط لازم للوطني../ علي جرادات
راقبت سلوك قيادتي السلطة الفلسطينية في الضفة وغزة تجاه الحراك الشبابي. ولم أتوقع غير ما جرى، إلا أن أملا ظل يحدوني، بأن يكون الرسمي الفلسطيني قد تعلم أكثر من اطاحة الحراك الشبابي العربي بأنظمة كان أمل الإطاحة بها حتى الأمس القريب بمثابة حلم.
 
   لكن يبدو أن مشوار التقاط هذا الدرس ما زال طويلاً. حيث جاء التعامل مع حراك الشباب الفلسطيني احتوائيا في الضفة، وقمعيا في غزة. ليصدق الراحل درويش، حيث قال: "كم كذبنا عندما قلنا إننا استثناء".
 
  هذا رغم أن الشعب الفلسطيني ما زال يعيش مرحلة تحرر وطني، وأن الشرط الديمقراطي سمة لازمة لحركات التحرر، وشرطا لازما لنجاحها. ويعد الإخلال به واحدا من الأسباب الأساسية لانهيارها، سواء قبل تسلُّمِ السلطة أو بعد الفوز بها. هكذا قال "التاريخ الذي لا نصدق غيره". وكان هذا الاستخلاص واحداً من أهم استخلاصات انهيار تجارب الاشتراكية المحققة في الاتحاد السوفييتي وبلدان أوروبا الشرقية، فيما يتأكد مجدداً عبر إسقاط الحراك الشعبي لنظامين عربيين، (حتى الآن)، كانا يوما حركتا تحرر وطني.
 
   لكن، يبدو فعلاً أن سائد الفكر السياسي الفلسطيني لم يهضم هذا الاستخلاص بعد. رغم أن الجدل حول علاقة الوطني بالديموقراطي عريق في حركة التحرر الفلسطينية، حيث فرضت خصوصيتها، ناهيك عن استطالتها وتنوع مشارب فكرها السياسي، جدلا واسعا حول هذه الموضوعة الجوهرية، سواء داخل المؤسسات الوطنية الجامعة، أو داخل الأحزاب والحركات والفصائل والمنظمات السياسية.
 
   وقد ارتبطت نتائج هذا الجدل، ثراء أو فقراً، بمقدار تأثير الشعبي فيه من جهة، وبمقدار استجابة الفكر السياسي الفلسطيني للمطالب الديمقراطية الشعبية من جهة ثانية، وبمقدار تأثير المحيط العربي، أنظمة وحركات تحرر، في الفكر الفلسطيني من جهة ثالثة. وبمقدار تأثره بتجارب حركات التحرر العالمية من جهة رابعة.
 
   لكن، وبمعزل عن هذا الجدل الذاتي وتأثيرالتعقيدات الموضوعية في محصلته العامة، التي تشهد اليوم أسوأ محطاتها، فإن الحقائق الموضوعية تؤكد أن الشعب الفلسطيني، وإن كان ما زال يعيش مرحلة تحرر وطني، إلا أن ذلك لا ينفي ضرورة إطلاق العنان لخياره الديمقراطي، الذي يدعم نضاله الوطني ويعززه، فالخيار الديموقراطي شرط لا مفر منه لمعالجة تناقضاته الداخلية. إذ عبره فقط، يمكن توحيد السياسة والتنظيم الوطني وصيانة المؤسسات الوطنية التمثيلية الجامعة في مواجهة الاحتلال. ما يعني ضرورة الكف عن قمع الخيار الديمقراطي بذرائع "استثنائية" الحالة الفلسطينية، كذرائع تخلق تعارضاً مفتعلاً بين الوطني والديمقراطي، وتحوّل جدلهما الموضوعي إلى جدل ذاتي بيزنطي، على طريقة أيهما أسبق البيضة أم الدجاجة؟؟!!  
 
   واليوم، وأكثر من أي وقت مضى، يتبدى عجز سائد الفكر السياسي الفلسطيني عن ربط الوطني بشرطه الديمقراطي. وذلك ارتباطاً بالشواهد التالية:
 
أولاً: مفارقة استخفاف شقي السلطة الفلسطينية ببدايات الحراك الشعبي المطالب بإنهاء الانقسام الداخلي بقيادة شبابية، بالاحتواء في الضفة والقمع في غزة. وفي هذا تناسٍ لكون المطالبة الشعبية بإنهاء الانقسام تعني عمليا المطالبة بنقل الربط بين الوطني والديمقراطي من ملكوت الخطاب إلى عالم التطبيق الواقعي.
 
ثانيا: مفارقة تناسي العديد من النخب القيادية الفلسطينية، وقيادتي "فتح" و"حماس" بخاصة، أن تجمعات الشعب الفلسطيني أوسع من تجمعي الضفة الغربية وقطاع غزة، ناهيك عن أن "السلطة" فيهما سلطة وهمية، وتخضع لاستباحات الاحتلال التي لم تتوقف بنشوء هذه السلطة المنقسمة، فضلا عن أن توحيدها، إن حصل بإجراء انتخابات "رئاسية" و"تشريعية"، لا يعني غير تجديد المرحلة الانتقالية لأوسلو الفاشل والكارثي والمسؤول عن خلق المأزق الديموقراطي وتعدد الأجندات لتجمعات الشعب الفلسطيني، الذي بات أحوج ما يكون إلى إعادة نظم تجمعاته في الوطن والشتات في إستراتيجية سياسية كفاحية وطنية وديمقراطية موحدة، تشكل عقدا سياسيا جامعا تلتزم به كل قواه السياسية والاجتماعية، كشعب له أهداف مشتركة ومصير مشترك. وهذا ما لا يحققه غير إجراء انتخابات للمجلس الوطني، كمدخل لإعادة بناء وتوحيد ودمقرطة وتثوير منظمة التحرير الفلسطينية.
 
ثالثاً: مفارقة عدم التقاط قيادتي السلطة الفلسطينية في الضفة وغزة لدرس ترابط الوطني بالديمقراطي في الحراك الشعبي العربي الجاري، كربط تستلهمه الحالة الشعبية الفلسطينية، وعنصرها الشبابي تحديداً، الذي يشكل، (حاله كحال الشباب العربي)، ثمرة لتاريخ شعبه، وغير منعزل عنه. إذ بمعزل عن طريقة تمثله لهذا التاريخ وزاوية نظره إليه، فإنه يشكل امتداداً طبيعيا له، بعد أن تمثل الايجابي من قيمه الوطنية والديموقراطية، وأضاف إليه أسلوبه ووعيه الخاصين.
 
رابعاً: مفارقة تجاهل أن الوعي والأسلوب الخاصين لهذا الناشئ الشبابي سيفرض، تقدم الأمر أم تأخر، أدوات عمل جديدة تقع خارج أدوات العمل المعهودة لسلطة أوسلو بشقيها، التي لن تحصد غير الفشل، إن هي واجهت هذا الجديد الناشئ في أحشائها بنزعات محافظة معيقة. فما بالكم إن هي واجهتها بالتسلط والإقصاء والقمع؟؟!!
 
   هذه مفارقات تعكس شكلا من سيطرة قوة العادة النابضة بالمصالح الضيقة، التي تعادي تحولات الواقع، الذي لا يتوقف عن ولادة الجديد. ما يذكِّر بحكمة طُرفة ثقول:
   سأل أحدهم صبية عن سبب قطعها لرأس السمكة قبل وضعها في الطنجرة. فتلعثمت وقالت: هكذا كانت تفعل والدتي. فذهب إلى والدتها وطرح عليها ذات السؤال. فتلعثمت بدورها، وأجابت بالقول: هكذا كانت تفعل والدتي. فذهب إلى الجدة التي قالت: كنت أقطع رأس السمكة لأن الطناجر في زمننا كانت صغيرة ولا تتسع للسمكة مع رأسها.                        

التعليقات