31/03/2011 - 20:07

الحبة قبة في إسرائيل../ ماجد عزام*

أخيراً، اضطرّت إسرائيل إلى نشر منظومة القبة الفولاذية المضادة للصواريخ، قصيرة المدى، في محيط مدينة بئر السبع المحتلة. هذا الأمر هو في الحقيقة جزء من الأزمة وليس الحلّ في مواجهة المقاومة في لبنان وفلسطين، وتحديداً فيما يتعلق بالصواريخ قصيرة المدى، أي القسّام والكاتيوشا والغراد، والتي يتراوح مداها ما بين 4 إلى 70 كم

الحبة قبة في إسرائيل../ ماجد عزام*
أخيراً، اضطرّت إسرائيل إلى نشر منظومة القبة الفولاذية المضادة للصواريخ، قصيرة المدى، في محيط مدينة بئر السبع المحتلة. هذا الأمر هو في الحقيقة جزء من الأزمة وليس الحلّ في مواجهة المقاومة في لبنان وفلسطين، وتحديداً فيما يتعلق بالصواريخ قصيرة المدى، أي القسّام والكاتيوشا والغراد، والتي يتراوح مداها ما بين 4 إلى 70 كم.
 
يجب تذكّر أن فكرة تطوير واستحداث المنظومة ذاتها أثارت جدلاً حاداً داخل صفوف جيش الاحتلال، بسبب أساسها الدفاعي الذي يتعارض مع النهج الهجومي التقليدي للجيش الذي يجب أن يسعى - حسب المعترضين على الفكرة - إلى تدمير إمكانات وصواريخ المقاومة وبناها التحتية، بدلاً من الانشغال بالتكتيكات الدفاعية التي تعني، ولو بشكل غير مباشر، القبول بفكرة نقل الحرب إلى العمق الأمني الإسرائيلي، بما يتعارض أيضاً مع العقيدة القتالية التقليدية التي اتّبعتها إسرائيل منذ تأسيسها.
 
وحتى عندما جرى التوافق على استحداث وتطوير المنظومة كإحدى العِبر من حرب لبنان الثانية، التي استطاعت المقاومة خلالها نقل الحرب إلى العمق الأمني والمدني الإسرائيلي، تمّ ذلك على اعتبار أنها ستنشر في محيط القواعد العسكرية والمؤسسات الأمنية الحساسة وليس في محيط المدن والتجمّعات الاستيطانية الكبرى أو الصغرى. فقط، تحت وطأة العجز عن منع إطلاق الصواريخ من غزة، سواء في أثناء الحرب الأخيرة أو بعدها، جرى الترويج لفكرة نشر المنظومة لحماية المستوطنات والمدن المحيطة بالقطاع. وهو أمر كان للاستهلاك الإعلامي، ولم يعبّر عن نيّات جدية لجيش الاحتلال، كما أفصح ذات مرة قائد المنطقة الشمالية الجنرال غادي ايزنكوت، الذي كان أحد المرشّحين لمنصب رئيس الأركان.
 
التصعيد الأخير في غزة، الذي بادرت إليه إسرائيل نفسها، أكّد في السياق استحالة إيقاف إطلاق الصواريخ من قطاع غزة بوسائل عسكرية، حتى لو وصل الأمر إلى إعادة احتلاله مرة أخرى، ما يعتبر أيضاً جزءاً من الأزمة وليس الحل بالنسبة للدولة العبرية، تماماً كنشر منظومة القبة الفولاذية في محيط بئر السبع وليس في محيط المستوطنات المجاورة للقطاع.
 
نشر المنظومة سلّط الضوء كذلك على جوانب أخرى متعلقة بها، سواء عملياتية أو اقتصادية. فبالنسبة إلى الجانب الأول، نقلت صحيفة هآرتس، بتاريخ 29 آذار، عن عقيد الاحتياط يوسي ايرز إن الصاروخ المضاد الذي تطلقه المنظومة يحتاج إلى 20 ثانية ليتمكّن من إسقاط الصاروخ المهاجم، بينما يستطيع صاروخ الغراد المطوّر ضرب أشيكلون – عسقلان - في أقل من 20 ثانية. وأضافت هآرتس نقلاً عن العقيد ايرز أن مدى صاروخ القبة الحديدية هو 6 كيلو مترات في الثانية، وبهذه المعطيات تقريباً لا يمكن أن يدافع عن مدينة "أشيكلون" أمام صواريخ "الغراد" العادية والمتطوّرة"، حيث "أن صاروخ "الغراد" العادي ينطلق بسرعة 717 متراً، بينما صاروخ "الغراد" المطوّر ينطلق بسرعة 1009 أمتار في الثانية. وعلى ذلك، ليس هناك فرصة لمنظومة القبة الحديدية في الدفاع عن المستوطنات الموجودة على بعد 12 كيلو متراً من حدود قطاع غزة، وحتى التي على مسافة أبعد من ذلك". وربما، من هنا ايضا، يمكن فهم ما كتبه عوفر شيلح في معاريف - 29 آذار- عن تفكير قائد الدفاع الجوي العميد دورون غبيش في تغيير اسم القبة الفولاذية المتبجّح والذي قد يعزّز وهم الأمن المطلق لدى الإسرائيليين.
 
أما فيما يتعلق بالجانب الاقتصادي، فالمنظومة باهظة الثمن وجدّ مكلفة، قياساً بالصواريخ البدائية والزهيدة. وعلى سبيل المثال: فإن ثمن البطارية الواحدة يصل إلى نصف مليون دولار، أما تكلفة المنظومة كاملة فتصل إلى 15 مليون دولار(50 مليون شيكل)، بينما تصل تكلفة التشغيل وإطلاق الصاروخ الواحد منها إلى 50000 دولار تقريباً مقابل صواريخ بدائية يبلغ ثمنها مئات أو حتى آلاف الدولارات. وحسب إحصائية نشرتها يديعوت أحرونوت فإن إسرائيل تحتاج إلى أربعين مليون دولار لتشغيل منظومة القبة الفولاذية، ليوم قتالي واحد، على الجبهة الجنوبية، في مواجهة حماس. علماً أن المنظومة قاصرة كذلك عن تقديم الحماية لمدن بكاملها، عوضا عن عدم امتلاك جيش الاحتلال سوى لعدد محدود منها، كونها مخصّصة أساساً للجبهة الشمالية مع لبنان، وليس للجنوبية مع غزة، التي تعتبر أقل خطراً بنظر قيادة الجيش.
 
في المجمل، كرّس الجدل والنقاش الإسرائيلي حول فعالية المنظومة وكلفتها وجدواها، بل حتى فلسفتها الأساسية، حقيقة المأزق الذي تعيشه الدولة العبرية في مواجهة الصمود الفلسطيني، وعجز العقيدة القتالية الاسرائيلية التقليدية عن تجاوز الأساليب والتكتيكات القتالية للمقاومة خاصة فى بعدها الجماهيرى. أما ارتكاب جرائم الحرب كما جرى في لبنان وغزة - وفق نظرية الضاحية- فقد أدّى إلى تعميق المأزق ليس ميدانياً فقط وإنما سياسياً وإعلامياً وقضائياً أيضاً.علماً أن العزلة السياسية والديبلوماسية التي تعانيها إسرائيل الآن هي أحد أبرز وأوضح تجلّياته وكما دائما لا يمكن أن نستثمر أو نستفيد من ذلك دون إنهاء الانقسام الحاصل حالياً وبلورة استراتيجية فلسطينية صلبة ومتماسكة تلحظ نقاط القوة لدينا وهي كثيرة ونقاط الضعف للعدو وهي عديدة ومتشعبة أيضاً.

التعليقات