26/04/2011 - 14:30

إسرائيل: استقرار سياسي يدعمه نمو اقتصادي وتنامي ثقافة سياسية فاشية../ مطالنس شحادة*

بعد انتخابات 2009 نجح بنيامين نتنياهو في تشكيل حكومة يمينية الطابع، واسعة، وقابلة للحياة تتسم بتناغم سياسي بين أحزاب الائتلاف. وبعد قرابة العامين على الانتخابات البرلمانية، لم تشهد الحلبة السياسية أزمات حقيقة تهدد استقرار أو استمرار حكومة نتنياهو، حتى بعد انفصال إيهود براك عن حزب العمل. بل يمكن اعتبار هذا الانفصال كنوع من أنواع الدعم لحكومة نتنياهو. إذ أبدى عدد من أعضاء حزب العمل (قبل الانفصال) لأسباب انتخابية، ميولا للاستمرار في عملية التفاوض مع السلطة الفلسطينية، الأمر الذي كان يمكن أن يشكل نواة لعدم استقرار داخل الحكومة

إسرائيل: استقرار سياسي يدعمه نمو اقتصادي وتنامي ثقافة سياسية فاشية../ مطالنس شحادة*
بعد انتخابات 2009 نجح بنيامين نتنياهو في تشكيل حكومة يمينية الطابع، واسعة، وقابلة للحياة تتسم بتناغم سياسي بين أحزاب الائتلاف. وبعد قرابة العامين على الانتخابات البرلمانية، لم تشهد الحلبة السياسية أزمات حقيقة تهدد استقرار أو استمرار حكومة نتنياهو، حتى بعد انفصال إيهود براك عن حزب العمل. بل يمكن اعتبار هذا الانفصال كنوع من أنواع الدعم لحكومة نتنياهو. إذ أبدى عدد من أعضاء حزب العمل (قبل الانفصال) لأسباب انتخابية، ميولا للاستمرار في عملية التفاوض مع السلطة الفلسطينية، الأمر الذي كان يمكن أن يشكل نواة لعدم استقرار داخل الحكومة.
 
كذلك هناك بعض التناقضات بين مركبات الحكومة تتعلق بالعلاقة بين الدين والدولة، بين حزب "شاس" وبين "يسرائيل بيتينو" لم ترق إلى درجة تهديد استقرار الحكومة. أما المعارضة لنتنياهو من داخل حزب الليكود، فهي هامشية لغاية الآن ولم ترق إلى مستوى التمرد كما فعل أعضاء حزب الليكود لرئيس الوزراء الأسبق أرئيل شارون. فالخلافات الداخلية لم تصل إلى حد التناقضات الأيدولوجية الجوهرية. والمعارضة الضئيلة التي تعرض لها نتيناهو من داخل صفوف الائتلاف جاءت بعد خطاب "بار إيلان" الذي فُسر أنه قبول لمبدأ "دولتين لشعبين"، وبعد قبوله بتجميد البناء في المستوطنات.
 
نجحت حكومة نتنياهو لغاية الآن في احتواء كافة أشكال المعارضة الداخلية وبعض التناقضات في صفوفها. وللمقارنة، فقد واجهت حكومة نتينياهو الأولى في العام 1996 ببيئة سياسية شبيه إلى حد بعيد من الواقع الحالي، لكن حينها ساهمت في سقوط حكومة نتنياهو. فماذا تغير؟
 
مرت إسرائيل في العقد الأخير بتغيرات جمة، منها في الوضع الاقتصادي والسياسات الاقتصادية، ومنها في المواقف السياسية للمجتمع الإسرائيلي، وفي العلاقة بين السياسات الخارجة والمشهد السياسي الداخلي، وفي مضامين "الديمقراطية الإجرائية " الإسرائيلية، وفي المشهد الأمني. جميع هذه التحولات ساهمت، في خلق مناخ داعم لاستقرار الحكومة. بالإضافة إلى طغيان محور السياسية الخارجية على الداخلية، وانعدام معارضة جدية يمكنها أن تكون بديلا للمشروع السياسي الحالي. وأيضا بسبب الحالة الاقتصادية الممتازة للاقتصاد الإسرائيلي ودعم الجمهور الإسرائيلي لمواقف وسياسات الحكومة.
 
فإذا كانت السياسات الخارجية والاقتصادية من أبرز العوامل التي أدت إلى تفكك ائتلاف نتنياهو في عهده الأول (1996-1999)، نجد أنها تشكل ضمانا مركزيا لاستقرار الحكومة الحالية، وأن محور السياسات الخارجية والأمنية الإستراتيجية يضبط إيقاع الاستقرار السياسي والحزبي. ففي واقع تفرض فيه اعتبارات استراتيجية "وجودية" (من منظار إسرائيلي)، على الاعتبارات السياسية الضيقة، وتعلو التهديدات الأمنية على القضايا اليومية، تُسخر كافة الطاقات لمواجهة المستقبل وتتراجع الاعتبارات الداخلية والحزبية، وتنعكس بصيغة استقرار سياسي حزبي داخلي يدعمه استقرار اقتصادي.
 
الاقتصاد كرافعة للاستقرار السياسي
 
لم يتأثر الاقتصاد الإسرائيلي كثيرا من الأزمة الاقتصادية العالمية. ويعود هذا بالأساس إلى مبنى الاقتصاد الإسرائيلي وتنوعه، وإلى تمدد خارطة التصدير الإسرائيلي، وإلى سياسية تقشف حكومية والحفاظ على حجم عجز منخفض وفائض كبير من العملات الأجنبية (بلغ في العام 2010 قرابة 70 مليار دولار). ساهم الاستقرار والنمو الاقتصادي في الهدوء السياسي الذي تتمتع به حكومة نتنياهو. فعلى سبيل المثال هناك انخفاض مستمر في معدلات البطالة، لم يشهده الاقتصاد الإسرائيلي منذ التسعينيات.وهناك ارتفاع متواصل بمستوى المشاركة بقوى العمل. وشهد الناتج المحلي للفرد الواحد ارتفاعا ملحوظا في السنوات الأخيرة، ليدخل إسرائيل إلى نادي الدول المتطورة بوصوله نحو 94,000 شيكل في العام 2009.
 
هناك فرق كبير في وضع الاقتصاد بين ولاية نتنياهو الأولى والفترة الحالية. وإذا كان الفرق الأول في وجهة المؤشرات الاقتصادية، فإن الفرق الثاني يكمن في توزيع النمو. فقد اتسمت الولاية الاولى لنتنياهو بتغير كبير في السياسات الاقتصادية، اللبرلة والخصخصة وتراجع دولة الرفاه وتغيرات في مبنى ومركبات الاقتصاد الإسرائيلي، مما فرض دفع ثمن اقتصادي من قبل الشرائح المتوسطة والفقيرة. أما الفترة الحالة فتتسم بكون النمو والتطور الاقتصادي يتوزع بشكل أوسع (وليس بالضرورة بصورة عادلة) على شرائح المجتمع الإسرائيلي (اليهودي) ويشمل بلدات الضواحي والشرائح الاجتماعية المهمشة في إسرائيل (باستثناء الفلسطينيين في الداخل). والأهم أن هذا النمو والاستقرار غير مشروط بعملية تفاوض، حتى ولو وهمية.
 
النمو والتطور الاقتصاديين خفف من معارضة النخب الاقتصادية التي عارضت نتنياهو في ولايته الأولى، ويرضي معظم شرائح المجتمع الإسرائيلي، ويُمكن من الاستجابة للمطالب الشركاء في الائتلاف الحكومي (في ميزانية العام 2011 خصصت الحكومة 500 مليون شيكل لمطالب عينية للشركاء في الائتلاف).
 
توقف عملية التفاوض مع الفلسطينيين، خارج المعادلات السياسية
 
 على عكس الولاية الاولى، هناك تماثل بين مواقف المجتمع السياسية وسياسات الحكومة. مراجعة مواقف الجمهور الإسرائيلي قبيل الانتخابات العامة في العام 2009 توضح مدى التوافق بين السياسات لحكومة ومواقف المجتمع. فعلى سبيل المثال بين استطلاع أجراه "المركز الإسرائيلي لدراسة أنماط التصويت" أن قرابة 52% من المستطلعين يرفضون "إرجاع أراض مقابل السلام"، وفقط 8% يوافقون على ذلك بكل تأكيد. وأن 53% يعارضون إقامة دولة فلسطينية حتى لو كانت وفق الشروط الإسرائيلية؛ 41% يعارضون إخلاء المستوطنات؛ 43% يوافقون على إخلاء قسم من المستوطنات لأسباب أمنية وإبقاء كتل استيطانية كبيرة، وفقط 8% يوافقون على إخلاء كافة المستوطنات. أي أن المجتمع الإسرائيلي تراجع عن مواقفه من بدايات التسعينيات التي وفرت فسحة أمل لعملية التفاوض، وبات يعارض إرجاع الحقوق، حتى ولو الجزئية وبالشروط الإسرائيلية، للشعب الفلسطيني.
 
تغيرت إسرائيل كثيرا منذ الانتخابات الأخيرة. ولم تكن نتائج الانتخابات وفوز اليمين الإسرائيلي بأغلبية مقاعد الكنيست السبب لهذا التحول، بل كان نتيجة تحولات عميقة مرت على المجتمع الإسرائيلي منذ بداية الألفية الثالثة. بات المجتمع الإسرائيلي يقبل بشكل جلي قيم وطرح أحزاب اليمين، بات مجتمعا خائفا اكثر من أي وقت مضى، بات حاقدا على المحيط العربي وعلى المواطن العربي، ويتبنى نظريات الحائط الحديدي. فقد بين مؤشر الديمقراطية للعام 2010 أن المجتمع اليهودي بعيد كل البعد عن تأييد واستبطان مفاهيم الديمقراطية. إذ يوافق 53% من الجمهور اليهودي على قيام الحكومة بتشجيع هجرة المواطنين الفلسطينيين (71% من اليهود المهاجرون مقابل 50% من اليهود القدامى). 70% من اليهود يعارضون إشراك أحزاب عربية في الائتلاف الحكومي؛ 86% يوافقون على أن تتخذ القرارات المصيرية لدولة إسرائيل بأغلبية يهودية.
 
 وقد عبر 55% عن موافقته للمقولة "وضع إسرائيل سيكون أفضل بكثير في حال عدم الاكتراث بقواعد الديمقراطية والتشديد على حفظ القانون والنظام العام". وقال قرابة 40% إن النظام الديمقراطي لا يناسب حالة إسرائيل بسبب أوضاعها الأمنية، ومن الأفضل أن يكون هناك نظام يهتم أقل بمواقف الجمهور".
 
أي أن السياسيات الحكومية الحالية تتوافق مع مواقف المجتمع الإسرائيلي. وإذا كان هناك من يعتقد أن الحكومة الحالية لا تعكس رغبة الإسرائيليين في التوصل إلى اتفاقيات، يكتشف أن واقع الحال مغاير تماما، وأن المجتمع الإسرائيلي يخطو بخطى ثابتة نحو مجتمع ونظام فاشي يتمتع بثراء اقتصادي ومستوى معيشة مرتفع يعفيه من دفع أي ضرائب في المواقف السياسية أو الأمنية-الإستراتيجية. كل هذه العوامل تحصن موقف ومكانة الحكومة أمام الضغوطات الدولية، وأمام ما تبقى من مطالب داخلية متواضعة أو خارجية خجولة لإحياء المسارات السياسية.
 
______________
 
المقال  جزء من تقرير أوسع نشر في مجلة الدراسات الفلسطينية مجلد 22، عدد 85 (شتاء 2011) 

التعليقات