30/04/2011 - 11:19

عن الحرب النفسيّة والثورة الأطلسيّة../ زهير أندراوس

أولاً وقبل كل شيء، لا بدّ من التنويه، لا بل الاعتذار، الاعتذار من الشعب السوريّ الأبيّ: قبل أسبوعين نشرت مقالاً بالعربيّة وترجمته حرفيًا إلى اللغة العبريّة، ونُشر في صحف عديدة ومواقع لم أحصيها، دافعت فيه عن النظام السوريّ باستماتةٍ، وسوّغت هذا الدفاع بأنّ سوريّة، هي آخر معقل للقوميّة العربيّة، وأنّ الغرب الإمبرياليّ والصهيونيّة الاستعماريّة والرجعيّة العربيّة يشاركون في استهداف هذا البلد العربيّ، الذي بقي صامدًا على الرغم من المؤامرات التي حيكت ضدّه

عن الحرب النفسيّة والثورة الأطلسيّة../ زهير أندراوس
 
 
1.     أولاً وقبل كل شيء، لا بدّ من التنويه، لا بل الاعتذار، الاعتذار من الشعب السوريّ الأبيّ: قبل أسبوعين نشرت مقالاً بالعربيّة وترجمته حرفيًا إلى اللغة العبريّة، ونُشر في صحف عديدة ومواقع لم أحصيها، دافعت فيه عن النظام السوريّ باستماتةٍ، وسوّغت هذا الدفاع بأنّ سوريّة، هي آخر معقل للقوميّة العربيّة، وأنّ الغرب الإمبرياليّ والصهيونيّة الاستعماريّة والرجعيّة العربيّة يشاركون في استهداف هذا البلد العربيّ، الذي بقي صامدًا على الرغم من المؤامرات التي حيكت ضدّه، ولكن اليوم، أجد لزامًا على نفسي أنْ أقول وبفم مليء إنّ الاعتراف بالذنب فضيلة، فقبل أنْ أكون قوميًا عربيًا، أنا إنسان، وقبل أنْ أكون منحازًا لألام وآمال أمتّي العربيّة المجيدة، أنا بشر من لحم ودم، وقيّمي التي تربّيت عليها لا تسمح ليّ بأيّ حالٍ من الأحوال أنْ أُعلن دعمي لنظامٍ ، أيّ نظامٍ، عندما يُوجّه هذا النظام سلاحه ودباباته لقتل أبناء شعبه، وهم إخوتي الذين لم تلدهم أمّي. واستمرار تبريري لممارسات النظام السوريّ في قمع الحريّات وسفك دماء الأبرياء، هي وصمة عار في جبيني، وخطيئة مميتة لا تُغتفر، مضافًا إلى ذلك، فإنّ مواصلة مسلسل التبريرات يقود الإنسان، أيّ إنسان، نحو الفاشيّة، وأنا كابن للأمّة العربيّة وللشعب العربيّ الفلسطينيّ، وقبل ذلك كإنسان ولده رب العالمين، أرفض التعصب والتشنج والتزمت، وبطبيعة الحال، أرفض الفاشية فكرًا وممارسةً، وبالتالي لا يُمكن أنْ أسمح لنفسي بتأليه الزعيم وتبرير أفعاله المشينة، مهما كانت الأسباب، دخول الدبابات إلى درعا السوريّة، كان بالنسبة ليّ، القشة التي قصمت ظهر البعير، وعليه أقول بصراحةٍ أكثر من متناهيةٍ: لا تنفع الأعذار، النظام السوريّ يرتكب المجازر، ومن واجبنا الإنسانيّ والأخلاقيّ والقوميّ، نحن أبناء هذه الأمّة، إدانة هذه الأعمال بكل العبارات والمصطلحات التي يعج بها قاموس لغة الضاد.
 
***
 
2.     بعد الموجة الأولى من الاحتجاجات السلميّة في سوريّة، أصدر الرئيس، بشّار الأسد، مرسومًا رئاسيًا، أعلن فيه عن إلغاء قانون الطوارئ في البلاد، ولا نسوق هذا الكلام لكي نفحص في ما إذا تمّ تطبيق المرسوم أمْ لا، بل لكي نُذكّر الإسرائيليين، قيادةً وشعبًا، بأنّ سوريّة الرجعيّة والديكتاتوريّة، سبقت إسرائيل "الديمقراطيّة" في هذا السياق، ذلك أنّ قانون الطوارئ ما زال معمولاً به في إسرائيل، والكثير من القوانين التي كانت سارية إبان الانتداب البريطاني في فلسطين ما زالت تُستعمل للالتفاف على القوانين التي سنّها الكنيست الإسرائيليّ، وبالمناسبة، فإنّ جميع هذه القوانين تُستخدم لقمع العرب في البلاد ومصادرة حريّاتهم وسلب أراضيهم والعبث بمقدساتهم تحت مسميات مختلفة وذرائع تتصدرها النظريّة الأمنيّة. وأكثر من ذلك، قبل 12 عامًا قدّمت جمعية حقوق المواطن في إسرائيل التماسًا إلى المحكمة العليا لإلغاء قوانين الطوارئ الانتدابيّة، ولكن حتى اليوم لن تُكلّف المحكمة نفسها عناء النظر في هذا الالتماس، وينتابنا الشعور بأنّ صمت الرأي العالم الإسرائيليّ، أو قُل معظمه على هذه القضيّة، نابع في ما هو نابع من أنّ القوانين الانتدابيّة مفصلّة وفق مقاييس العرب في هذه الديار، والسؤال الذي يُطرح في هذه العجالة: كيف يمكن لدولةٍ أنّ تدّعي بأنّها الديمقراطيّة الوحيدة في صحراء الديكتاتوريات العربيّة، وتتناسى في الوقت نفسه قوانين الطوارئ التي تبعد عن الديمقراطيّة ألف سنة ضوئية وتُستعمل في دول العالم الثالث المتخلفّة؟ ونرى أنّ هذا هو المقام للتذكير بأنّ الدولة العبريّة فرضت الحكم العسكريّ على عرب الداخل منذ إقامتها في العام 1948 وحتى العام 1966، وبحسب مؤرخيهم، فإنّ من يُطلقون عليه مؤسس إسرائيل، دافيد بن غوريون، وهو الذي رفض حمل بطاقة الهوية الزرقاء لأنّها تحتوي على كلمات بالعربيّة، رفض إلغاء الحكم العسكريّ، ولو لم يتسلم ليفي إشكول منصب رئاسة الوزراء مكانه، لكان الحكم العسكريّ استمر لسنوات طويلة، كما أنّ هذا هو المكان للتذكير بأنّ الأمم المتحدّة ضغطت على إسرائيل لإلغائه، وهو الذي دفع أول رئيس للدولة، حاييم فايتسمان، إلى إطلاق مقولته الشهيرة بأنّ العالم سيحكم علينا بحسب تعاملنا مع الأقليّات في إسرائيل. ولا غضاضة بالتذكير بأنّ موشيه دايان، قال في جامعة حيفا، عام 1968، ردًا على سؤال لأحد الطلاب بالقول: إذا أردت أنْ تبحث عن العدل، فلن تجد إسرائيل، وإذا أردت أنْ تبحث عن إسرائيل، فلن تجد العدل.
 
***
 
3.     في إطار الحرب النفسيّة التي تخوضها إسرائيل ضدّ سوريّة على خلفية الأحداث الأخيرة، تقوم وسائل الإعلام العبريّة بنشر "تحليلات" لمستشرقين، أوْ بالأحرى "مستعربين"، فعلى سبيل الذكر لا الحصر، "تكشف" صحيفة (يديعوت أحرونوت) في عددها الصادر يوم الـ26 من نيسان (أبريل) الجاري عن أنّ صنّاع القرار في تل أبيب يخشون من سقوط الأسد، وأشار إليكس فيشمان، المرتبط بالأجهزة الأمنيّة، والذي اعتمد على مصادر وصفها بالرفيعة، إلى أن المؤسسة الإسرائيلية تتعاطف مع عائلة الأسد التي التزمت طوال السنين بتعهداتها، وحتى أنها تحدثت عن سلام مع إسرائيل بشروطهم، وهنا يجب تحذير القارئ العربيّ من هذه "الفذلكة" الإسرائيليّة، لأنّ الهدف من دسّ هذه الأخبار الملفقة، والتي نميل إلى الترجيح بأنّه تمّ طبخها في غرف الأمن المغلقة، هو تأليب الرأي العام العربيّ، وتحديدًا السوريّ، ضدّ الرئيس الأسد ونظام الحكم في دمشق، ونرى أنّ هذه فرصة ذهبيّة لكي نطلب من العربيّ أنْ لا يأخذ على محمل الجد أخبارًا من هذا القبيل، إنّما عليه أنْ يتابعها بعينٍ ثاقبةٍ، لأنّ الحرب لا تقتصر على ميادين القتال فقط، وفي زمن العولمة وتحوّل العالم إلى قريةٍ كونيةٍ صغيرةٍ بات الإعلام سيفًا حادًا. أمّا قمة التناقض في الأخبار الإسرائيليّة فكان الخبر الذي نشرته (يديعوت أحرونوت) يوم الأحد الـ25 من الشهر الجاري، حيث قالت في عنوانها الرئيسيّ إنّ تل أبيب تخشى سقوط الأسد، ولكنّها في الوقت ذاته تخاف من بقائه، ولا نعرف ما هو الفرق بين الخشية والخوف، اللهم إذا قامت المصادر التي أخرجت وأنتجت الخبر بتفسيره لنا.
 
***
 
4.الوضع في ليبيا يسير من سيئ إلى الأسوأ، لا نعرف من يقاتل من، ولا نعلم من يُمثّل من؟ أعضاء المجلس الانتقالي، الذين يتخذون من مدينة بنغازي المحررة من الطاغية معمر القذافي، والذين خدموا النظام الاستبداديّ على مدار عقود من الزمن، وسكتوا عن جرائمه البشعة، باتوا الآن في المعسكر الأخر، وبين الفينة والأخرى، يطل علينا اللواء عبد الفتاح يونس، قائد الجيش الليبيّ الوطنيّ، ويرغي ويزبد ويعتب على حلف الناتو، الذي لم يُقدّم المساعدة للثوار، وكأنّ صواريخ (كروز) الأمريكيّة التي قصفت ليبيا وقتلت العشرات من الأبرياء ليست كافية. قلناها، وها نحن نعيدها مرّة أخرى، ما يجري في ليبيا هو حرب أهليّة بين معسكرين، لا يهمهما عدد القتلى أوْ الشهداء، هدفهما الإمساك بالسلطة، وعلى الرغم من اجتهادنا لا نفهم ولا يمكننا أنْ نتفهم ثورة، إذا جاز التعبير، تستعين بحلفٍ مؤلفٍ من أكثر من 40 دولة؟ بطبيعة الحال، لا نؤيد هذا الطرف ولا نرفض الطرف الثاني، ما ينير طريقنا هو أولئك الشرفاء من أهلنا في ليبيا الذين يعملون على حقن دماء الأبرياء، فلا يُعقل أنْ تحارب طاغية تحت رايات حلف شمال الأطلسيّ، الذي كان أحد الأسباب الرئيسيّة في تخلّف العرب خلال عقود طويلة من الزمن.

التعليقات