04/05/2011 - 11:58

تساؤلات حول المصالحة الفلسطينية../ ماجد كيالي

يجب أن يدرك الفلسطينيون بأن هذه المصالحة ليست بديلا من إعادة بناء الحركة الفلسطينية لذاتها، على أسس ديمقراطية ومؤسسية وتمثيلية ونضالية، وعلى أساس استعادة هذه الحركة وضعها كحركة تحرر وطني

تساؤلات حول المصالحة الفلسطينية../ ماجد كيالي
أخيرا تم التوافق بين الحركتين الرئيستين "فتح" و"حماس"، المهيمنتين على المجالين السياسي والمجتمعي للفلسطينيين، على وضع حد للانقسام، العبثي والمجاني والمضر، في النظام السياسي الفلسطيني، بدءا من تشكيل حكومة واحدة للسلطة في الضفة والقطاع، وصولا لإعادة بناء منظمة التحرير.
 
بداية لابد من التأكيد على أهمية هذه الخطوة فهي، إن استكملت، يمكن أن تضع حدا للنزيف في الجسم الفلسطيني، وتعيد الصدقية لكفاح الفلسطينيين ولعدالة قضيتهم، وتتيح تركيز الجهود على مواجهة تحديات السياسة الإسرائيلية، وتسهّل على الفلسطينيين مواكبة مناخات الثورات الشعبية العربية.
 
مع ذلك ثمة مشروعية لطرح عديد من الأسئلة، حتى لا يتمّ إعادة إنتاج الماضي، المتمثل بالاختلاف والاقتتال والانقسام (على سلطة تحت الاحتلال)، الذي أجهد شعب فلسطين، وأضعف قضيته، وشوّه حركته الوطنية، فمن المسؤول عن كل ما جرى؟ وكيف ابتلعت بلحظة اتهامات التخوين والتكفير والتبعية؟ وكيف يمكن أخذ العبر من التجربة المريرة الماضية؟
 
وحتى لا تأخذنا اللحظة، من المفيد لنا أن ندرك بأن ما جرى، على أهميته، هو مجرد مصالحة محدودة بين فصيلين، وأن هذا لا يكفي وحده للحؤول دون تكرار تجربة الاقتتال والانقسام، لأن ذلك يتطلب أساساً الاعتراف بالتعددية، واحترام الرأي الآخر، وقبول المختلف، وترسيخ التوافق على حل الخلافات بوسائل الحوار والأساليب الديمقراطية، وفي الأطر المؤسسية الشرعية والتمثيلية، ولاسيما الاتجاه نحو حسم القضايا الخلافية عبر الاحتكام لإرادة الشعب في صناديق الاستفتاء والاقتراع.
 
أيضا، فإن ما جرى لا يكفي وحده لا بالنسبة لتجديد المشروع الوطني الفلسطيني وإنقاذه من حالي الضياع والتمزق، ولا لتعزيز وحدة الشعب الفلسطيني من حول مصيره المشترك، في الخطابات والبنى والوسائل، ولا لمواجهة التحديات الإسرائيلية في هذه المرحلة. لماذا؟ لأن الطرفين المعنيين لم يذهبا نحو المصالحة إدراكا منهما لمدى التدهور الحاصل في بنية الحركة الوطنية الفلسطينية، ولا وعيا منهما لانسداد مشاريعهما في المفاوضة أو في المقاومة، وإنما تحت ضغط الظروف الموضوعية، المتشكّلة بنتيجة المناخات التي فتحتها الثورات الشعبية العربية، بما فيها الاصطفافات الجديدة الناشئة، أو التي يمكن أن تنشأ عنها، في المجال العربي.
 
ومن مراجعة نص "المصالحة" الذي تم التوقيع عليه في القاهرة بين ممثلي حركتي "حماس" (موسى أبو مرزوق) و"فتح" (عزام الأحمد)، يمكن ملاحظة أن ثمة مشروعية لكل المخاوف المذكورة.
 
مثلا، فقد توافقت هاتان الحركتان على شراكتهما في الهيمنة على النظام السياسي الفلسطيني (السلطة والمنظمة)، فتشكيلة الحكومة يجب أن تخضع لموافقتهما معا، أي أن المستقلين الذين سيشكّلون الحكومة الفلسطينية المقبلة، ينبغي أن يتم تنسيبهما وفق معايير "فتح" و"حماس"، لا وفق معايير الكفاية الشخصية والاعتبارات الوطنية وسمات النزاهة المسلكية. وهذا ينطبق على تشكيلة لجنة الانتخابات المركزية، التي ستعدّ للانتخابات المقبلة (الرئاسية والتشريعية)، وعلى الشخصيات التي ستنضوي في عضوية المحكمة الانتخابية، كما على اللجنة التي ستناقش إعادة هيكلة منظمة التحرير والمجلس الوطني (والتي بحسب الاتفاق سيترأسها الرئيس محمود عباس، وستضم أعضاء من الحركتين وأعضاء من اللجنة التنفيذية للمنظمة ورئيس المجلس الوطني وبعض المستقلين!).
 
فوق ذلك فإن الأجهزة الأمنية لن يجري حلها، أو إعادة هيكلتها، وإنما سيجري توحيدها، ما يعني إبقاء الوضع الميليشيوي للفصيلين الكبيرين على حاله، من دون أي صلة بإعادة ترشيد الأجهزة الأمنية، لاسيما لجهة تقليص عددها، وتحديد دورها (إذ يصعب فصلها في الوضع الفلسطيني عن التجاذبات السياسية).
 
ما الذي يعنيه ذلك؟ هذا يعني أن "فتح" و"حماس" توافقتا على تكريس وتشريع هيمنتهما على الساحة الفلسطينية، بالاستناد إلى مكانتهما في السلطة، والقوة العسكرية والإمكانات المالية التي تملكانها، وتحتكرانها، من دون سائر القوى الفلسطينية الأخرى.
 
وهذا يعني، أيضا، أن الاتفاق المذكور يلحظ إيجاد نوع من الشراكة، أو التقاسم الوظيفي بين الفصيلين الكبيرين والمهيمنين، بعيدا عن التمثيلات الشعبية المتشكّلة في الساحة الفلسطينية، وهي تمثيلات لم تعد تخضع للخريطة الفصائلية التي تآكلت واستهلكت وأفل دورها (في عمليتي البناء ومواجهة العدو). ومعلوم أن الحراكات الشعبية والشبابية الفلسطينية الصاعدة والناشطة، قبل الثورات الشعبية العربية وبعده، باتت تشكل تهديدا للنظام السياسي الفصائلي المتسيّد منذ عقود عدة.
 
ويخشى أن هذا التوافق يتوخّى، في ما يتوخّاه، الحؤول دون تطور هذه الحالة، أي الحد من تطور المجتمع المدني الفلسطيني، ومن تنامي الحركات الشبابية، وهما مساران صاعدان، على الضد من المصالح الضيقة للكيانات الفصائلية الفلسطينية، وبالأخص منها "فتح" و"حماس"؛ اللتين أبدتا، أكثر من مرة، تبرّمهما من الحركات الشبابية المستقلة، بل وقمعهما لها.
 
معلوم أن الثورات الشعبية العربية بينت أن الأحزاب السلطوية، وضمنها الأحزاب الراديكالية التي تصل إلى السلطة، تفقد بعد فترة من الزمن الكثير من حيويتها، وأهليتها، وصدقيتها، ما يؤدي إلى تراجع دورها، وبالتالي انحسار مكانتها الشعبية والتمثيلية في المجتمع، ما يدفعها إلى الانحراف نحو ترسيخ شرعيتها من الإقناع والتمثيل، إلى وسائل الهيمنة، بوسائل العصا والجزرة؛ عبر نسج علاقات قائمة على الإكراه بالقوة المباشرة أو الإكراه بوسائل العلاقات الزبائنية والخدمية التي تقدمها، من مكانتها في السلطة.
 
وبديهي أن ذلك يفيد، أيضا، بأن الوضع الفلسطيني ليس بمنأى عن هذا الاستخلاص، وأن "فتح" و"حماس"، على مكانتيهما، ليستا قدرا أبديا للشعب الفلسطيني.
 
هكذا فإن هذه المصالحة ينبغي أن تكون خطوة أولى، لها ما بعدها، وأن لا تكون بمثابة تقاسم وظيفي، وفقط، بين الفصيلين المعنيين، لتكريس هيمنتهما على المجالين المجتمعي والسياسي للفلسطينيين.
 
وأخيرا يجب أن يدرك الفلسطينيون بأن هذه المصالحة ليست بديلا من إعادة بناء الحركة الفلسطينية لذاتها، على أسس ديمقراطية ومؤسسية وتمثيلية ونضالية، وعلى أساس استعادة هذه الحركة وضعها كحركة تحرر وطني.

التعليقات