15/05/2011 - 10:29

عن المعنى العربي لنكبة الفلسطينيين../ ماجد كيالي

النكبة بالنسبة للفلسطينيين هي واقع معاش ومستمر، تتمثّل أمامهم في كل لحظة، في يقظتهم وفي أحلامهم، من المهد إلى اللحد، أي في طفولتهم وشبابهم وشيخوختهم، فهم أسرى هذه النكبة، والتداعيات الناجمة عنها

عن المعنى العربي لنكبة الفلسطينيين../ ماجد كيالي
ليس ثمة هواية عند الفلسطيني لإحياء ذكرى النكبة، أو الكارثة، التي حلّت بوطنه وشعبه، بحقوقه وهويته، وبحاضره ومستقبله، في كل عام، ومنذ أكثر من ستة عقود من الزمن، وبالتأكيد ليس لديه، أيضا، عقدة نفسية، «مازوشية» أو غير ذلك، تجعله يستمرئ جلد ذاته أو تعذيبها.
 
النكبة بالنسبة للفلسطينيين هي واقع معاش ومستمر، تتمثّل أمامهم في كل لحظة، في يقظتهم وفي أحلامهم، من المهد إلى اللحد، أي في طفولتهم وشبابهم وشيخوختهم، فهم أسرى هذه النكبة، والتداعيات الناجمة عنها.
 
كل شيء يُشعر الفلسطيني بأنه يعيش النكبة، وأن النكبة تعيش معه، في هويته الناقصة، أو المشوّهة، في حرمانه من الوطن ومن الحقوق، في التعامل معه باعتباره مجرد ملف في وزارات الداخلية، وفي أقبية المخابرات العربية، أو باعتباره مجرد زائدة دودية، أو فائضاً بشرياً، ينبغي التخلص منه! وفي كل يوم يشعر الفلسطيني انه مهدد بين حدود وحدود، أو بين خيمة وأخرى. مثال ذلك ما حصل لبضعة ألوف من فلسطينيي العراق، الذين لم يجدوا من يحميهم أو من يستقبلهم، في ربوع الوطن العربي، وبين ظهراني الأمة العربية، فذهبوا إلى بلاد الهند والسند وأميركا اللاتينية! خذ مثلا فلسطينيي لبنان الذين يعانون الأمرين في مخيمات، أو أقفاص، الذل والبؤس والشقاء، ومع ذلك فقد ضاق بعض اللبنانيين ذرعا بهذا الفلسطيني الراضخ لمصيره في تلك المخيمات، فأصبح ثمة فلسطينيون لاجئين، من مخيمات تل الزعتر وضبية وصبرا وشاتيلا ونهر البارد!
 
بديهي أن إسرائيل هي التي تتحمل مسؤولية نكبة الفلسطينيين، فهي التي قامت على خرائبهم، واغتصبت وطنهم، وشردت مئات الألوف منهم، وهي التي حرمتهم من ممتلكاتهم وهويتهم وحقهم في التطور المستقل.
 
لكن ماذا بعد ذلك؟ ثمة رواية أخرى، أو مكملة، للنكبة. فمسؤولية إسرائيل عما أحاق بالفلسطينيين من ويلات ونكبات وكوارث، أريد لها أن تحجب نصف الكأس الأخر المتعلق بمسؤولية النظام الرسمي العربي عن نكبة الفلسطينيين. فمنذ البداية فرض هذا النظام وصايته على قضية فلسطين وشعبها، وهو ليس فقط لم يساعد، أو لم يدعم، كفاح شعب فلسطين ضد العصابات الصهيونية (قبل النكبة) وإنما هو لم يسمح، أيضا، بتبلور حركة وطنية تؤطّر نضال شعب فلسطين حينها.
 
الأنكى أن النظام الرسمي العربي عمد بعد النكبة إلى وأد المشاريع الكيانية للشعب الفلسطيني في الأجزاء التي لم تقع تحت أيدي العصابات الصهيونية. ففي حين فرضت مصر (زمن الملك فاروق) سيطرتها على قطاع غزة، قام النظام الأردني بضم الضفة الغربية إلى الأردن. وبين هذا وذاك أجهض النظام الرسمي العربي المشروع الكياني الأول للشعب الفلسطيني، المتمثل بحكومة عموم فلسطين. ليس هذا فحسب، بل إن هذا النظام العربي حال دون تمكين جامعة الدول العربية من منح اللاجئين هوية فلسطينية (قامت بإعدادها حكومة عموم فلسطين).
 
وقد كان النظام العربي من الهوان، وامتهان الفلسطينيين، درجة ترك المساعدات الإنسانية، المعاشية، للفلسطينيين للأمم المتحدة، التي أقامت «الهيئة العام لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين»، وكأن العرب، حكومات ومجتمعات، عاجزون عن تقديم بعض المؤونة لهؤلاء اللاجئين، لبعض الوقت! صحيح أن هذه الهيئة باتت علامة من علامات اللجوء الفلسطيني، ولكن الصحيح أيضا أن قيامها أخلى مسؤولية المنظمة الدولية من اعتبار قضية اللاجئين قضية سياسية، واخرج اللاجئين من نطاق الحماية الدولية.
 
على كل فإن النظام العربي لم يعدم وسيلة لاستغلال مأساة اللاجئين، والتلاعب بقضيتهم، وتوظيفها، في الأغراض السياسية، وفي التجاذبات بين البلدان العربية. هكذا عمد هذا النظام إلى خلق نوع من التمييز بين القضية وأصحابها، أو بين القضية وضحاياها، إذ في حين يدّعي التمسك بهذه القضية والدفاع عنها، واعتبارها بمثابة قضية مركزية، أو مقدسة، يقوم بامتهان الضحايا، إلى درجة إنكاره عليهم حق العيش كآدميين، بدعوى أن ذلك قد ينسيهم قضيتهم، أو يصرفهم عن الكفاح من اجل عودتهم (وبالأصح المغادرة لأرض الله الواسعة)! أيضا، ثمة هنا مفارقة صارخة في التعامل مع الفلسطيني، العربي، باعتباره لاجئا، في وقت يجري فيه الادعاء بأننا جميعا ننتمي إلى الأمة العربية.
 
لم يغيّر ظهور المقاومة، فيما بعد، صورة الفلسطينيين، لأن كل ذلك لم يغيّر من واقع النكبة شيئا، لاسيما أن الحركة الوطنية الفلسطينية، التي حققت منجزات كثيرة في بداياتها، عادت وانكفأت، وباتت بدورها نظاما مثل سواه من الأنظمة، بل إنها تحولت إلى مجرد سلطة تحت الاحتلال، بعد أن اختزلت مشروعها بمجرد دولة في الضفة والقطاع.
 
طبعاً، ثمة صورة أخرى مغايرة للفلسطينيين، فهؤلاء، رغم النكبة التي أحاقت بهم، استطاعوا تنمية هويتهم الوطنية، وفرض ذاتهم في كثير من المجالات، في الأدب والفنون، وفي التعليم، وفي مختلف المهن، بكدهم وحسن اجتهادهم، وبأملهم بمستقبل أفضل.
 
الآن، ومع هذا الوهج المشعّ من الثورات الشعبية العربية، يتطلع الفلسطينيون إلى انتهاء حقبة ظالمة من هذا النظام العربي الذي نكّل بهم، وامتهنهم، ونكبهم (فوق ما نكبتهم إسرائيل بقيامها في وطنهم)، مثلما نكّل بمواطنيه.
 
والآن، مع بشائر الحرية والكرامة والعدالة، التي تهلّ على العالم العربي، يأمل الفلسطينيون ببعض الإنصاف، بالتخفيف من نكبتهم، ووضع حد لما لاقوه من معاناة في ظل النظام العربي التسلطي، آملين أن يتحقق لهم في العهد الجديد بعض من الحرية والكرامة والعدالة، باعتبارهم آدميين، عدا عن كونهم جزءاً من هذه الأمة.

التعليقات