25/05/2011 - 09:17

استحقاق مفروض قبل ما قبل خطاب أوباما../ علي جرادات

حتى قبل خطابه الاستدراكي غير القابل للتأويل أمام منظمة "إيباك"، فإن أوباما في خطابه في مقر الخارجية الأمريكية لم يقل بإقامة دولة فلسطينية "على حدود 1967"، بل قال بقيامها "ضمن" و"على أساس" هذه الحدود. وهذا في الواقع والجوهر لا يحمل جديداً في مواقف الرجل، التي لا تعبر عن آرائه الشخصية، بل، تعبر عن سياسة إدارته للبيت الأبيض، التي تعكس بدورها المصالح الإستراتيجية للولايات المتحدة، كدولة عظمى، أثبت تاريخ تعاطيها الواقعي لعقود مع الصراع العربي الإسرائيلي، وجوهره القضية الفلسطينية، أنها ليست غير محايدة فقط، بل هي حليف استراتيجي استثنائي ثابت لا يتزعزع لإسرائيل وخططها لتصفية القضية الفلسطينية أيضاً، ما يضعها في خانة طرف معادٍ للشعب الفلسطيني وقضيته العادلة ونضاله الوطني الدفاعي وحقوقه الوطنية المشروعة، على الأقل وفقاً لقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة بالصراع

استحقاق مفروض قبل ما قبل خطاب أوباما../ علي جرادات
حتى قبل خطابه الاستدراكي غير القابل للتأويل أمام منظمة "إيباك"، فإن أوباما في خطابه في مقر الخارجية الأمريكية لم يقل بإقامة دولة فلسطينية "على حدود 1967"، بل قال بقيامها "ضمن" و"على أساس" هذه الحدود. وهذا في الواقع والجوهر لا يحمل جديداً في مواقف الرجل، التي لا تعبر عن آرائه الشخصية، بل، تعبر عن سياسة إدارته للبيت الأبيض، التي تعكس بدورها المصالح الإستراتيجية للولايات المتحدة، كدولة عظمى، أثبت تاريخ تعاطيها الواقعي لعقود مع الصراع العربي الإسرائيلي، وجوهره القضية الفلسطينية، أنها ليست غير محايدة فقط، بل هي حليف استراتيجي استثنائي ثابت لا يتزعزع لإسرائيل وخططها لتصفية القضية الفلسطينية أيضاً، ما يضعها في خانة طرف معادٍ للشعب الفلسطيني وقضيته العادلة ونضاله الوطني الدفاعي وحقوقه الوطنية المشروعة، على الأقل وفقاً لقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة بالصراع.
 
وشواهد الواقع هنا أكثر من أن تحصى، وبات تكرار سردها مضيعة للوقت، ليس إلا. وبالتالي، فإن عقبات إيجاد تسوية سياسية تلبي الحد الأدنى من الحقوق الوطنية الفلسطينية، لا تكمن فقط في مواقف نتنياهو وائتلافه الحكومي، المُعبِّر عن تطرف إسرائيلي يتنامى باطراد مرعب في المجتمع قبل السياسة، بل إن هذه العقبات إنما تكمن أيضاً وأساساً في مواقف السياسة الأمريكية الداعمة لهذا التطرف، الذي وصل حدَّ اختزال الحقوق الوطنية والتاريخية الفلسطينية في مُسَمَّى دولة، هي في الواقع والجوهر حكم إداري ذاتي لفلسطينيي غزة والضفة دون القدس عملياً، يعترف بإسرائيل "دولة لليهود"، وتنتهي به مطالب الفلسطينيين، وتجري مقايضته بجوهر قضيتهم، أي حق اللاجئين في استعادة أرضهم والعودة إليها.
 
   عليه، فإن خطاب أوباما في مقر الخارجية الأمريكية، ناهيك عن استدراكاته أمام منظمة "إيباك"، والذي لم يحمل سمة المبادرة السياسية أصلا، إنما جاء باستهداف سياسي أساسي، يتمثل في مواصلة صلْبِ الفلسطينيين في خيار التفاوض الثنائي، (العبثي المٌجَرّب)، تحت الرعاية الأمريكية، الذي كان قد وصل إلى طريق مسدود في أيار 1999، تاريخ انتهاء المرحلة الانتقالية في اتفاق أوسلو، بل، ولم تفضِ جولات التفاوض بعد هذا التاريخ إلى نتيجة مغايرة، اللهم إلا إلى المزيد من الصلف الإسرائيلي بدعم أمريكي، وبالتالي إلى المزيد من الحاجة الفلسطينية إلى انتهاج خيار بديل، يكف عن الرهان على الرعاية الأمريكية، ويدعو إلى عقد مؤتمر دولي كامل الصلاحيات، تحضره كافة الأطراف المعنية بالصراع، تحت رعاية هيئة الأمم ومرجعية قراراتها، المطلوب إلزام إسرائيل بتنفيذها، وليس التفاوض عليها.
 
   أجل، لقد أصبح هذا الخيار البديل استحقاقاً سياسياً مفروضاً على الفلسطينيين، على الأقل منذ عقد ويزيد، ولم يأتِ خطاب أوباما إلا ليضيف برهانا جديداً على ملحاحية انتهاج هذا الخيار، الذي جاءت الانجازات العظيمة لانتفاضات الشعوب العربية وانعكاساتها الإيجابية على القضية الفلسطينية، وفي مصر تحديداً، لتجعل انتهاجه كخيار فلسطيني استراتيجي، أمرا واقعيا وممكناً. وهذا ما يفسر الاستهداف الأساسي الثاني لخطاب أوباما، والمتمثل في محاولة محاصرة التأثيرات الإيجابية للحراك الشعبي العربي على القضية الفلسطينية، ومنع وصولها حدَّ إنهاء احتكار رعاية الولايات المتحدة لملف الصراع، مع شاهد زور يسمى "الرباعية الدولية".
 
 
   هذان هما الاستهدافان الأساسيان الاستراتيجيان لخطاب أوباما، وفي إطارهما، وبما يخدم وظيفتهما السياسية، هنالك استهدافان تكتيكيان آخران، هما:
 
1: محاولة ثني قيادة منظمة التحرير الفلسطينية عن خطوة الذهاب إلى هيئة الأمم في شهر أيلول القادم، رغم أن هذه الخطوة ما زالت خطوة تكتيكية، ولم ترتقِ إلى مصاف الخيار الاستراتيجي الذي يقطع مع خيار القبول بالرعاية الأمريكية بصورة كلية.
 
2: محاولة إجهاض الاتفاق الأولي للمصالحة الوطنية بين حركتي "فتح" و"حماس"، ومنع تنفيذه إلا بما يستجيب للشروط الأمريكية الإسرائيلية، التي حملت زورا اسم "شروط الرباعية الدولية"، بما ينطوي عليه ذلك من محاولة لمنع تحويل هذا الاتفاق إلى اتفاق سياسي يضع حداً لأخطر حلقة من حلقات الانقسامات الفلسطينية الداخلية، ويفضي إلى منع تكرارها.
 
   هنا، وإزاء هذه الاستهدافات الجلية الواضحة، الإستراتيجي منها والتكتيكي، يغدو من الطبيعي، بل من البدهي، أن يتصدى الفلسطينيون موحدين لهذه الاستهدافات عبر:
 
1: ألا يشكل خطاب أوباما في مقر الخارجية الأمريكية، وما يقال عن نقاط ايجابية فيه، كذبها خطابه الاستدراكي أمام منظمة "إيباك"، ملهاة سياسية لشل الإرادة السياسية الفلسطينية عن المضي قدماً في تنفيذ اتفاق المصالحة الوطنية، بل، إن هذا الخطاب، وما عكسه من عداء سياسي أمريكي قديم جديد تجاه القضية الفلسطينية، ناهيك عن صلف السياسة الإسرائيلية، الرافضة لتسوية الصراع خارج شروطها التصفوية التعجيزية، يجب أن يدفع كافة أطراف السياسة الفلسطينية، إلى تطوير اتفاق المصالحة الوطنية إلى اتفاق سياسي على برنامج الحد الأدنى المشترك، بما يفتح الباب أمام إعادة نَظْمِ الشعب الفلسطيني في الوطن والشتات في إستراتيجية وطنية سياسية وكفاحية وتنظيمية ديمقراطية موحدة، في إطار منظمة التحرير الفلسطينية، كممثل شرعي وحيد للشعب الفلسطيني حيثما تواجد، نص اتفاق المصالحة على إعادة بنائها وتوحيدها وتفعيلها، بمدخل عقد انتخابات لمجلس وطني جديد في الوطن والشتات، ووفقاً لمبدأ التمثيل النسبي الكامل، حيثما أمكن، وبالتوافق حيثما تعذر.
 

2: ألا يشكل ما قيل عن نقاط ايجابية في خطاب أوباما في مقر الخارجية الأمريكية، مدخلاً للتراجع عن الخطوة التكتيكية، المتمثلة في الذهاب إلى هيئة الأمم في أيلول القادم، بل، إن هذا الخطاب، وخاصة بعد الخطاب الاستدراكي أمام منظمة "إيباك"، ناهيك صلف نتنياهو وائتلافه الحكومي، الذي يصفه بعض الإسرائيليين بالتطرف الجنوني غير المسبوق، يستدعي تطوير هذه الخطوة الفلسطينية التكتيكية، بحيث تصبح إستراتيجية سياسية تضع حداً لرهان عقدين على الرعاية الأمريكية، واستبدالها برعاية هيئة الأمم إطاراً ومرجعية، مطلوب إلزام إسرائيل بتنفيذ قراراتها ذات الصلة بالصراع، لا التفاوض معها عليها، باعتبار أنها لا تمثل سوى الحد الأدنى من الحقوق الوطنية الفلسطينية المغتصبة. فانتهاج هذا الخيار البديل للرعاية الأمريكية، كان ضرورة لا مفر منها، واستحقاقاً مفروضاً، ليس فقط بعد خطاب أوباما، بل قبل، وقبل ما قبل هذا الخطاب. وفي إنجازات الحراك الشعبي العربي وانعكاساته الإيجابية على القضية الفلسطينية، التي تجلت، بشكل أولي، في اتفاق المصالحة الوطنية، وهبة الذكرى 63 للنكبة، ما يدعو للقول: إن انتهاج هذا الخيار بات واقعيا وممكناً، ويجب الذهاب صوبه دون تهيب.                                                                                      

التعليقات