08/06/2011 - 09:24

وتتواصل المجازر الإسرائيلية../ علي جرادات

... ما حدا حتى بمائير داغان، الرئيس السابق اللامع لـ"الموساد"، إلى التحذير من عواقب مكر التاريخ جراء تمادي نتنياهو وباراك وظنهما أن القوة العسكرية الإسرائيلية بلا حدود، وأن بمقدورها الصمود إلى ما لا نهاية، بمعزل عن تحولات واقع المنطقة التي، (كأي منطقة في العالم)، لا تعرف ثباتا مطلقا

وتتواصل المجازر الإسرائيلية../ علي جرادات
بمعزل عن الاختلاف النسبي القائم بين بلد عربي وآخر، وبصرف النظر عن تعرجات المسار الإجمالي للحراك الشعبي العربي، الذي تخضع حصيلته النهائية لصراع محتدم، ما زال دائراً بين قوى التغيير الشعبية والقوى المضادة للثورة، داخليا وخارجيا، فإن الجوهري في هذا الحراك إنما يتمثل في أن الشعوب العربية كسرت حاجز الخوف، ولم تعد مجرد "رعية" يقودها "سلطان" مستبد تلتف حوله حاشية، هي مهما اتسعت تبقى ضيقة ومنتفعة وفاسدة، تجاوز التاريخ والعصر طرائقها البائدة في الحكم وَنيْلِ الشرعية. وبهذا أصبحت الشعوب العربية، (بتدرج وتراكم مبَشِّرين)، لاعبا يُحسب حسابه في السياسة، قومياً ووطنيا وديمقراطياً. وهذا ما كان له، (حتى في المرحلة الانتقالية)، تأثيراته الإيجابية، المباشرة وغير المباشرة، على القضية الفلسطينية.
 
   ومن التأثيرات غير المباشرة، كان السماح المفاجئ وغير المعهود منذ عقود لشبيبة فلسطين وجماهيرها الشعبية في الشتات بالوصول إلى تخوم فلسطين، وممارسة الحق الطبيعي في التظاهر والمطالبة بحق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم التي شردوا منها، وهذا ما حصل في الذكرى 63 للنكبة والذكرى 44 لهزيمة حزيران 1967، أي أن وصول فلسطينيي الشتات إلى تخوم فلسطين كان في المحصلة النهائية ثمرة من ثمار الحراك الشعبي العربي عموماً، وفي بلدان الطوق المتاخمة لفلسطين تحديدا، حتى، وإن كان في ذلك مصلحة آنية لهذا النظام أو ذاك، لهذه الجهة أو تلك، كمصلحة أظنها، وليس كل الظن إثما، قائمة، ولا يحتاج استنتاجها، وتحديد دوافعها، إلى كثير ذكاء، فقد باتت جلية حتى لرجل الشارع العادي، بل، وحتى لمن لا يعرف من السياسة سوى اسمها.
 
   لكن، في كل الأحوال والظروف، فإنه لمن فقدان الاتجاه وإضاعة البوصلة عدم رؤية، وعدم التركيز على ما استنتجته القيادة الإسرائيلية، بمستوييها السياسي والعسكري، من الحراك الشعبي العربي، وتأثيراته الايجابية، بما فيها غير المباشرة، على مجمل الصراع، وجوهره القضية الفلسطينية.
 
 وفي هذا السياق، فإن نتنياهو وفي أول تعقيب له على بدايات الحراك الشعبي العربي قال: "إسرائيل لا يمكنها لضمان مستقبلها سوى أن تنحو نحو بناء المزيد من عوامل القوة"، فيما عزز وزير الدفاع الإسرائيلي، ايهود باراك، هذا الموقف بالقول: "إسرائيل تتوقع الحصول على مساعدات أمنية أخرى من الولايات المتحدة بحجم 20 مليار دولار بسبب الأحداث الأخيرة في العالم العربي"، أما بيني غانتس، الرئيس الجديد لهيئة أركان الجيش الإسرائيلي، فقد صرح بذات الموقف، إنما بلغته العسكرية، أمام لجنة الخارجية والأمن للكنيست، حيث قال: "إن ثمة لاعباً مركزيا جديداً في الشرق الأوسط هو الشارع، ومن الواضح لنا أننا ربما سنواجه تظاهرات شعبية واسعة تحظى بتأييد هذا الشارع". ولعل هذا الاستنتاج الإسرائيلي، بشقيه السياسي والعسكري، إنما يعود في جذوره إلى خيار استراتيجي ثابت، لم يتغير في جوهره، منذ نشأة دولة إسرائيل وحتى اليوم، وهو ذات الخيار الذي كان قد كثفه موشي ديان بعد انتصار جيشه الباهر في حرب حزيران 1967، حيث خاطب الجمهور الإسرائيلي قائلاً: "علينا أن نتذكر دائماً أنه كان هنالك على هذه الأرض أناس يزرعون ويحصدون ويمارسون حياتهم، أخرجناهم منها، وأقمنا عليها دولتنا، بالقوة، وعلينا أن نحافظ عليها بالقوة".
 
   وهذا ما يشير بجلاء إلى أن لاءات نتنياهو أمام الكونغرس الأمريكي لم تكن فقط مجرد برهان جديد، إنما واضح جداً، على أن النظام السياسي الإسرائيلي تأسس، ولا يزال، على احتراف الحروب ورفْضِ التسويات السياسية، اللهم إلا إذا جاءت على مقاس اشتراطاته وإملاءاته، بل، إن هذه اللاءات كانت أيضا بمثابة رد سياسي ذي انعكاسات ميدانية على التحولات الشعبية العربية، وتأثيراتها الإيجابية على الصراع، وجوهره القضية الفلسطينية. 
            
   عليه، فإن المجزرة الجديدة التي ارتكبها الجيش الإسرائيلي بحق شباب وشابات فلسطين على تخوم الجولان السوري المحتل في الذكرى 44 لهزيمة حزيران 1967، ناهيك عن مجزرتي مارون الرأس والجولان في الذكرى 63 للنكبة، لم تكن مجرد تعامل ميداني مع تظاهرة شبابية سلمية، بل كانت ترجمة ميدانية لقرار سياسي مبيت، اتخذه رأس الهرم السياسي الإسرائيلي، وتشكل حلقة جديدة في مسلسل جرائم الحرب الإسرائيلية الموصوفة، التي اعتاد قادة إسرائيل على ارتكابها، كرد سياسي ثابت على سؤالهم الموجع والدائم والمفتوح والحارق: ما العمل مع الشعب العربي الفلسطيني الذي ظل متشبثاً بحقوقه الوطنية والتاريخية المغتصبة، ولم يكف يوماً عن النضال الدفاعي المشروع من أجل استعادتها، حيث لم تستطع 63 عاماً من الحروب وعمليات التطهير العرقي المبيتة والمخططة على إلغائه من الجغرافيا والتاريخ والسياسة؟؟!!
 
   وكذا، فإن هذا المسلسل الطويل من الجرائم، إنما يبرهن على عدم تزحزح قادة إسرائيل عن خيارهم السياسي الحربي الثابت في التعامل مع الصراع، وذلك بمعزل عن تحولات الواقع، وآخرها تحولات الحراك الشعبي العربي وتأثيراته الايجابية على القضية الفلسطينية، التي أفضت فيما أفضت إلى بداية توالد خيار سياسي جديد للرد على الصلف الإسرائيلي الذي يزداد عنجهية، خيار قدحت شراراته الأولى شبيبة فلسطينية ناشئة هضمت التاريخ النضالي المجيد لشعبها، وتقدمت الصفوف لإشعال سهل حالة شعبية واسعة قابلة للانفجار، شبيبة بدأت خطوات مشوارها المتراكمة بمسيرات 15 آذار تحت شعار "الشعب يريد إنهاء الإنقسام"، وأثنت بهبة الذكرى 63 للنكبة في الوطن والشتات، وأعقبتها بما وقع في الذكرى 44 لهزيمة حزيران 1967، وأظن أن هذا الحراك الشعبي الفلسطيني بقيادة حركات شبابية ناشئة سيتواصل، وإن بأشكال فعلٍ مختلفة، بما يسمح باستنتاج أن هنالك ناشئاً فلسطينياً يؤسس لإعادة تأصيل المجابهة السياسية والميدانية مع الإسرائيليين، ناشئاً تغذيه التأثيرات الإيجابية للحراك الشعبي العربي المتواصل، وتشحنه تربته الخصبة، المتمثلة في الصلف الإسرائيلي المتنامي مجتمعيا وسياسيا وقياديا، كصلف يتشبث بخيار معالجة التحديات الناشئة بالقوة، ولا يتعلق بشخص أو بائتلاف حكومي، بل يتعلق ببنية نظام سياسي وقيادي متطرف، رهن وجود مجتمعه بهذه البنية، ناهيك عن ما سببته هذه البنية، ولا تزال، من ويلات لشعوب المنطقة عموماً، وللشعب الفلسطيني تحديداً.  
   
   لكن، هذه الويلات، وآخرها المجزرة الجريمة في الجولان، لم تكن لتكون لولا ضمان قادة إسرائيل عدم الرد الموجع، بل، واطمئنانهم إلى عدم خضوعهم، (كما العادة)، للملاحقة والعقاب أمام المحاكم الدولية، بوصفهم مجرمي حرب محميين من الدولة العظمى، أمريكا، المتحكمة بقرارات هيئة الأمم المتحدة ومؤسساتها، التي نص قرار اعترافها بدولة إسرائيل على حدود محددة، بل، وجاء مشروطاً بتنفيذ القرار الدولي 194، الخاص بعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم التي شردوا منها، لكن هيئة الأمم، ومن خلفها المجتمع الدولي، عجزت عن إلزام إسرائيل بمحددات قرارها، بل، وما زالت عاجزة، (رغم مرور 63 عاماً)، حتى عن محاسبة قادة إسرائيل على تصرفاتهم القائمة على اعتبار دولتهم دولة فوق القانون، ما حدا حتى بمائير داغان، الرئيس السابق اللامع لـ"الموساد"، إلى التحذير من عواقب مكر التاريخ جراء تمادي نتنياهو وباراك وظنهما أن القوة العسكرية الإسرائيلية بلا حدود، وأن بمقدورها الصمود إلى ما لا نهاية، بمعزل عن تحولات واقع المنطقة التي، (كأي منطقة في العالم)، لا تعرف ثباتا مطلقا.      

التعليقات