12/06/2011 - 11:51

الانتفاضة السلمية طريق الدولة../ هاني عوكل

أنسب حل للخروج من المأزق الحالي، هو الإصرار الفلسطيني على التوجه إلى الأمم المتحدة، مع العمل الاستباقي للذهاب في خريف أيلول المقبل، نقول العمل في ثلاثة أطر، الأول والأهم هو توحيد الصف الفلسطيني على رؤية واحدة، والإطار الثاني توحيد الخطاب والقرار والموقف الفلسطيني، وبذل جهود دبلوماسية لفضح إسرائيل وتأكيد أحقية الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وقيام دولته

الانتفاضة السلمية طريق الدولة../ هاني عوكل
المبادرة الفرنسية، مضمونها والهدف منها؟ هذا سؤال يدور في أذهان الكثيرين منا، خصوصاً في هذه الأوقات وفي ظل الحراك النشط على المستوى الدولي، لمواجهة أي تحرك فلسطيني ناحية الأمم المتحدة لطلب الموافقة على قيام دولة فلسطينية مستقلة قابلة للحياة.
 
فبين الربيع العربي والشتاء المقبل، تكمن خطورة خريف أيلول، ذلك أن إسرائيل ما تنفك تسعى بكل جهد من أجل إسقاط حق التوجه الفلسطيني إلى الأمم المتحدة، والعدوى هذه انتقلت إلى الولايات المتحدة التي تسعى كل الوقت أيضاً، لمحاربة التحركات الفلسطينية الدبلوماسية على هذا الجانب.
 
فرنسا إذاً تدخل على خط الجمود في العملية السياسية ربما لعدة أهداف، وينبغي في هذا الإطار افتراض حسن وسوء النوايا في ذات الوقت، خصوصاً وأن موضوع المبادرة طرح بعد الخطاب المقلق الذي ألقاه الرئيس الأميركي باراك أوباما للعالم العربي وأمام الإيباك.
 
لا حاجة لنا للدخول في موقف أوباما الذي تكرر كثيراً، ولا يحمل في طياته سوى تبادل الأدوار مع إسرائيل بما يؤكد قوة ومتانة العلاقة وعدم الاختلاف بين الطرفين، المهم هنا الحديث عن المبادرة الفرنسية التي تقدم حلاً عاجلاً لإعادة إنتاج المفاوضات تجمع طرفي الصراع الفلسطيني والإسرائيلي.
 
المبادرة الفرنسية تنص على استئناف المفاوضات والاتفاق على حدود عام 1967، مع تبادل أراضٍ متفق عليها بين الطرفين، ويشمل ذلك اعتراف الفلسطينيين بإسرائيل دولة قومية للشعب اليهودي، وعدم اتخاذ إجراءات أحادية الجانب من قبل أي طرف، وتقديم ضمانات أمنية لكلا الطرفين إذا ما وافقتا على المبادرة.
 
بين حسن النوايا وسوئها يمكن تفسير طرح المبادرة في الآتي: أولاً، ربما أرادت فرنسا أن تلعب دوراً ريادياً على الصعيد الأوروبي في تقديم النصائح والمبادرات، أو أنها تسعى لتقديم موقف بديل عن الموقف الأميركي، يكون حيادياً ومنسجماً مع مواقف الأطراف المتصارعة، وقد تكون فرنسا التقطت الانزعاج الأميركي من احتمال ذهاب الفلسطينيين إلى الأمم المتحدة في أيلول المقبل، وبالتالي الهدف من المبادرة العودة إلى المفاوضات والالتفاف على الاستحقاق الأيلولي، ومن ثم إجهاض قيام الدولة.
 
ربما أيضاً كان الهدف من طرح المبادرة محاولة خبيثة لإذكاء الخلاف الفلسطيني الداخلي بصدد إعادة المفاوضات، خصوصاً في ظل تنامي أصوات تطالب بتأجيل حمل الدولة إلى الأمم المتحدة، مقابل أصوات تؤكد على أحقية الذهاب إلى المرجعية الدولية في ظل جمود العملية السلمية.
 
الرئيس عباس وافق على المبادرة من حيث المبدأ، لإحراج إسرائيل وحسناً فعل ذلك، لكن إسرائيل لن ترضى عن الولايات المتحدة بديلاً، فمنذ اتفاق أوسلو، وواشنطن هي الطرف الأساسي الذي يحتكر العملية السياسية ويوجهها كما يريد، في ظل اختراع ما يسمى بالرباعية الدولية التي تشكل رديفاً لسياسة الفشل وحصد خيبات الأمل والتحرك لمجرد التحرك.
 
كل المبادرات والمؤتمرات المتعلقة بالمفاوضات الفلسطينية- الإسرائيلية كانت تستهدف نقطتين، الأولى أن نجاح المؤتمر يكمن في التفاوض، على أن يقوم على فكرة إدارة الصراع، حتى أن مؤتمر آنابوليس الخريفي عام 2007، جسد هاتين النقطتين.
 
لقد عقد آنابوليس برعاية الولايات المتحدة الأميركية، لضمان إعادة إحياء المفاوضات، وكان نجاحه بنظر وزيرة الخارجية آنذاك كونداليزا رايس أنه لمجرد عودة المفاوضين إلى طاولة المفاوضات، فإن ذلك يشكل مكسباً للولايات المتحدة وإسرائيل ونجاحاً للمؤتمر.
 
والحقيقة أن الولايات المتحدة وفرنسا والرباعية نفسها، جميعهم يدركون أن مفاوضات بناءً على ثوابت معينة لا تحقق البرنامج الإسرائيلي، هي ليست مفاوضات، وبالتالي يكون كل الهدف منصباً على أن التفاوض بين الطرفين هو أساس الحل، وهنا تكمن العقدة في المنشار.
 
"طيب" لماذا ترفض الولايات المتحدة المبادرة الفرنسية، مع أن مضمونها يجسد خطاب أوباما في الشهر الماضي؟ بالتأكيد ترغب الإدارة الأميركية الاستفراد بالملف الفلسطيني- الإسرائيلي، وأنها المحتكر الأول والأخير لهذا الملف، وربما لأن إسرائيل بعثت رسائل للوزيرة كلينتون، تقول فيها إن تل أبيب لا تقبل بالدور الفرنسي.
 
نتنياهو في كل الأحوال وضع شروطه لقبول التفاوض مع الطرف الفلسطيني، من ضمنها أن تعترف "حماس" بشروط الرباعية الدولية من أجل إعادة إحياء المفاوضات. طبعاً لا يمكن إغفال ما يسمى بثوابت إسرائيل ضد عودة اللاجئين، وضد دولة فلسطينية (فتية) على حدود العام 1967، وضد تقسيم القدس.
 
إن الولايات المتحدة وإسرائيل لا تستطيعان إنتاج مؤتمرات أو مبادرات تقوم على إعطاء حلول، لأن إسرائيل ترفض الحل المتوازن، وإلا كانت وافقت على مفاوضات أدت في نهاياتها إلى إنجاز الدولة الفلسطينية، ولذلك يبقى عنوان الحل عندهما هو مفاوضات عبثية تقوم على إدارة الصراع.
 
في هذا الإطار، من المهم استدراك أن عامل القوة الفلسطيني يؤثر بطبيعة الحال على إسرائيل، ويدفع باتجاه قبولها للمواقف الفلسطينية الثابتة، فلا يمكن الحصول على المطالب الفلسطينية بالمفاوضات والتمنيات، وبالاحتساب على جهة فلانية دون أخرى.
 
إن أهم عامل تحدي وتصدي للاحتلال الإسرائيلي وفاشيته، يكمن أولاً بالوحدة الفلسطينية الحقيقية وبإذابة كل الخلافات الداخلية، وثانياً عبر حشد الطاقات الفلسطينية وإطلاق فعاليات مستمرة ومنظمة، سلمية وتستهدف فضح الاحتلال، ولتكن على سبيل المثال مسيرات أسبوعية حاشدة تندد بالسياسات الإسرائيلية العنصرية.
 
إن العمل الجماهيري المنظم له أساليبه المؤثرة، وإسرائيل التي تمتلك فائضاً في القوة العسكرية، يمكنها في أي وقت استخدام هذا الفائض ضد الشعب الفلسطيني، لكن من الحكمة استخدام وسائل نضالية بأقل الأثمان، لأن الدخول في مقاومة مسلحة له تبعاته أيضاً على الشأن الفلسطيني.
 
الحقيقة أن أنسب حل للخروج من المأزق الحالي، هو الإصرار الفلسطيني على التوجه إلى الأمم المتحدة، مع العمل الاستباقي للذهاب في خريف أيلول المقبل، نقول العمل في ثلاثة أطر، الأول والأهم هو توحيد الصف الفلسطيني على رؤية واحدة، والإطار الثاني توحيد الخطاب والقرار والموقف الفلسطيني، وبذل جهود دبلوماسية لفضح إسرائيل وتأكيد أحقية الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وقيام دولته.
 
الإطار الثالث يتعلق بضرورة استخدام القوة الناعمة، المتصلة بإطلاق مسيرات وتظاهرات سلمية كبيرة وحاشدة، تؤكد على الطبيعة العدوانية للاحتلال، وتطالب برحيله وبأهمية قيام الدولة الفلسطينية، ومثل هذه التحركات مفيدة وتلحق الضرر بسمعة إسرائيل، كما أنها تؤثر على المزاج الدولي، خصوصاً إذا دعمت جميع الفصائل الفلسطينية هذه المظاهرات.

التعليقات