30/06/2011 - 12:32

منازعات فتح وحماس ومصالح الشعب الفلسطيني../ ماجد كيالي

بعد أربعة أعوام من الاختلاف والتنازع والانقسام، وبرغم المناشدات والضغوطات والمظاهرات الشعبية، وتوقيع العديد من الاتفاقات (من مكة إلى القاهرة مرورا باليمن)، فإن "فتح" و"حماس" لم تفلحا، بعد، في التوصّل إلى توافق ناجز بينهما، ولو بما يتعلق باسم الرئيس المقبل للحكومة الفلسطينية

منازعات فتح وحماس ومصالح الشعب الفلسطيني../ ماجد كيالي
بعد أربعة أعوام من الاختلاف والتنازع والانقسام، وبرغم المناشدات والضغوطات والمظاهرات الشعبية، وتوقيع العديد من الاتفاقات (من مكة إلى القاهرة مرورا باليمن)، فإن "فتح" و"حماس" لم تفلحا، بعد، في التوصّل إلى توافق ناجز بينهما، ولو بما يتعلق باسم الرئيس المقبل للحكومة الفلسطينية.
 
هذا يعني أن ثمة مشروعية في التخوّف من الاتفاق الذي تم التوقيع عليه مؤخّرا (في القاهرة)، بين الفصيلين المعنيين، لأسباب عديدة، أهمها، أن هذا الاتفاق، الذي فاجأ الجميع، لم يأت نتيجة قناعة الطرفين بأهمية إعادة الوحدة للكيان الفلسطيني، كضرورة لدرء المخاطر التي تواجه قضية فلسطين وشعبها، بقدر ما جاء كنتيجة للتداعيات الناجمة عن الثورات، والتغيرات، في البيئة السياسية العربية. أيضا، ومنذ البداية فقد كان واضحا أن فتح وحماس كانتا تتوخّيا من هذا الاتفاق التجاوب مع الضغوطات الخارجية والداخلية، ولكن، فقط، في حدود إقامة نوع من شراكة بينهما، على إدارة الكيان الفلسطيني، مع محافظة كل منهما على امتيازاته، ومكانته السلطوية، في الإقليم الذي يسيطر عليه؛ وهذا يشمل الأجهزة الأمنية، والموارد المالية، والمرجعية السياسية. وعدا عن هذا وذاك، فإن التوافق الحاصل، بين فتح وحماس، بدا بمثابة اتفاق على إدارة مرحلة انتقالية، وليس أكثر، قوامها الإعداد للانتخابات (الرئاسية والتشريعية) التالية؛ من دون أية ضمانات، أو توافقات، منهما بشأن عدم تكرار التجربة الحاصلة بعد الانتخابات التشريعية السابقة (2006).
 
أما لجهة التفاصيل، فقد كان من المتوقع اختلاف "فتح" و"حماس" من حول شخصية رئيس الحكومة المقبلة، تماما مثلما لن يكون ثمة مفاجأة في الاختلاف لاحقا (حتى لو تم تشكيل الحكومة) حول شرعية الأجهزة الأمنية، أو حول إعادة هيكلتها، أو حتى على مرجعيتها. كما سيكون من المتوقع، أيضا، نشوء خلافات أخرى حول الجباية، والموارد المالية الخاصة، المشروعة وغير المشروعة. فضلا عن ذلك فإن الفلسطينيين سيجدون أنفسهم في معمعان خلافات عديدة أخرى من حول شرعية القيادة الفلسطينية المشكّلة، لإدارة المرحلة الانتقالية، وبشأن تشكيلة لجنة الانتخابات المركزية، وتشكيلة اللجنة القضائية التي ستراقب وتحسم في نتائج الانتخابات القادمة؛ هذا ناهيك عن الاختلاف بشأن القضايا السياسية.
 
لماذا كل هذه التوقعات؟ هذه التوقعات ناجمة من أن الحركتين المذكورتين لاتتعاملان مع مسألة انهاء الانقسام من واقع مسؤوليات، كل واحدة منهما، باعتبارها حركة تحرر وطني، بقدر ما تتعاملان مع ذلك من واقع إصرارهما على المحافظة على موقعيهما الهيمني كسلطة، كل في حيّزه الجغرافي. ناحية ثانية تعزّز من هذه التوقعات، ناجمة عن أن هاتين الحركتين لا تعتمدان في مواردهما على الشعب، بقدر اعتمادهما على الموارد المتأتية من الدعم الخارجي؛ مع الأخذ بالاعتبار التوظيفات والمداخلات، والارتباطات السياسية الخارجية، الدولية والإقليمية.
 
ويمكن أن نضيف إلى ما تقدم حيازة هذين الطرفين على موارد مالية وقوى أمنية، تمكنهما من الاستمرار، بمعزل عن دوام الاتفاق من عدمه؛ لاسيما في واقع ضعفت فيه المشاركة الشعبية، وتهمّشت فيه المؤسسات والأطر الشرعية والتمثيلية، ويفتقد لمنظومة العلاقات والسلوكيات الديمقراطية.
 
وإذا أمعنا النظر في القضايا الخلافية، سنجد ببساطة إنها خلافات ليس لها علاقة بالمصالح العليا للشعب الفلسطيني، ولا تمتّ بصلة لأية جهود تبتغي إعادة بناء نظامه السياسي، بما في ذلك إعادة بناء حركته الوطنية.
 
وفي هذا الإطار فمن غير المفهوم حقا إصرار الرئيس محمود عباس، وحركته فتح، على اعتبار سلام فياض مرشحا وحيدا لرئاسة الحكومة المقبلة، كما من غير المقبول معارضة حركة حماس المطلقة لهذا الترشيح. وإذا كان من حق الرئيس تكليف الشخصية التي يريد فمن حق شركائه الآخرين قبول ذلك أو رفضه. القصد أن الزمن الفلسطيني لن يتوقف عند فياض، ولا عند عباس ومشعل، كما انه لم يتوقف عند من سبقهما من القادة (وضمنهم الزعيم الراحل ياسر عرفات)، ولا عند من يأتي بعدهما، أيضا. فضلا عن ذلك يجب أن تعي حركة "فتح" أنها لم تعد حقا تمتلك احتكار القرار، ولا حق التصرف لوحدها بتقرير مستقبل الشعب الفلسطيني، فقد بات ثمة حركة اخرى تشاركها، او تنازعها ذلك؛ الأمر الذي يبدو أن قيادة فتح لم تهضمه تماما بعد.
 
نعم من حق أبو مازن، في ظروف ضعف الكيان الفلسطيني، واعتماديته المطلقة على الخارج، في المجالين السياسي والمالي (حيث ثمة 180 ألف موظف في السلطة)، البحث عن شخصية لا تستفزّ الدول الراعية لعملية السلام، ولا تغضب الدول المانحة، مع ذلك فإن هذه الوضعية لا تبيح له التمترس عند شخصية معينة، مهما كانت، فثمة شخصيات أخرى، غير سلام فياض، تتمتع بهذه المواصفات، أيضا، وتلقى قبولا من حركة حماس، في آن معا.
 
كذلك يحق لحركة "حماس"، بوصفها تمثل الكتلة الأكبر في المجلس التشريعي، أن تسمي رئيس الحكومة، لكن ما يجب أن تدركه هي أيضا، أن هذه المكانة لا تبيح لها أخذ الوضع الفلسطيني بحسب ما تريد، فضلا عن أن هذه المكانة، كما اثبتت التجربة، لا تفيد حتى في إقلاع الحكومة، ولا في تأمين مقومات استمرارها، ولا في رفع الحصار عن قطاع غزة، والمضي بمخططات اعماره.
 
الآن، أمام الفلسطينيين عدة احتمالات، فإما المضي باتفاق المصالحة، وتنفيذ متطلبات المرحلة الانتقالية، ما يفترض، بداية، الإقلاع عن تقاليد التخاطب أو الحوار، عبر الفضائيات، أو عبر قنوات ديبلوماسية وكيلة، وتعوّد الجلوس إلى طاولة حوار مشتركة، لإيجاد حلول وسط لنقاط الاختلاف؛ إذ من المعيب، والمؤسف، حقا، أن يتواجد كل من الرئيس الفلسطيني محمود عباس، ورئيس حركة حماس خالد مشعل، في  مكان ما (كما حصل قبل أيام في أنقرة)، ولا يجلسان سويا للتحاور وتبادل الرأي في الهموم المشتركة. وإما أن الأمر بات يتطلب دعوة لجنة القيادة الفلسطينية (التي تم التوافق في اجتماع القاهرة على كونها قيادة للمرحلة الانتقالية، بحسب الورقة المصرية) للاجتماع، لإمعان البحث في كيفية عبور المرحلة الانتقالية، والتداول بالأسماء الممكنة لترؤس الحكومة.
 
نعم لقد حان وقت الحسم، ووقت المبادرة إلى الأفعال، لاسيما أن أوضاع الفلسطينيين باتت غاية في الرثاثة، على مختلف الأصعدة، إن على الصعيد الداخلي، أو على صعيد مواجهة سياسات إسرائيل، فيما أولي الأمر لا يأبهون تماما لهذه الأوضاع، ولا يعدون العدة لتجاوزها. فمن الجلي أن الفلسطينيين لا يستطيعون، وأوضاعهم على هذه الدرجة من الاختلاف والانقسام والتدهور، خوض معركة جلب الاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية (ما يسمى استحقاق ايلول/سبتمبر)، ولا مواجهة سياسات إسرائيل المتعلقة باستمرار الاحتلال، والأنشطة الاستيطانية، وتهويد القدس، وحصار غزة.
 
إزاء ذلك فإن القيادات المعنية، ولاسيما في فتح وحماس، مطالبة بحسم أمرها، فإما تتتوافق على إيجاد حلول لهذا الاستعصاء المزمن، عبر الحوار المباشر، الثنائي أو الجماعي، أو تذهب نحو تنظيم استفتاء بشأن كيفية تأمين قطوع المرحلة الانتقالية، بما في ذلك الاستفتاء على اسم رئيس الحكومة، وتعيين موعد الانتخابات وتشكيلة اللجان المتعلقة بها.
 
وفوق كل ما تقدم، وبعد كل ما حصل، فإن الفلسطينيين بحاجة، أصلا، إلى انتخابات جديدة، رئاسية وتشريعية، لأن الانتخابات هي وحدها التي بامكانها تعيين موازين القوى عندهم، وتوضيح طبيعة توجهاتهم السياسية. وفضلا عن هذا وذاك، فإن هكذا انتخابات ربما هي التي تمهد لهم الطريق لإعادة بناء نظامهم السياسي، وحركتهم الوطنية، على قواعد مؤسسية وديمقراطية وتمثيلية.
 
لذا وبدلا من تضييع الوقت، وتكبير الخلافات، وتراشق الاتهامات، من الأفضل الإعداد لهذا الاستحقاق (الانتخابي)، في أقرب وقت، والتعامل معه بمسؤولية وطنية.

التعليقات