03/07/2011 - 10:21

"عدالة دولية"!../ عبد اللطيف مهنا

خير ما يعبر عن كنه ما تدعى "العدالة الدولية"، المكشرة عن أنيابها وأساطيلها هذه الأيام، هو أن المتحدث باسمها شخص من نوعية بان كي مون، الأمين العام الحالي المجدد له للأمم المتحدة. وأن مدعيها العام، الصائل الجائل ملوّحاً بهراوتها الغليظة، من هو على شاكلة القاضي الأرجتنين لويس مورينو أوكامبو. أما شرطيها، المسير للبوارج الباحثة عن مطلوبيها، أو الخارجين عن عدالتها، فهو من طراز المحارب من أجل الحرية الأطلسية الأمين العام لحلف الناتو راسموسن

خير ما يعبر عن كنه ما تدعى "العدالة الدولية"، المكشرة عن أنيابها وأساطيلها هذه الأيام، هو أن المتحدث باسمها شخص من نوعية بان كي مون، الأمين العام الحالي المجدد له للأمم المتحدة. وأن مدعيها العام، الصائل الجائل ملوّحاً بهراوتها الغليظة، من هو على شاكلة القاضي الأرجتنين لويس مورينو أوكامبو. أما شرطيها، المسير للبوارج الباحثة عن مطلوبيها، أو الخارجين عن عدالتها، فهو من طراز المحارب من أجل الحرية الأطلسية الأمين العام لحلف الناتو راسموسن.
 
الأول، وفي آخر ما تفوه به لا فض فوه، هو مطالبة جميع الحكومات المعنية في عالمه الرافل في نعمة عدالته استخدام نفوذها لمنع "أسطول الحرية 2" من البحار إلى غزة المحاصرة لكسر الحصار الإبادي المضروب لسنوات على أكثر من مليون ونصف فلسطيني. والثاني، لا هم له إلا مطاردة ما تيسر له من الحكام العرب تحديداً دون سواهم. بدأ بالبشير وانتهى بالقذافي، ولعله يبحث من الآن عمن سيضمه لاحقاً لقائمته، أو ما سيطلب أولي أمره منه ضمه إليها، أذا ما توفرت فيه مواصفات محددة، من مثل، أنه ممانع أو دائم لمقاومة محتل، أو مشاكس مواجه لغاز أو مهيمن، أو رافض لتبعية، أو كان في يوم سالف من الأيام هو بعض من هولاء، حيث لا ينبغي مسامحته مهما حاول أن يكفّر بسخاء عن ذنوبه تلك لاحقاً، كالقذافي مثلاً...
 
هنا علينا أن نستدرك فنقول، إننا لسنا بصدد الدفاع عن نظام مستبد أو حاكم متسلط، وهذا ليس من شأننا، ولا كان ولن يكون، خصوصاً من نوع نظام "ملك ملوك إفريقيا"، وابنه، وجلاده عبد الله السنوسي، لا سيما وقد مرّت علينا البارحة فحسب ذكرى مذبحة سجن "بو سليم"، حين ذبح الأخير ألفاً ومئاتين وسبعين سجيناً من نزلائه المعارضين، دفعة واحدة وفي أقل من ثلاث ساعات، أو تلك المجزرة المريعة التي لم تجف دماء ضحاياها ودموع ثكالاها وأراملها وأيتامها بعد، والتي هي واحدة من مشعلات فتيل الثورة المحقة ضده، والتي، ومن أسف، تأطلست أو أطلسوها لاحقاً... نحن مع إنزال العقاب الذي يستحقه أي حاكم ارتكب أو يرتكب جريمة بحق مطلق إنسان ممن ابتلوا بحكمه، بل وحتى في حق عنزة في بلاده، لكنما التاريخ القريب قبل البعيد يقول لنا إنه لا عدالة إلا لتلك التي تنزلها الشعوب بمستحقيها وليس عدالة الغزاة والطامعين، أي تلك الانتقائية الموظفة لصالح هولاء وليس لإحقاق حق أو انصافٍ لمظلوم. ولدينا دليلان كارثيا العواقب باهظا الثمن، العراق، والآن ليبيا، ولا ننسى بلاد الأفغان... من هنا أيضاً، ندلف لذكر الثالث، شرطي العدالة الدولية الفاتح راسموسن، الذي وجد في قرار المصانة محكمة عدالته الدولية، وفق ما قاله، ما "عزّز الحملة الجوية على ليبيا"... ما يعني أنه بعد المائة يوم من الغارات التدميرية، التي لا يسلم منها لا النظام، وأحياناً المعارضة، ومعهما ليبيا، يأتي هذا القرار ليحول دون أية احتمالات لحل ممكن من شأنه أن يحقن دماء الليبيين لأي طرف من الطرفين انتسبوا، أي أن المحكمة هنا هي في خدمة الأطلسي...
 
نحن هنا أزاء عدالة زائفة. إنها عدالة الأقوياء وحدهم. القاضي هو الباغي المسيطر المهيمن على قرارات العالم، وعدالته انتقائية متنقلة زماناً ومكماناً، أي وفق المطلوب والمستهدف وفي خدمة موازين القوى الراجحة ووفق معاييرها السياسية فحسب، والتي ليس منها إحقاق لعدالة أو إغاثة لمستغيث... لنضرب مثلين، الأول ما يعرف بمحكمة الحريري، ذات الاتهامات المستبدلة والمتهمين المستبدلين وفق الحاجة، والتي هي جاهزة للاستعمال وللوضع جانباً عند اللزوم ولعامها السابع، والتي صدر قرارها الاتهامي مؤخراً، بعد طول تلويح وتأجيل كأداة للتأثير في الواقع اللبناني متى شاؤوا ذلك... والثاني، في اليمن مثلاً، حيث لم يصل وفد محققي حقوق الإنسان التابع لأمم بان كي مون إلا منذ أيام، اي بعد شهور رهيبة من إراقة دماء اليمنيين بتوزيع عادل على كافة ميادين محافظاته، والذي طفح ليلامس جبالها... ويمكن استحضار مثلاً ثالثاً، وهو ملاحقة الرئيس السوداني لأسباب على رأسها فصل الجنوب السوداني عن الشمال والذي سيتم بعد أيام، واستكمال مخططات تفتيت هذا البلد العربي، طمعاً فيما تكتنزه صحارى دارفور وسواها من ثروات دفينة...
 
ترى أين بان كي مون، وأوكامبو، وراسموسن، من فظائع سجن أبو غريب، من الغارات البشعة على أعراس الأفغان والمدارس الباكستانية، من الهولوكوست المرتكب بحق الفلسطينيين والمستمر منذ أن اخترعوا إسرائيلهم وأقاموها عنوة واغتصاباً في قلب الوطن العربي؟!
 
غدت عدالة لاهاي، أو "العدالة الدولية الغربية" في الوجدان العربي ما يرمز لعدالة زائفة، قاضيها مجرم حرب متنفذ، تعصمه قوته من المسآلة، وضحيته مدان سلفاً لضعفه... عدالة مصممة لحجب مسلسل لجرائم ارتكبها القاضي المجرم وتقع تحت طائلة كافة التوصيفات المدانة من قبل الإنسانية، مسلسل جرائم استعمارية امتد لقرون خلت ويستمر إلى أن تتغيّر موازين القوى في هذا العالم... عالم بان كي مون، وأوكامبو، وراسموسن، لأصحابهم، أوباما، وكامرون، وساركوزي، ومدللهم نتنياهو، وما يتبع أو هذه النسخ المستمرة في التداول لجورج بوش الابن وأسلافه.

التعليقات