24/07/2011 - 10:39

سودان السودانين.. أثقال التركة النيفاشوية (2/3)../ عبد اللطىف مهنا

في مقال سابق عالجنا المسألة السودانية على ضوء احتفالية جوبا الدولية بإعلان انفصال جنوبه عن شماله ومولد دولة جمهورية جنوب السودان. وقلنا إن الذي تحقق من اتفاقية "نيفاشا" للسلام بين طرفي الصراع الشمالي والجنوبي، برعاية غربية، وعناية خاصة من قبل دول الجوار "الإفريقانية" التوجهات، وهو حتى يوم هذا الإعلان المحتفى به لا يعدو تحقيق هذا الانفصال ولا يتعداه. ودللنا على ما ذهبنا إليه بملاحظة أن هذه الاتفاقية قد أورثت هاتين الدولتين، اللتين غدتا الجارتين انفصالياً، ما قد ينوف عن اثنتي عشر مشكلة مؤجلة، كل واحدة منها تكفي لدفع أحد الطرفين للعودة مرة أخرى لامتشاق السلاح في الوقت الذي تتوفر له فيه الفرصة بتغيّر يطرأ في الظروف والمعادلات المحلية والخارجية بجعلها تميل لصالحه

سودان السودانين.. أثقال التركة النيفاشوية (2/3)../ عبد اللطىف مهنا
في مقال سابق عالجنا المسألة السودانية على ضوء احتفالية جوبا الدولية بإعلان انفصال جنوبه عن شماله ومولد دولة جمهورية جنوب السودان. وقلنا إن الذي تحقق من اتفاقية "نيفاشا" للسلام بين طرفي الصراع الشمالي والجنوبي، برعاية غربية، وعناية خاصة من قبل دول الجوار "الإفريقانية" التوجهات، وهو حتى يوم هذا الإعلان المحتفى به لا يعدو تحقيق هذا الانفصال ولا يتعداه. ودللنا على ما ذهبنا إليه بملاحظة أن هذه الاتفاقية قد أورثت هاتين الدولتين، اللتين غدتا الجارتين انفصالياً، ما قد ينوف عن اثنتي عشر مشكلة مؤجلة، كل واحدة منها تكفي لدفع أحد الطرفين للعودة مرة أخرى لامتشاق السلاح في الوقت الذي تتوفر له فيه الفرصة بتغيّر يطرأ في الظروف والمعادلات المحلية والخارجية بجعلها تميل لصالحه.
 
وحيث أن من هذه المشاكل ما هو البسيط وغير المعقد ومن السهل حله لو توفرت النوايا الحسنة، فإن مجرد تأجيلها لا يبشر بوجود مثل هذه النوايا، ويؤكد ما ذهبنا إليه... والآن لنعدد هذه المشاكل العالقة مع سبق اصرار هو  جنوبي أكثر منه شمالي، مارين بها مرور الكرام، وسنجدها الآتي ذكرها:
 
ترسيم الحدود الذي تعثر استكماله بذرائع ومماطلات جنوبية.
مصير منطقة ابيي المختلف على من يجوز له التصويت في استفتاء تقرير الاختيار بين البقاء شمالاً أو الالتحاق بالانفصال جنوباً.
تقسيم عائدات النفط، مشكلة العملة، تركة الديون الخارجية والداخلية التي راكمتها حروب العقود الخمسة، قضية المواطنة والجنسية الناجمة عن تشابك مجتمعي مديد ومعقد.
 التبادل التجاري لدى طرفين تجمعهما مصالح لا يمكن التخلي عنها أو تجاهلها.
 عقدة توزيع مياه النيل، لا سيما بعد تصاعد النفس الإفريقاني السائد في دول الحوض المعترضة على الاتفاقية التاريخية لتوزيعها إبان الحقبة البريطانية مع مصر.
تعثر إتمام مسألة المشورة الشعبية في منطقة جنوب النيل الأزرق، والأخرى في منطقة كردفان، الذي يشهد الآن تمرداً يقوده الجناح الشمالي للحركة الشعبية لتحرير السودان، الفائزة بانجاز انفصال الجنوب والتي غدت الآن الحاكمة له.
التداخل القبلي الحدودي المعقد.
وأخيراً، حقوق الرعي بين القبائل الحدودية المتنقلة والمقيمة.
 
هذا، ويمكن بالإضافة إلى ما تم سرده ذكر أربع إشكاليات أخرى ليست بالهينة وإن سهل حل بعضها، من مثل: العلاقات الدبلوماسية بين دولتي الشمال والجنوب غير الواضحة حتى الآن، والوجود الخارجي الأجنبي المكثف في الجنوب المنفصل، لا سيما الغربي الراعي والإسرائيلي المتغلغل النافذ، والصراعات القبلية التقليدية المعقدة والمزمنة. وكذا مسلسل التمردات المحلية الدموية بين رفاق السلاح، الذي شمل حتى الآن سبع ولايات من ولايات الدولة الوليدة، هذه التي سيقودها جنرالات جمعهم هدف الانفصال عن الشمال سابقاً، ولم توحدهم دولة الاستقلال بعد قيامها راهناً، حيث تقول الإحصائيات إن ضحايا هذه التمردات بلغ أكثر من 2300 قتيل قبيل إعلانها والتي من المرجح تفاقمها في قادم الأيام، وهذه كلها أمور ينميها، بالإضافة إلى عوامل عديدة لا مجال هنا لسردها، الإحساس بالهيمنة الدينكاوية على الدولة المستجدة وتفشي روح الإقصاء للقبائل الأخرى السائدة لدى المهمين. ويغذيها عدم التجانس في جنوب يوجد فيه ما بين ستين إلى مائة لغة وإثنية، والمتعدد الأديان السماوية والوثنية الإفريقية، وفيه كل ما يشكل بيئة خصبة للصراعات القبلية المستدامة، الأمر الذي قد يدعو حكومة جوبا إلى الحرص على إبقاء الشمال بمنزلة العدو كسبب مساعد على الحفاظ على وحدة هذا الجنوب المتصارعة أطرافه للأسباب الموضوعية المذكورة آنفاً.
 
وقد لا يكون في الحرص على وجود قوات دولية واستقدام المزيد منها، حتى بعد الانفصال وإعلان الاستقلال ومباركة الخرطوم أو قبولها وتكيفها معه، إلا ما يعني فشلاً مسبقاً لمأمول الاستقرار فيه مستقبلاً، وانعكاسه بالضرورة على العلاقة بين الطرفين اللذين بدا وكأنهما قد توصلا إلى طلاق بمعروف. وبالمقابل وإضافة لما تقدم، لا يمكن إغفال الصراعات فيما بين الأطراف الشمالية ذات الصلة بالجنوب، أو التي تعد أجنحةً للحركة الانفصالية الجنوبية، والسلطة المركزية في الخرطوم.
 
وإذا كنا في هذه العجالة قد تعرضنا إلى ما خلّفته التركة النيفاشوية بفضل ما دسته فيها  أصابع رعاتها الغربيين وبركة حدب الأشقاء الأفريقانيين من الجيران ذوي المواقف العنصرية التليدة ضد العرب، وهؤلاء نكتفي منهم بالإشارة إلى كل من  كمبالا ونيروبي  ودار السلام ، فإننا نرى لزاماً علينا ٍالعودة مرة أخرى للتأكيد على ما كنا قد أشرنا إليه سابقاً، وهو أنه لم يتحقق من تلك الاتفاقية أو من سلامها بعد إلا انفصال الجنوب عن الشمال ، وإن هذا السلام المأمول سوف يجد نفسه من الآن فصاعداً يجري في حقول ألغامها التي يبدو أن أمكانية تفكيكها في علم الغيب... لنخلص بالتالي إلى سؤال لم نطرحه بعد، وهو، إما وقد أصبح السودان سودانان، فمن منهما الذي هو في غنى عن طليقه ، ومن منهما الذي يصعب  عليه العيش بدون مطلقه ؟!... هذا سيكون موضوع مقالنا القادم.

التعليقات