10/08/2011 - 11:02

خارج الإجماع خارج الاحتجاج../ نبيل أرملي*

لم ينضم الجمهور العربي إلى "الهبة" الاجتماعية في إسرائيل، وفي الغالب لن ينضم، لأسباب عديدة. أهمها إدراكه، الواعي (ولا- واعي)، أنه خارج اللعبة أصلا، خارج الإجماع

خارج الإجماع خارج الاحتجاج../ نبيل أرملي*
تشبيه الحركة الاحتجاجية التي تعصف بالمجتمع الإسرائيلي في الأسابيع الأخيرة، بالثورات العربية من تونس حتى سوريا، فيه ظلم وتجن على الطرفين.
 
البدايات تشابهت؛ غبن اجتماعي ولا مساواة اقتصادية، وطبقة وسطى تنكمش وتئن تحت وطأة الضغوطات الاقتصادية- الاجتماعية، دفعت الجماهير، وعلى رأسها الشباب المتعلم والمثقف، إلى الشوارع لتطالب بالإصلاح والتغيير على مستوى السياسات والأولويات التي تتبناها الحكومات ودوائر صنع القرار.
 
في الحالة العربية، سرعان ما تحول الخطاب لزلزال، عندما أدرك المُحتجون حجم قوتهم فأعادوا لمصطلح "إرادة الشعوب" معناه الحقيقي، وقرروا "قلب الطاولة" على رؤوس المتربعين على العروش، بل وطالبوا بقطع رؤوسهم، حرفيا. الشعوب العربية المُنتفضة ثارت على كل شيء في مجتمعاتها؛ على النظام السياسي، وعلى قواعد اللعبة الاقتصادية وعلى البنى الاجتماعية المُشوهة، على الظلم والقهر والفقر. في الحالة العربية تحول المُحتجون إلى ثوار يطمحون لقيادة مجتمعاتهم نحو الربيع الذي تنعم فيه جميع الدول والشعوب الراقية بالحياة الكريمة وترى في المستقبل أمل.
 
في إسرائيل، ومهما تطورت مطالب المُحتجين، ستبقى الحركة احتجاجية حركة مطلبية. لا أحد من قيادات الحركة يرغب في "قلب الطاولة" على رأس أحد، فقواعد اللعبة الأساسية مقبولة على الجميع، كل ما يريدونه هو تغيير سلم الأولويات، قليلا. لا أحد من المُحتجين يطمح إلى تحويل دولة إسرائيل لدولة جميع مواطنيها، ولا أحد منهم يرى في الديموقراطية الإسرائيلية- اليهودية، مسخا غريبا لم يسبق له مثيل في تاريخ الفكر السياسي الديموقراطي، ولا يصرخ أحد مدافعا عن حقوق العرب، الاقتصادية على الأقل.
 
وعلى الرغم من الطابع "اليساري" الذي توصف به هذه الحركة، مع أنها لم ترفع شعارا سياسيا يساريا واحدا، فقد خلت وثيقة المطالب التي أصدرها المُحتجون من أي بند يتعلق بتحويل الموارد الاقتصادية من المستوطنات إلى داخل الخط الأخضر، أو بتخفيض الإنفاق العسكري، فعند هذه النقطة تفرض "الوحدة الوطنية" كلمتها لُتسكت أي صوت يُغرد خارج السرب.
 
لقد نجحت "الهبة" الاجتماعية في إسرائيل حتى الآن في بعث الحياة في عبارة العدالة الاجتماعية، وسيقاس نجاحها قريبا بمدى قدرتها على فرض مطالبها على صناع القرار السياسي والاقتصادي لتحقيق هذه المطالب. نجاح حركة الاحتجاج في إسرائيل سيعني حل أزمة السكن، وتحسين ظروف التعليم والصحة وتمكين الطبقة الوسطى، اليهودية. تحقيق المطالب، ولو جزئيا، وارد وممكن ومطلوب، وعندها ستخمد الهبة، لنعود إلى الواقع الإسرائيلي المعهود، واقع العنصرية والتمييز تجاه كل ما ليس يهوديا، وكل ما يخدش الإجماع الجماهيري الإسرائيلي.
 
لم ينضم الجمهور العربي إلى "الهبة" الاجتماعية في إسرائيل، وفي الغالب لن ينضم، لأسباب عديدة. أهمها إدراكه، الواعي (ولا- واعي)، أنه خارج اللعبة أصلا، خارج الإجماع. لم، ولن ينضم غالبا، لأنه فقد الثقة بالمجتمع الإسرائيلي الذي سلّم القيادة منذ ثلاثة عقود وأكثر لمن يعتبر العرب قنبلة موقوتة، وطابورا خامسا وخطرا وجوديا، ولا يتوقف عن سن القوانين العنصرية الفاشية صباحا ومساء. لم ينضم لأنه لا يستطيع التماهى مع من يطالبون أيضا بتحسين شروط جنود الاحتياط ورواتب قوات الأمن. لم ينضم لأن الطبقة الوسطى العربية صغيرة جدا وهشة جدا من أن تتبلور لتقود حركة احتجاجية حقيقية. ولكن، وبما أن المفاجأة هي عنوان المرحلة، فقد يُفاجئنا شبابنا العربي بتحرك عفوي، يقوم على أدوات الثورات الجديدة، يبدأ مطلبيا ولا ينتهي هناك.

التعليقات