09/09/2011 - 10:13

"المايوه العربي" والإعلام العبري/ عرين هواري*

خسارة كبرى أن المجتمع العربي وقضاياه ليس مايوه تلبسه فتاة شابة، فلو كان كذلك لحظي بمكانة مرموقة في الإعلام الإسرائيلي، ولتعاملت معه القناة العاشرة باحترام وتقدير، ولخصصت له القناة العاشرة تقريرًا من 12:30 دقيقة، من أثمن أوقات مشاهدها اليهودي.

خسارة كبرى أن المجتمع العربي وقضاياه ليس مايوه تلبسه فتاة شابة، فلو كان كذلك  لحظي بمكانة مرموقة  في الإعلام الإسرائيلي، ولتعاملت معه القناة الثانية باحترام وتقدير، ولخصصت له القناة تقريرًا من 12:30 دقيقة، من أثمن أوقات مشاهدها اليهودي. 

قلّما يحظي ما تسميه المؤسسة الإسرائيلية وأبواقها الإعلامية بالوسط العربي بتقارير تعنى بقضاياه، فالتغطية المستمرة للاحتجاجات الإسرائيلية ضد ارتفاع أسعار السكن والضرائب وإيجار البيوت، لا تشمل القرى والمدن العربية التي نصبت خيامها سنوات قبل خيام روتشلد. فلا هدم بيوتها يستحق التقارير، ولا فقرها أو بؤس بناها  التحتية، ولا هدم العراقيب ودهمش، ولا استشراس العنف في أحيائها يحظى بمكانة عند الإعلام الإسرائيلي. بينما  يحظى المجتمع العربي باهتمام إعلامي به (أو بالاحرى بها) إذا كان الموضوع "جذابًا"، فإذا مسّت ابنة هذا المجتمع التاوبوهات المجتمعية، أو ما يعتقد المشاهد العبري أنّها تابوهات، وداعبت رغبة المشاهد الإسرائيلي بالتلصص على قضايا المجتمع العربي و"أسراره" يعدّ لها تقريرًا. فما أكثر ما يتم الاتصال بنا الناشطات النسويات من قبل الإعلام العبري، لا لنتحدث عن بطالة النساء، ولا عن تدني أجورهن ولا عن هدم بيوتهن، وإنما لنتحدث عن "مجتمعنا الظالم"، وعن "السلفيين الذين يقمعوننا" ولنتحدث عن رأينا بالحجاب والنقاب، أو بمجتمعنا الذي لا يحترم حقوق النساء المثليات. أي كل ما يغذي شبق المشاهد اليهودي ورغبته بالتلصّص على حياة العرب وعلى حياة نسائهن، فإن كنتِ مثلية الجنس تستحقين تقريرًا، وإن كنت ناشطة نسوية قد تدعين لمناقشة قمع المجتمع لتلك المرأة، وإن رغبت بخلع الحجاب وتلقيت معارضة تستحقين تقريرًا، وإن قررت لبس المايوه تستحقين تقريرًا. 

إن من يستمع للصحفي في القناة الثانية وهو يقدّم للتقرير، يعتقد أنّ ظاهرة عمل الفتيات في عرض الأزياء ظاهرة جديدة وتكسر القيود المجتمعية، مسميا إياها "فتح طريق". ففي تقديمه للتقرير يقول إنه يبدأ معقدًا لكنه سوف يعتدل، ليطمئن المشاهد أنّ التقرير سيكون ممتعًا. الحدث الأول الذي يشير إلى أنه معقد هو حدث مقتل امراة عربية، أختها عارضة ازياء. مقتل المراة لا يحظى بأي تعامل أو اهتمام، فهو يذكر فقط ليكون مقدمة دراماتيكية للحديث عن المجتمع العربي ولتقرير مسل. فقتل النساء عند العرب موضوع مثير ولكن ليس لفضح قضية تهاون الشرطة أو انتشار الأسلحة، أو حتى المشاكل الاجتماعية، وإنما فقط ليكون افتتاحية للتقرير الذي يصب جلّ اهتماهه في لبس إحدى العارضات مايوه بكيني. فالتقرير يعلن أنّه يتحدث عن "فتح طريق والذهاب حتى النهاية تقريبًا" من أجل الشهرة وعن "ظاهرة جديدة لعارضات أزياء"، ولكن من يعرف المجتمع العربي يعرف أنّ المهنة ليست بجديدة، لا هي ولا مسابقات ملكات الجمال، فليست مسابقة ملكات الجمال بجديدة، لا على العرب ولا على "الوسط العربي"، وليست مهنة عرض الازياء بمهنة جديدة. 

ولكن ما يحاول الإعلام الإسرائيلي بيعه لمشاهده اليهودي هو الذهاب تقريبًا حتى النهاية، والمقصود بذلك التقاط صور لعارضة عربية بمايوه بكيني، وهو الحدث الاستثنائي الوحيد الجديد في التقرير. صور الفتاة التي تلبس المايوه، وهي واحدة فقط، تطغى على التقرير لدرجة أنّ الفتاة نفسها تقول للصحفي والمصورين لماذا انتم منشغلون بفتاة عربية تلبس مايوه، (قائلة لهم "دعكم من هذا الفيلم"). أي أنّها لا تعتبر الأمر حدثًا استثنائيّا. من المؤكد أيضًا أن هذه الفتاة وافقت على ظهورها في التقرير دون أن تعلم أن جلّ التقرير سيتمركز في لبسها للمايوه. وطبعا لا ينسى معدّ التقرير أن يؤكد للمشاهد اليهودي أنّ الفتاة التي تلبس المايوه ابنة لعائلة مسيحية، مقابل الباقيات اللواتي ينتمين لعائلات مسلمة ورفضن ارتداء المايوه، ليطمئن بذلك المشاهد اليهودي أن اللباس "العصري والغربي" ما زال حكرا على المسيحيات دون المسلمات.

قرار فتاة عارضة ازياء أن تظهر بالمايوه هو قضية لا تستحق تقريرًا ولا حتى خبرًا صغيرًا. ولكن لا يمكنني إلا أن أشير لنجاح التقرير في رفع نسبة المشاهدة  للقناة لأنه: أولا، مسل ومغذ لغرائز رخيصة، لأنه يصور فتاة بلباس مكشوف وتظهر الصور مرات عديدة خلال التقرير، وهو أيضًا ممتع لأنه يخدم حاجة المشاهد العبري بالتلصص على المجتمع العربي من ناحية وليؤكد تفوقه على المشاهد العربي ويطمئن، وكذلك ليريحه من طرح قضايا المجتمع العربي التي "توجع الراس"، علمًا بأننا نتحدث عن تقرير إخباري صحفي وليس عن برنامج ترفيه تجاري. 

بهذه المناسبة يهمني الإشارة أننا كناشطات نسويات عربيات ويهوديات نرفض هذا التشييء للمرأة والتعامل معها كسلعة تختزل مكانتها بطول رقبتها ومحيط خصرها ولون بشرتها. كما نرى كفلسطينيين بهذه البلاد أن من واجب الإعلام النقدي، أو حتى غير النقدي أن يظهر الصورة الحقيقية، وهي صورة مجتمع يحاول النهوض بنفسه بالرغم من التمييز العنصري، وبالرغم من القهر القومي، وبالرغم من القوانين الفاشية التيي تسنّها أكثر حكومات إسرائيل عنصرية. 

كما أود الإشارة أيضًا إلى أن المعلومات التي ظهرت في التقرير مغلوطة، فليست ظاهرة لبس المايوه ظاهرة جديدة في الأمة العربية، كما تدعي إحدى صاحبات المجلة القائمة على عرض الأزياء وعلى إحدى مسابقات ملكات الجمال، فليس الظهور بالمايوه ولا التعري ظاهرة جديدة في الأمة العربية. إذ تظهر صور نساء عربيات في عشرات المجلات العربية، ومجلة الموعد المليئة بصور كهذه لفنانات وعارضات  صدرت عام 1953، علمًا بأن تشجيع التعري وطرحه كجزء من التفكير العصري هو أيضا تواطؤ بحق النساء. وهذا ما ظهر أيضًا في التقرير حيث نعت الصحفي معد التقرير صاحبات الصحيفة بحاملات لأجندة ليبرالية (؟)  أي أجندة تحمل مفاهيم الحريات الفردية.  

وبرأيي ما هذه الاجندة إلا ترسيخ لعبودية المرأة والمجتمع لمقاييس جمال يحكمها الطول والوزن واللون، ولا علاقة لها بالحرية. تلك عبودية ترسخها شركات رأسمالية تستعبد من خلالها معظم نساء العالم. الناشطات النسويات في كافة أماكنهن يرفضن هذه الأجندة التي لا تؤدي الا إلى تعطيل العقول وترسيخ اختزال المراة بجسد مغر أو بمحاولات لصنع هذا الجسد.

التعليقات