16/09/2011 - 13:01

"عروبة" أردوغان وأتركة العربان!../ زهير أندراوس

باسم الشعب العربيّ الفلسطينيّ، وباسم إخوتنا المحاصرين في غزة نقول لك بدون لفٍ أوْ دوران: لا، لا، ومرّة أخرى لا: لا تستغل مأساة القطاع لكسب المزيد من النقاط، حصار قطاع غزة الإجراميّ من قبل إسرائيل ليس معروضًا بالمزاد العلنيّ لهذا الزعيم أوْ ذاك

عندما كانت آلة الحرب الإسرائيليّة، في عدوانها البربريّ على قطاع غزة، أواخر 2008 وأوائل 2009، تبطش وتقتل الفلسطينيين بدون حسيبٍ أوْ رقيبٍ، مستعملةً الأسلحة المحرمّة دوليًا، والتي حصلت عليها من الولايات المتحدّة الأمريكيّة، حافظت الدول العربيّة على الصمت المُطبق، واكتفت بإصدار بيانات الشجب والاستنكار والامتعاض، التي لا تساوي الورق الذي كُتبت عليه، أوْ الحبر الذي استُعمل لصياغتها، ونزف الشعب الفلسطينيّ شيبًا وشُبانًا، نساءً وأطفالاً، وسالت الدماء بغزارةٍ لتُحوّل قطاع غزة من أكبر سجنٍ في العالم إلى أضخم مقبرة جماعيّة، وبما أنّ النظام العربيّ الرسميّ أخرج من معجمه مصطلحات مثل الحياء، الخجل، الكرامة القوميّة أوْ الوطنيّة، الشهامة والعزّة، فلم نُعوّل عليه، لأنّه كان وما زال يعيش حالة الاستحضار في غرف الإنعاش المكثّف، لا بل الأدهى من ذلك، أنّ دولاً عربيّةً، وفي مقدمتها مصر، شاركت في العدوان، إنْ كان بصورة شبه مباشرة، أوْ عن طريق التواطؤ مع الدولة العبريّة، ووصل الفرج من فنزويلا، حيث أعلنت قطع علاقاتها الدبلوماسية الكاملة مع إسرائيل تضامنًا مع غزة، وجاءت خطوة فنزويلا هذه بعد ساعات قليلة على إعلانٍ مماثلٍ لرئيس بوليفيا الذي طالب أيضًا بالإعلان عن الثعلب السرمديّ، أيْ الرئيس الإسرائيليّ شمعون بيريس ورئيس وزرائه إيهود أولمرت، مجرما حرب، أمّا هوغو تشافيز فقد اتهم إسرائيل بالمشاركة في الإرهاب الدوليّ ضد أكثر البشر ضعفًا وبراءةً، وهم الأطفال والنساء والمسنين الكبار.
 
***
 
الخطوة التي قامت بها بوليفيا وفنزويلا، لقنّت إسرائيل الدرس الذي كان على العرب والمسلمين أنْ يقوموا به. الدولتان، الواقعتان في أمريكا اللاتينيّة، لا تبحثان عن مصالح في الشرق الأوسط، ولا تسعيان لفرض هيمنتهما على المنطقة، كما تفعل تركيًا وإيران، موقفهما الصارم ضدّ إسرائيل نبع في ما نبع من أنّ الحديث يجري عن دولتين، انتفض فيهما الشعب، وأطاح بالحكام الاستبداديين وانتخب رئيسين ثائرين، لا يحسبان حسابًا للجارة، أمريكا، ولا لربيبتها، إسرائيل، كما أنّ خطوتهما، الإنسانيّة بامتياز، إنْ دلّت على شيء، فإنّها تدّل على أنّهما قررتا الثأر للشعب المُستضعف، وليس الضعيف، نيابةً أوْ عوضًا عن الأمراء والملوك والسلاطين والحكّام من العرب والمسلمين.
 
***
 
سقنا هذه المقدّمة على وقع التدهور في العلاقات بين أنقرة وتل أبيب، وقيام رئيس الوزراء التركيّ رجب طيّب أردوغان، بطرد السفير الإسرائيليّ من بلاده واتخاذه عدّة خطوات ضدّ الدولة العبريّة، التي رفضت الانصياع لمطلب أحفاد أتاتورك والاعتذار عن قيام سلاح البحريّة بقتل تسعة مواطنين أتراك كانوا في طريقهم إلى غزة هاشم لكسر الحصار التجويعي، المفروض عليها منذ حوالي خمس سنوات. لا نريد أنْ ننتقص من أهميّة الخطوات التركيّة في مواجهة العربدة والقرصنة الإسرائيليتين، ولكن بموازاة ذلك، لا نرغب في كيل المديح لهم بصورة لا تتناسب مع المستجدّات على أرض الواقع، ومناقشة الأمور بتروٍ وعدم عبور درجة الإعجاب بتركيّا إلى مرحلة الانجرار إلى المياه العميقة، كي لا نغرق في محيط العلاقات الدوليّة المحكومة بموازين القوى.
 
***
 
نرى أنّه من الأهميّة بمكان التذكير بأنّ الإمبراطوريّة العثمانيّة، التي سيطرت على بلادنا حوالي 500 سنة، وكانت سببًا مباشرًا في تخلّفنا، ما زالت قائمة في عقول وقلوب الأتراك، الذين لن يألون جهدًا في استعادة أمجادهم، وربّما أيضًا تنفيذ "سفر برلك" بحقنا مرّة أخرى، وهذا من حقّهم، ولكن بالمقابل، ولكي لا نُفهم خطأً، نُشدد على أننّا لا نناصب العداء أوْ الكراهية للأتراك، قادةً وشعبًا، إنّما نؤكد على ذلك من منطلق إيماننا الراسخ بأنّ هذه الأرض، من المحيط إلى الخليج، هي أرض عربيّة مائة بالمائة، وبالتالي نرفض التدّخل الأجنبيّ، القائم على المصالح إنْ كان فارسيًا أو عثمانيًا، وبطبيعة الحال غربيًا أوْ صهيونيًا.
 
***
 
 وقبل سبر أغوار التحّولات في السياسة التركيّة، تبعاتها وتداعياتها، علينا الإقرار بأنّ الشرق الأوسط بات حاضنةً لثلاث قوى إقليميّة هي: إسرائيل، إيران وتركيّا، حيث تسعى كل واحدة لتعزيز هيمنتها في المنطقة لتحقيق مصالحها التكتيكيّة والإستراتيجيّة، والمفارقة الغربية العجيبة أنّ الدول الثلاث تتقاطع مصالحها في استغلال نتائج الثورات العربيّة، التي أسقطت الحكام، ولكنّها ما زالت بعيدة جدًا، للأسف الشديد، عن تحقيق أهدافها في بناء الدول الحديثة والعصريّة والديمقراطيّة، القائمة على العدل والمساواة وعلى تقسيم الثروات، ففي مصر باتت الفوضى سيّدة الموقف في ظلّ حالة من الفلتان الأمنيّ، وفي تونس، قررت الحكومة الانتقاليّة إعادة العمل وفق قانون الطوارئ، وفي ليبيا، بات "ثوار حلف الناتو" يُقبّلون العلم الأمريكيّ، في مشهدٍ أقل ما يُمكن وصفه بالمقزز، أمّا في سوريّة، وعلى الرغم من حملة التحريض الأرعن ضدّ النظام، فيبدو أنّ الرئيس بشّار الأسد، تمكّن من اجتياز المحنة، على الرغم من برقية باراك بأنّ مصيره أصبح محسومًا وسيتنحى مكرهًا خلال عدّة أشهر.
 
***
 
السيّد أردوغان قام هذا الأسبوع بزيارة إلى القاهرة، ولكي لا نقع في الفخ، علينا التوضيح بأنّ هذه الزيارة كانت مقررة منذ عدّة أشهر، ولم تجئ لمقارعة الدولة العبريّة بعد تأزم الأزمة بينهما، من حق رئيس الوزراء التركيّ، لا بل من واجبه، أنْ يقوم بمثل هذه الزيارات، ولكن كيف يُمكن أنْ نُفسّر الموقف التركيّ العدائي من سوريّة، والتلويح بشن حملة عسكريّة ضدّها إذا واصل النظام أعمال العنف ضدّ المواطنين، في حين أننّا لم نسمع مثل هذه التصريحات الحربجيّة عندما كان نظام عميل الإمبرياليّة والصهيونيّة، حسني مبارك، يقتل الشعب المصريّ الأعزل؟
 
***
 
مضافًا إلى ذلك، لا بدّ من الإشارة إلى أنّ تركيّا أعلنت يوم الخميس، الـ15 من أيلول (سبتمبر) الجاري، رسميًا، عن نصب صواريخ الإنذار المبّكر على أراضيها للتجسس على "حليفتها" إيران، الأمر الذي دفع الأخيرة إلى تحذير أنقرة، أيْ أنّ تركيا بالعربيّ الفصيح، تخدم إسرائيل من حيث تدري أوْ لا تدري، إذ أنّ التنسيق الأمنيّ بين واشنطن وتل أبيب هو على درجةٍ عاليةٍ جدًا، أمّا الإدعاء بأنّ الموافقة التركيّة على الخطوة الأمريكيّة جاءت بفعل كون أنقرة عضوًا في حلف شمال الأطلسيّ (الناتو)، فهو عذر أقبح من ذنب، كما نرى أنّ هنا المكان وهذا هو الزمان للتذكير بأنّ تركيّا، خلافًا لـ(الشقيقتين)، بوليفيا وفنزويلا، لم تقطع حتى كتابة هذه السطور علاقاتها الدبلوماسيّة مع إسرائيل، كما أنّ حجم التبادل التجاريّ بين الدولتين، منذ بداية العام الحاليّ، وصل إلى أكثر من ثلاثة مليارات دولار، ناهيك عن أنّ أردوغان لم يُلغ الاتفاقيًات العسكريّة والأمنيّة مع تل أبيب، إنّما جمّدها فقط.
 
***
 
وهناك نقطة أخرى يجب الالتفات إليها: تركيًا حليفة قويّة لأمريكا منذ غابر الأزمان، وتربطهما علاقات إستراتيجيّة قويّة للغاية، كذلك الحال بالنسبة لإسرائيل، ومن هنا، لا نعتقد أنّ واشنطن ستسمح للحليفتين الأكثر أهميّة لها في الشرق الأوسط بالدخول في حرب طاحنة بينهما، وعليه فإنّ تهديد إردوغان بأنّه لا يستبعد إرسال بوارج حربيّة مستقبلاً لمرافقة سفن كسر الحصار إلى غزة، هو تهديد فارغ المضمون، ولن يخرج إلى حيّز التنفيذ، ذلك أنّه يصب في مصلحة إيران، التي تناصبها تركيّا العداء بسبب تضارب مصالحهما وتناقض تحالفاتهما في المنطقة.
 
***
 
عند الامتحان يُكرّم المرء أوْ يُهان، هكذا قالت العرب، وعليه نقول لرئيس الوزراء التركيّ: لا نريد بوارج حربيّة ولا نريد سفن معونات، نريد فقط أنْ نعرف الحقيقة، الحقيقة وفقط الحقيقة بدون رتوش: لماذا عدلت عن زيارة قطاع غزة المحاصر؟ ما الذي منعك من ذلك؟ هل صحيح أنّ الحليفة أمريكا "طلبت" منك عدم القيام بهذه الزيارة الخطيرة؟ أمْ أنّك اقتنعت بأنّ هذه الزيارة ستزيد من قوة حماس وستُضعف الرئيس غير الرئيس، عبّاس؟
 
***
 
باسم الشعب العربيّ الفلسطينيّ، وباسم إخوتنا المحاصرين في غزة نقول لك بدون لفٍ أوْ دوران: لا، لا، ومرّة أخرى لا: لا تستغل مأساة القطاع لكسب المزيد من النقاط، حصار قطاع غزة الإجراميّ من قبل إسرائيل ليس معروضًا بالمزاد العلنيّ لهذا الزعيم أوْ ذاك، وبما أننّا من الناطقين بالضاد وحتى لغتنا العاميّة فصيحة نقول لحضرتك وبأعلى الصوت: خيّط بغير هال...مسلة!

التعليقات