24/09/2011 - 21:14

عباس: خطاب قوي وننتظر التطبيق../ عبد الباري عطوان

اختلفنا مع الرئيس محمود عباس كثيراً وسنختلف، ولكننا لا نستطيع أن ننكر، أو نتجاهل، أن خطابه بالأمس كان خطاباً شجاعاً، يتسم بالتحدي ووضع النقاط على الحروف، وسرد معاناة الشعب الفلسطيني بطريقة حضارية إنسانية مؤثرة، وتأكيدا على ثوابت الصراع، وتحذيرا لا لبس فيه أو غموض من جراء السياسات الإسرائيلية المدمرة للسلام والمغيّرة للحقائق على الأرض

عباس: خطاب قوي وننتظر التطبيق../ عبد الباري عطوان

صفق الكونغرس الأمريكي وقوفاً لبنيامين نتنياهو عدة مرات.. وصفق العالم بأسره عفوياً ووقوفاً للرئيس الفلسطيني محمود عباس.. وبين التصفيقين بون شاسع ومعان كثيرة.. العالم بأسره، أو في معظمه، مع الحق الفلسطيني في مواجهة الاحتلال والعنصرية والجدران والحواجز العازلة والتطهير العرقي.. العالم كله مع فلسطين ودولتها وشعبها، وهذا إنجاز يستحق الفرح.

أمس الجمعة الثالث والعشرون من أيلول/ سبتمبر عام 2011 كان يوم فلسطين بامتياز.. ويوم النكسة لإسرائيل وللولايات المتحدة الأمريكية التي هي بصدد إشهار "الفيتو" في مجلس الأمن لدعم عدوانها.. فقد أصبح هذا الفيتو عنوان شرف ومبعث فخر للفلسطينيين مثلما هو إدانة كبرى لأصحابه.

اختلفنا مع الرئيس محمود عباس كثيراً وسنختلف، ولكننا لا نستطيع أن ننكر، أو نتجاهل، أن خطابه بالأمس كان خطاباً شجاعاً، يتسم بالتحدي ووضع النقاط على الحروف، وسرد معاناة الشعب الفلسطيني بطريقة حضارية إنسانية مؤثرة، وتأكيدا على ثوابت الصراع، وتحذيرا لا لبس فيه أو غموض من جراء السياسات الإسرائيلية المدمرة للسلام والمغيّرة للحقائق على الأرض.

لمنا الرئيس الفلسطيني كثيرا لأنه في مرات كثيرة كان ناعماً في نقده للإسرائيليين، متجنباً إحراجهم، حريصاً على عدم إغضابهم، بل وقافزاً على معاناة شعبه تحت الاحتلال، ومجاملا في تجاهل نكبة فلسطين والمآسي التي ترتبت عليها لشعب بأكمله، ربما لكظمه الغيظ وعدم إعطاء الإسرائيليين فرصة لاتهامه بعرقلة العملية السلمية، ولكنه في خطاب الأمس لم يترك شجرة زيتون اقتلعت إلا وذكرها، أو فلسطينيا استشهد أو أسر إلا وتوقف عند شهادته أو أسره متألما.

***

خطاب الرئيس عباس كان خريطة طريق، ورقة عمل، فضحا كاملا للاحتلال وجرائم مستوطنيه، وإرهاب الدولة الإسرائيلية في الضفة والقطاع، وعمليات الاستيطان المتواصلة لمصادرة الأرض وتهويد القدس، وإرهاب أبناء الشعب الفلسطيني، ولهذا يجب أن ينــــتقل فوراً مـــن مرحـــلة الكلام إلى مرحلة التطبيق العملي على الأرض، ومحاسبة أي خروج عن كل ما ورد فيه من مبادئ ونقاط.

الرئيس الفلسطيني رد بقوة على بنيامين نتنياهو رئيس وزراء إسرائيل، والرئيس الأمريكي باراك أوباما، دون أن يذكرهما، عندما عارض بشدة مطالب الأول بالاعتراف بالدولة اليهودية، وتمسك بحق مليون ونصف مليون فلسطيني من عرب 48 بأرضهم، وأكد على حق الشعب الفلسطيني، كآخر الشعوب تحت الاحتلال في دولة مستقلة، على أساس قرار التقسيم ودون أن يتنازل عن حق العودة للاجئين الفلسطينيين.

الرئيس الأمريكي سقط في اختبار الدولة الفلسطينية، وأثبت بمعارضتها أنه لا يستحق جائزة نوبل للسلام التي منحت له لتشجيعه على تحقيق السلام في العالم، ولذلك يجب المطالبة بسحبها منه فور استخدامه الفيتو ضد هذه الدولة في مجلس الأمن الدولي. فرجل يرسل الطائرات الحربية والأساطيل تحت عنوان نصرة الشعوب في مطالبها بالعدالة والحرية وحقوق الإنسان، ويساند عدوانا إسرائيليا مدعوما بالإرهاب وقنابل الفوسفور المحرمة دولياً، ويعارض طموحات مشروعة في وطن له مثبت بقرارات الشرعية الدولية، رئيس يستحق الاحتقار والانضمام إلى قوائم الطغاة لا الحائزين على جوائز السلام.

الوصول إلى الدولة الفلسطينية المستقلة لا يمكن أن يتم عبر المفاوضات مثلما يؤكد نتنياهو، ويكرر أوباما خلفه مثل الببغاء، وإنما عبر المقاومة المشروعة بالوسائل والطرق كلها، واتباع الطريق الذي اتبعته مختلف شعوب العالم ومن بينها الشعب الأمريكي.

الرئيس عباس تحدث عن هذه المقاومة السلمية، والآن يجب أن يكون شجاعاً بالقدر نفسه، وأن يعطي الضوء الأخضر لانطلاقتها، تماماً مثلما أعطى الضوء الأخضر لانطلاق مظاهرات التأييد له في ميدان المنارة، أو ياسر عرفات في مدينة رام الله، وميادين مدن فلسطينية أخرى.

القضية الفلسطينية تحررت من القبضتين الأمريكية والإسرائيلية، وعادت إلى المنظمة الدولية مجدداً بعد انحراف استمر عشرين عاماً في دهاليز أوسلو، واللجنة الرباعية ومؤامرات توني بلير والسلام الاقتصادي، ووهم بناء البنى التحتية للدولة، وبقي أن لا تعود مطلقاً إلى هذه القبضة من جديد، وأن يتعزز هذا التوجه بالحراك الشعبي على الأرض.

حل الدولتين سقط.. أسقطته إسرائيل بعدوانها وبمستوطناتها وفرض الوقائع غير المشروعة على الأرض. كما أن السلطة الفلسطينية أيضاً سقطت بعد أن وصلت إلى حالة مؤسفة من الضعف والهوان والإذلال، ولا بد من الرد بوحدة فلسطينية حقيقية على أرضية المقاومة، وإعادة طرح الدولة الديمقراطية على كل التراب الفلسطيني في مواجهة الدولة اليهودية العنصرية التي يسعى نتنياهو لفرضها بدعم من أوباما.

***

اليوم يتطابق الموقفان الأمريكي والإسرائيلي في رفض مطالب الشعب الفلسطيني المشروعة، والوقوف في خندق واحد ضد الربيعين الفلسطيني والعربي معاً، ولهذا يجب التعاطي مع الإدارة الأمريكية المخادعة، المنافقة، والمنافحة عن الظلم والعدوان بالطريقة نفسها، إن لم تكن أقوى التي يتعاطى فيها الشعب الفلسطيني والشعوب العربية والإسلامية مع إسرائيل وسفاراتها ومصالحها.

لم يبقَ هناك أمام الشعب الفلسطيني ما يخسره، وعليه أن يبدأ ربيعه فوراً ودون أي تأخير، وأن يتحلى بالوعي والشجاعة في الوقت نفسه، فيجب وقف التعاون الأمني مع إسرائيل، ولا عودة إلى المفاوضات العبثية، ولا ثقة بأوباما وساركوزي وتوني بلير، بل يجب المطالبة بطرد الأخير من الأراضي المحتلة، ونزع صفة مبعوث السلام عنه، بعد أن أثبت أنه نسخة مشوهة من نتنياهو.

الرئيس عباس تحدث بالأمس كرئيس لمنظمة التحرير الفلسطينية، ولكنها قطعاً ليست المنظمة التي تحدث عنها وباسمها الرئيس الفلسطيني الشهيد ياسر عرفات، في خطابه المماثل عام 1974. منظمة اليوم منظمة مهلهلة، ليس لها أي صلة أو شبه بالأولى، ولهذا يجب إعادة الحياة وأسس الشرعية إليها ولمؤسساتها وتجديد دمائها، على أسس الديمقراطية والشفافية والقرار المؤسساتي.

سنقف إلى جانب الرئيس عباس في خطابه التاريخي هذا، ونعتبره انتصاراً دبلوماسياً وعلامة فارقة في مسيرته السياسية، وستكون وقفتنا، ومن المؤكد وقفة أبناء الشعب الفلسطيني كله، أكثر قوة، وأطول عمراً، لو بدأت مرحلة العمل المقاوم على الأرض، وأولها عدم الرضوخ لابتزاز أموال الدول المانحة، والتحرر كلياً من ضغوطها.

الشعب الفلسطيني عاش لأكثر من أربعين عاماً دون الحاجة إلى أموال أمريكا وأوروبا، بل وفجّر انتفاضته من موقع قوة، فالأوطان وحقوق أهلها وكرامتهم يجب أن تتقدم على فتات المساعدات المهينة.

إنه انتصار دبلوماسي كبير للشعب الفلسطيني يجب أن يكون حجر الأساس القوي لانطلاقة انتفاضة شاملة في كل الميادين، تؤكد أن الشعب الفلسطيني الذي بدأ ربيعه مبكراً ها هو يعود لإحيائه، ولكن بطريقة أكثر قوة وصلابة وابتكارا.
 

التعليقات