29/09/2011 - 19:33

فلسطين في الأمم المتحدة/ إيليا شقور

من على منبر أباح العنصرية الإسرائيلية على مدى العقود الماضية، أطل علينا رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، بخطاب ديغولي لقي الاستحسان إلا أن جوهره برأيي بحاجة إلى دراسة معمقة.

فلسطين في الأمم المتحدة/ إيليا شقور

 من على منبر أباح العنصرية الإسرائيلية على مدى العقود الماضية، أطل علينا رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، بخطاب ديغولي لقي الاستحسان إلا أن جوهره برأيي بحاجة إلى دراسة معمقة.. لا يخفى على كل من استمع إلى الخطاب تلك "النبرة النضالية" –الجيدة- التي لم أجد لها حتى اللحظة ترجمة في قاموس الواقع الفلسطيني ولا في واقع مناطق "الدولة" الفلسطينية حتى. أعتقد أن التصعيد التدريجي عليه أن يكون على الأرض لا حبراً على الورق –على مستوى الخطاب-، فالقضية صادقة عادلة لا تحتمل التأتأة والتلعثُم، في روايتها التاريخية على أقل تقدير.

لقد قطفت إسرائيل، رغم انسداد أفق المفاوضات –حالياً-، واحدة من أهم ثمار المفاوضات التي هدفت منذ بدايتها لإدارة (الصراع العربي الفلسطيني – الإسرائيلي) حتى تصفية القضية الفلسطينية وليس حل الصراع. وقد تجلت هذه الثمرة في تذويت اتفاقية أوسلو كسقف عند "ممثلي" القضية الفلسطينية حين ذهب أبو مازن للأمم المتحدة، متحدياً السياسات الإسرائيلية!، مطالباً العالم الاعتراف بالدولة الأوسلووية الفلسطينية، فشروط الدولة التي حاول أبو مازن إثبات توفّرها هي بنود اتفاقية أوسلو، وكأن اتفاقية أوسلو أٌبرمت بضغط من م.ت.ف على إسرائيل وليس العكس!

لم يكتف أبو مازن بالتنازل عن 78% من أرض فلسطين بمن فيها واختزال حق العودة بـ"تسوية قضية اللاجئين" (الحل العادل!!)، بل إن عدوى أوباما انتقلت إليه عندما بَصَمَ هو الآخر، بعدم نيّته نزع الشرعية عن إسرائيل، على الرواية الصهيونية!! أما إذا كانت إسرائيل تكتسب شرعيتها داخل الخط الأخضر من سيطرتها –وليس حقها التاريخي- على الأرض والدعم الأمريكي والغربي لها فهي أيضاً تُسيطر على الـ22% المتبقية ولا شرعية لأبو مازن بإقامة دولة على أراضِ الشرعية الإسرائيلية!!

وتتجلى أهداف خطوة الاعتراف بـ"لا نريد أن نعزل إسرائيل دولياً"!! حيث تبرز هنا أنياب هذا التوجه كخطوة "تصعيدية" ينبغي على إسرائيل إعادة النظر في سياساتها وتعاملها مع الفلسطينيين خشية تبني السلطة منذ الآن "نهجاً نضالياً تصعيدياً يختلف عن فترة ما قبل تقديم الاعتراف". إذاً، لا يهدف هذا التوجه لا لتصعيد النضال وتعبئة الشارع الفلسطيني لخلق حراك شعبي يتبنى المقاومة المشروعة ولا للنضال السلمي فقط حتى، بل هو انكفاء على الذات في محاولة لتفريغ النضال الشعبي الفلسطيني من مضمونه، فماذا يعني تصعيد النضال إذا لم يتطرق لا لمُسببات نزع الشرعية عن إسرائيل ولا لمُسببات عزلها دولياً!؟

حتى عندما اقتبس أبو مازن الشهيد الراحل أبو عمار حين قال "لا تسقطوا غصن الزيتون من يدي" لم يشدد على صلاحيّتها اليوم ولم يقتبس ما قبلها، وكأنه يعيد قراءة فترة أبو عمار ويقتطع منها ما هو "سلميّ".

من الواضح أن إسرائيل ترتعد من خطوة الاعتراف بدولة فلسطينية –حتى على 1% من الأرض- وقد تناقل هذا "المبدأ" جميع قياداتها، وقد أفصح "بيجين" –رئيس وزارء إسرائيلي سابق- عن الموقف الرسمي لإسرائيل مرة في إحدى الاجتماعات بقوله "نحن ندعم دولة فلسطينية، لكننا لن نسمح لها بأن تقوم". واضح كذلك الإحراج المتربص بالولايات المتحدة الأمريكية عالمياً لدى استخدامها حق النقض –الفيتو- على طلب الاعتراف، خصوصاً بعد ذلك الخطاب المُخزي للرئيس الأمريكي أوباما الذي كشف فيه، وبشكل لا يترك موضعاً للشك، انحياز الموقف الرسمي لـ"راعي المفاوضات الثنائية" للرواية الصهيونية وممارساتها. ما يعصف من تحركات سياسية ودبلوماسية، ضئيلها مكشوف، في أروقة الأسرة الدولية يُلقي على فلسطين –أساساً- قيادة وشعباً ومثقفين مسؤولية الارتقاء لمستوى التخطيط الاستراتيجي لمصير القضية العربية الفلسطينية الذي من شأنه استبدال التخبُّطات و"الفزعات الخطابية" الفقيرة عملياً، بالغموض البنّاء.

خطوة التوجه إلى الأمم المتحدة من شأنها أن تُحرج إسرائيل وأمريكا ودول أخرى، ولئلّا نقايض الإحراج بالتنازل يجب توظيفها (الخطوة) كعامل ضغط بالإضافة إلى عوامل الضغط الأخرى وأهمها النضال الشعبي الفلسطيني في سبيل التفاف الشعب الفلسطيني حول أرضه، حقوقه وحقه في أرضه، كما وتعزيز مكانة الرواية الفلسطينية دولياً، خصوصاً وأنّ أنظار العالم اليوم تُمعن في هذه القضية، والمقصود هنا هو تدويل القضية بمعنى بناء بؤَر ومراكز تنقل للشعوب معاناة، صدق، وعدالة القضية الفلسطينية لحشد رأي عام شعبي –في كل دولة- يقوم بدوره بالضغط على قياداته لتغيير السياسات المتبعة تجاه فلسطين.

لقد تقاطع الكثيرون في دعمهم لخطوة التوجه إلى الأمم المتحدة –دون الخوض في المنطلقات- ولكن، أعتقد أن اؤلئك الذين عوّلوا على كونها خطوة استراتيجية من شأنها قلب قواعد اللعبة الدبلوماسية لم يريدوا أعراساً على الأرض لاعتراف –كغيره- على الورق بل كانوا يرمون -وما زالوا- لانتفاض الشعب الفلسطيني على ظُلمه واحتلاله حيث تملئ المظاهرات الشوارع والميادين الفلسطينية فتلتحم فلسطين مع عمقها العربي في ربيع الثورات العربية لتُسطّر الأمة العربية، للعالم أجمع، رسالة بشعوبها مفادها: الأمة تريد أن تلئم فلسطينها. حينها، تتفاعل القيادات الفلسطينية مع نضال شعبها –في جميع أماكن تواجده- وتطلعاته ليؤدي هذا التفاعل إلى الانتقال من الوضع الحالي وهو رفع الصوت المطالِب بتنفيذ أوسلو إلى رفع سقف النضال ليشمل الحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني، فتقوم القيادات –كل القيادات-، بالارتكاز على هذه القاعدة الشعبية، بدورها بترجمة هذه التطلعات إلى استراتيجية نضال، تُبدد ما سبقها –إن سبقها أساساً!- من تعويل على المفاوضات فقط والعويل للعودة لها.

لن يتمكن الاعتراف الأممي من بناء دولة على قسم من الأرض للفلسطينيين تماماً كما لم يتمكن قرار حق العودة من إعادة لاجئ واحد إلى أرضه، فالأمم المتحدة لم تتغير ومواقف غالبية دولها الأعضاء من حق الفلسطينيين في دولة سيادية مستقلة على حدود الرابع من حزيران 67 لم يتغير بشكل جوهري –غالبية دول العالم إما اعترفت بحق دولة فلسطينية على حدود 67 أو كانت تدعم حق تقرير المصير للفلسطينيين و م.ت.ف كالممثل الشرعي والوحيد لهم-. إن ما تُعلمنا إياه جميع ثوراتنا العربية هو أن الشعب بعزمه عبر خروجه للشوارع والميادين وبإصراره عبر تحدّيه جميع آليات البطش والقمع وبإيمانه بعدالة وصدق مطالبه وبإرادته للحرية والديمقراطية يستطيع أن يفرض الواقع ويوجه التحركات السياسية والدبلوماسية.

يبدو أن خطوة أبو مازن هدفت بالأساس لاسترجاعه شرعية افتقدها، أو لضمانه وإسرائيل عدم انفجار سيناريو غير متوقع بعد فشل المفاوضات الثنائية ويشهد على ذلك رفع حالة التنسيق الأمني يوم خطب كل من أبو مازن ونتنياهو لأعلى درجة. أو لربما أراد أن ينسب لنفسه لقب "سيادته" في نشرات الأخبار لدولة في أدراج الأمم المتحدة خصوصاً وأن رئاسة السلطة الفلسطينية في طريقها إلى الزوال وفقاً لأوسلو والوضع القائم، أو غير ذلك..

كل هذا غير مهم الآن أو للتدقيق أقل أهمية من دخول القضية الفلسطينية واقعاً جديداً يجب أن يوازيه تجديد وتطوير في مخططات المعالجة وأدواتها. واقع يتطلب منا، مؤيدين ومعارضين، الخروج يداً بيد لتوجيه المسار لألّا تنزلق قضيتنا نحو أوسلو جديد تحت اسم آخر. هذا يعني ضرورة إعادة قراءة المجريات بصورة تفصيلية ومعمقة تبحث السيناريوهات المترتبة على خطوة الاعتراف وتداعياتها وسُبل التعامل معها في ظل حراك عربي فلسطيني شعبي يضع نصب عينيه توحيد كافة الفصائل الفلسطينية حول الحرية والديمقراطية والتحرير، ابتداءً بإعادة بناء وتنظيم م.ت.ف الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني في كافة أماكن تواجده. كما أن هناك حاجة ملحّة، الآن بالذات، لنفض غبار أوسلو عن كل ورقة في ملف القضية العربية الفلسطينية.
 

التعليقات