07/10/2011 - 12:20

المنهاج الجديد، تحبيب أم تكريه للغتنا العربية؟!../ دارين طاطور

أصبح من المقلق جدًا رؤية تتالي الأجيال وانهاؤهم المرحلة الإبتدائية بعلاقة ومحبة شبه معدومة مع اللغة العربية ومعانيها وانعدام قدرتهم على التعبير والكتابة بفنونها واستعمال كلماتها بطلاقة، بالرغم من كونها لغة الأم مع مرور السنوات وخصوصًا الأخيرة

المنهاج الجديد، تحبيب أم تكريه للغتنا العربية؟!../ دارين طاطور
أصبح من المقلق جدًا رؤية تتالي الأجيال وانهاؤهم المرحلة الإبتدائية بعلاقة ومحبة شبه معدومة مع اللغة العربية ومعانيها وانعدام قدرتهم على التعبير والكتابة بفنونها واستعمال كلماتها بطلاقة، بالرغم من كونها لغة الأم مع مرور السنوات وخصوصًا الأخيرة.
 
باتت هذه الحقيقة متعبة لمن يتابعها ويلاحق المستجدات المتعلقة بها في كل عام حتى أصبح من المهم البحث في هذه الظاهرة الخطرة وما تخفيه من كوارث علينا وعلى الأجيال القادمة.. أجيال المستقبل، بالذات في ظل كل الضغوطات والتحديات التي نحيا بها ضمن مسلسل التهويد الذي تتبناه الحكومة لكل ما هو عربي في هذه البلاد، وسعيها لإلغاء قيمة اللغة العربية من مدارسنا ونفي وجودها من عقول أولادنا وطلابنا.
 
ليس صدفة أن نشاهد نتائج اللغة العربية للطلاب في كل عامٍ في تدنٍ مستمر، وليس صدفة أن نشاهد أيضًا وبأم أعيننا ركاكة التعبير الذي يخرج به طلابنا من المدرسة، وعلى وجه الأساس المرحلة الإبتدائية، والتي تستمر فيما بعد للمرحلة الثانوية. وإن دققنا في المشكلة لا بد وأن نجد أسبابًا كثيرة تساهم في استمرار وتزايد هذه الظاهرة الخطيرة.. وأقل ما يمكن أن نقدمه كمثقفين ومحبين لهذه اللغة التي تحفظ وجودنا ووجودها على هذه الأرض البحث في هذه الأسباب ودراستها وإيجاد الحلول لها وتقديمها للمجتمع.
 
الإنسان الآلي، اليونيسيف، تشارلي شابلن الممثل الصامت، قلم الحبر السائل، الشاي، مشوار البطريق، الفيتامينات، ألفرد نوبل، الصحون الطائرة، القط، فرق الإطفاء، دودة الأرض، أحواض تربية أسماك الزينة، البلاستيك صديقٌ أم عدوّ، مطاعم الوجبات السريعة، نقص الحديد عند الأطفال، سلسلة روايات هاري بوتر........
 
ما أن نقرأ هذه العناوين نظنها للوهلة الأولى نصوصًا في أحد كتب العلوم أو التاريخ أو حتى نصوصًا في إحدى الموسوعات العلمية، إلا أن المفاجأة تكمن حين ندرك أنها عناوين وضعت كنصوص في كتاب تدريس اللغة العربية للصف الخامس الابتدائي في مدارسنا حسب المنهاج الجديد لهذا العام!
 
هي نصوصٌ كتبت باللغة العربية ولكنها تحوي الكثير من المصطلحات الغربية والمسميات الأعجمية، والتي يكثر بها الأرقام، ويسيطر عليها أسلوب السرد الزمني والتاريخي، والتي من الطبيعي أن تكون مادة جافة لعقل طالبٍ عربي في الصف الخامس كونها لا تحمل أي صفة من صفات تدريس الأدب العربي للصفوف الإبتدائية، ولأنها تتحدث عن ثقافات غريبة عنه وعن بيئته. ومن الجدير ذكره أن مثل هذا الأسلوب متبع لتدريس اللغة الإنجليزية، فكثيرًا ما نرى كهذه النصوص في كتب تعليم اللغة الإنجليزية كلها وليس المرحلة الإبتدائية فحسب، بالإضافة إلى كونها مواضيع تشتت الهوية العربية وتضيعها، وكأن لا حق للغة علينا بأن نحفظها ونهتم بها!
 
بما لا شك فيه إن نوعية النصوص المختارة وكيفية التعامل معها تعزز أو تقلل هذه الصعوبات في تعلم اللغة لدى الطالب بالإضافة إلى مهارات المعلم وقدرة الطالب على الإستيعاب والتلقي، ومن هنا يحق لنا أن نسأل: هل يحتاج الطالب العربي أن يتعلم بالأسلوب الذي تنتهجه  كتب تعليم اللغة الإنجليزية من أجل أن يكون متمكنًا ومدركًا في فهم اللغة العربية.. فنونها.. علومها وأساسياتها..؟! وهل هذه الكتب الموضوعة حديثًا تساهم في نفي لغتنا العربية وتدعم فشل الطلاب واستيعابهم لجمالية لغتهم لغة الأم وتتسبب بطريقة أو بأخرى بتدني التحصيل العلمي لديهم؟! وهل فرغ مثقفينا وكتَّابنا من إيجاد وجمع نصوصٍ أدبية عربية تامة بكل ما تحوي الكلمة من معنى قريبة لقلب وعاطفة الطالب ولحياته؟! أم أن لغتنا العربية ما عاد بها نصوصًا تفي بحاجاتنا حتى نلجأ للموسوعات العلمية المطبوعة والألكترونية ونأخذ منها هذه النصوص ونجمعها في كتاب لتدريس اللغة العربية؟!
 
بالطبع ومن المؤكد أن لغتنا غنية بالنصوص المناسبة والتي تجعل الطالب يشعر بمشاعر المودة معها بالذات في هذه المرحلة، وحين نأخذ مثل هذه النصوص ونتبعها كأداة تدرس به نظلم كتابنا العرب في كل مكان، ونظلم اللغة، إضافة إلى ظلم الطالب حين نفرض عليه مثل هذه النصوص الجافة في مثل هذا الجيل بالذات!
 
كتاب "الجديد في القراءة والفهم" لتعليم اللغة العربية، للصف الخامس هو ليس كتابًا منفردًا بهذا المنهج الهدام بل هو واحدٌ من سلسلة كتب متكاملة وضعت لتدريس اللغة العربية من الصف الثالث حتى الصف السادس، وكلها تأخذ نفس الأسلوب ونفس التنظيم والترتيب من حيث المواضيع والنصوص العلمية، وهي سلسلة جديدة تساهم بتهميش إضافي للغتنا العربية وتشتيت عقول أولادنا، وهذه السنة تزيد عيارًا إضافيًا عما اعتدناه عن السنوات الماضية!
 
هو كتابٌ لتدريس اللغة العربية يحوي ما يقارب الأربعين قطعة في أكثر من مائتي صفحة، منهم أربعة قصائد شعرية فقط، "حمامة السلام" للشاعر أحمد رجب غنايم، "رسالة إلى القمر" للشاعر أحمد طاهر يونس، "أغنية إلى حفيدتي" للدكتور فهد أبو خضرة، "الفراشة والزهرة" للشاعر القروي.
 
هو كتابٌ لتدريس اللغة العربية ويحوي على خمس نصوصٍ أدبية من نوع القصة القصيرة أو الخواطر الأدبية ذات الطابع والأسلوب النثري للأطفال لكتَّاب مجهولي الهوية، لا يعرف من  هم أصحابها وكاتبيها كنصي "الكمبيوتر وأنا" و "من عمل عملًا فليتقنه" أما ما تبقى من النصوص الأخرى فليست إلا نصوصًا علمية تاريخية جافة كما ذكر سابقًا..!
 
أما الحقيقة الأخرى في هذه الكتب تظهر لكل من يقرأ نصوص الكتاب ليدرك بعدها أن لا حاجة للطالب أن يدرس مادة العلوم فبه ما يكفي من أجل ذلك، ومن يتابع إصدار الكتب في كل عام وكثرة تغييرها يدرك أن الهدف من ورائها تجاريًا ليس إلا ولا يمت بأي صلة بمصلحة الطالب ومستقبله ما بعد تعلمه لهذه النصوص ومدى تأقلمه مع ما تم فرضه عليه عنوة، وما الشيء الذي يمكن أن يستقيه الطالب خلال تعلمه هذه النصوص وهل أضافت له شيئًا من المعرفة باللغة العربية!
 
كل ما تم عرضه كان يصب في صعوبة تلقي الطالب لمثل هذه النصوص من جهة، ومدى الابتعاد عن مهنية تدريس اللغة العربية وعدمية وجود الحس العربي بها من جهة أخرى، إلا أن الحال لم يتوقف عند هذه الأمور فقط، فلو قرأنا أسئلة المحادثة الموضوعة لنقاش النصوص مع المعلمة لاكتشفنا مشكلة جديدة تكمن في كيفية تدريس هذه المواد لأن المعلمة في حصص اللغة العربية ومع مثل هذه النصوص ومن أجل تمرير حصصها الأسبوعية عليها أن تكون في ذات اللحظة معلمة لمادة العلوم والتاريخ ومن ثم معلمة للغة العربية. كما أن هناك مشكلة إضافية في هذا المنهاج، ففيما لو قمنا بالتركيز على أسئلة النقاش والمحادثة لاكتشفنا صعوبة أخرى في التعامل معها من حيث المستوى وطريقة العرض والتي تحتاج لقدرة كبيرة في الدراية والمعرفة دون الأخذ بعين الاعتبار أن الطالب سيقوم بحل هذه الأسئلة في البيت مع والدته أو أحد اخوته دون وجود أي تعليل وشرح حتى لو كان قصيرًا من أجل أن يستطيع القائم على تدريس الطالب في البيت والعودة إليها فيما بعد، وفيما لو قامت المعلمة بشرح المواد بطريقة شفوية وذاك هو المتبع في مدارسنا ومن قبل معلمينا. أو من أجل تعريف أسس علوم اللغة العربية المستخدمة في تحليل النصوص الأدبية والشعرية بالذات حتى وإن كانت قليلة جدًا في هذه الكتب كالتشبيه والإستعارة والتأنيس والتفضيل..... بالإضافة إلى عدم وجود معجم للكلمات الغامضة والتي تساعد الطالب في إثراء لغته وحفظ ثروة جديدة وإضافتها إلى كنز الكلمات المدفون في ذاكرته.
 
وفي النهاية أقول إن كتابتي لهذه الدراسة والتي تخصصت هذه المرة بقراءة سلسلة كتب "الجديد في القراءة والفهم" والتي لن تكون الأخيرة إن شاء الله لا تهدف التعرض لأي إنسان ساهم في تأليفها، جمعها وإعدادها، أو حتى مراجعتها لأن هذا ليس من وظيفتي وليس هو ما أطمح له، لأن الهدف الحقيقي من كتابتها ونشرها هو الأمل الذي يحيا بي بأن نفكر مليًا من أجل مستقبل أولادنا ورفع مستواهم في اللغة العربية وأن نضع سؤالًا في مخيلاتنا ونحاول الإجابة عليه بكل صدق، هل هذا المنهاج الجديد يهدف لتعليم وتدريس أولادنا اللغة العربية بحق، أم تراه الدرب الأسهل للإكراه بها ونفيها..!!

التعليقات