16/11/2011 - 15:57

الناظم العام لراهن السياسة الأمريكية الإسرائيلية

ولو لم يكن هذا هو الناظم العام، للسياسة الشرق الأوسطية لأمريكا وإسرائيل، ومن والاهما، بشكل مباشر أو غير مباشر، دولياً، بوعي أو بجهالة، عربياً وإقليمياً، إذاً، كيف يمكن تفسير التصعيد السياسي الأمريكي الإسرائيلي المفاجئ، وغير المسبوق، وبعد غياب طويل نسبياً، تجاه إيران، بذريعة اتهامها بالوقوف خلف محاولة اغتيال مزعومة للسفير السعودي في واشنطن تارة، وبذريعة حدوث تقدم، (لا وجود لدليل قاطع عليه)، على التقنية العسكرية لبرنامجها النووي تارة أخرى؟؟

الناظم العام لراهن السياسة الأمريكية الإسرائيلية

ليست مصادفة أو افتعالاً، بل، لأسباب موضوعية تتعلق بأهمية الموقع وإستراتيجيته، وغنى الثروات وتنوعها، اكتسبت، ولا تزال، السيطرة على منطقة الشرق الأوسط، وفي قلبها المنطقة العربية، أهمية إستراتيجية في حسبة السيطرة على العالم والتحكُّم بمصيره، ما يفسِّر دخول الإمبراطوريات بمسمياتها سابقاً، والقوى العظمى بألوانها لاحقاً، وآخرها أمريكا المتحكمة بالسياسة الدولية ومؤسساتها وقراراتها منذ عقدين، على خط أي تحولات داخلية نوعية، ذات انعكاسات إستراتيجية ميزان القوى والنفوذ في هذه المنطقة.


واليوم ليس بحاجة لبرهان أن ما يسود هذه المنطقة من تصعيد سياسي مفتوح على كل الاحتمالات، بما فيها احتمال أن تكون مسرحاً لمزيد من الحروب، بمعزل عن مداها، وتوقيتها، ومكانها، إنما يتعلق بما تشهده من تحولات نوعية، سواء لجهة الحراك الشعبي العربي وتداعياته وارتداداته، أو لجهة تنامي القوة الإيرانية وطموحاتها الإقليمية وتأثيراتها، كتحولين، (على ما بينهما من تشابك وتداخل)، من شأنهما زعزعة السيطرة السياسية والاقتصادية والأمنية للولايات المتحدة فيها، من خلال ما يمكن أن يفضيا إليه من انهيارات للمزيد من الأنظمة الرسمية العربية التي رهنت مصيرها بهذه السيطرة الأمريكية ومصيرها، ناهيك عن انعكاس كل ذلك على إسرائيل، الحليف الإستراتيجي الثابت، والعصا الغليظة، للولايات المتحدة في هذه المنطقة، بما تمتلكه من قوة ردع هائلة، لكنها بالتأكيد نسبية وغير مطلقة، بل، وآخذة بالتآكل، كما اعترف أصحابها وحلفاؤها، حتى قبل انفجار مرجل الغضب الشعبي العربي، وكان فشل، (حتى لا نقول هزيمة)، القوة العسكرية الإسرائيلية، في العدوان على لبنان عام 2006، حدثاً مفصلياً، كشف عن الفرق بين الفعلي والمُضَخَّم لهذه القوة.


عليه، كان من الطبيعي أن تعمل قوى الثورة المضادة، عربياً وإقليمياً ودولياً، بهندسة أمريكية إسرائيلية واضحة، على لجمِ، وفي أقله احتواء، ما يعصف بالمنطقة من تحولات داخلية، بما في ذلك العمل على حرفِ الحراك الشعبي العربي عن مساره الحقيقي، الذي انطلق بفعل تناقضات وطنية وديمقراطية داخلية واقعية، اعتملت لعقود، حتى انفجرت، وليس بفعل مؤامرة خارجية معدَّة سلفاً، كما يعتقد البعض ببراءة، تبتلع ما روجت، وما زالت تروج، له بوعي، الأنظمة الرسمية العربية، سواء تلك التي تحركت شعوبها، أو تلك التي تخشى أن يأتي دورها.


وأكثر، فإنه، وبعيداً عن التبسيط الذي تنطوي عليه نظرية المؤامرة في قراءة الانتفاضات الشعبية العربية، فإن مواجهة هذه الانتفاضات بالحلول الأمنية، هي المسؤول الأساسي عن تسهيل الطريق أمام التدخلات المحتومة لقوى الثورة المضادة، دولياً وإقليمياً، في مجريات هذه الانتفاضات، تماماً كما كان طغيان هذه الأنظمة مسؤولاً عن تسهيل الطريق أمام التدخلات الأجنبية في القضايا الديمقراطية والوطنية والقومية للأقطار العربية على مدار عقود، ذلك بحسبان أن "الطغاة يعبِّدون الطريق للغزاة". بل، إن طغيان هذه الأنظمة، وبقدرِ ما انطوى على خلقِ معارضات متسقة، تربط بين الوطني والديمقراطي من المهام، فإنه قد خلق أيضاً معارضات "سلطوية"، همَّها الأساس الاستيلاء على السلطة، والحلول محل النظام، بأي وسيلة، بما في ذلك وسيلة الاستعانة بالأجنبي، لتقع، بالنتيجة العملية، وإن بالمقلوب، في ذات خطيئة الأنظمة، أي تسهيل الطريق أمام الغزاة، ذلك بمعزل عن النوايا، التي يقود، حتى الطيب منها، إلى بلاط جهنم، أي استمرار النهب الاقتصادي لثروات الوطن العربي، من خلال تكريس تبعية أنظمته السياسية للولايات المتحدة وحلفائها الإستراتيجيين الثابتين، وفي مقدمتهم إسرائيل، المطلوب الحفاظ على تفوقها، لا على ما عداها من الدول العربية فقط، بل، وعلى ما عداها من دول منطقة الشرق الأوسط وقواها، أيضاً.


هنا، ودون الغرق في التفاصيل، فإن إستراتيجية قوى الثورة المضادة للحراك الشعبي العربي، بهندسة أمريكية إسرائيلية جلية، إنما تقوم في حلقتها المركزية، أي في ناظمها العام، على إعادة المنطقة إلى مشهد ما قبل انفجار بركان الغضب الشعبي العربي، الذي طغى على ما غذته، بل، وخلقته أحياناً، إستراتيجيَّتا: "الاحتواء المزدوج"، (الحرب العراقية الإيرانية العبثية)، و"الفوضى الخلاقة"، (احتلال العراق وأفغانستان)، من صراعات وفتن ونزاعات طائفية ومذهبية وإثنية وقومية فتاكة، شهدنا آثارها الكارثية في العراق ولبنان واليمن والسودان والصومال، بل، وظل طموح إشعالها في مصر وسوريا، الدولتين العربيتين المحوريتين في الصراع العربي الإسرائيلي، قائماً.


ولو لم يكن هذا هو الناظم العام، للسياسة الشرق الأوسطية لأمريكا وإسرائيل، ومن والاهما، بشكل مباشر أو غير مباشر، دولياً، بوعي أو بجهالة، عربياً وإقليمياً، إذاً، كيف يمكن تفسير التصعيد السياسي الأمريكي الإسرائيلي المفاجئ، وغير المسبوق، وبعد غياب طويل نسبياً، تجاه إيران، بذريعة اتهامها بالوقوف خلف محاولة اغتيال مزعومة للسفير السعودي في واشنطن تارة، وبذريعة حدوث تقدم، (لا وجود لدليل قاطع عليه)، على التقنية العسكرية لبرنامجها النووي تارة أخرى؟؟ ثم ألا يكشف تزامن هذا التصعيد، مع التصعيد السياسي الرسمي العربي عموماً، والخليجي منه خصوصاً، والقَطَري تحديداً، ضد النظام السوري، عن نية مبيتة، وخطة مدروسة، لإعادة مشهد المنطقة، من مشهد شعوب عربية كسرت حاجز الخوف، وهبت لاستعادة سيادتها المغتصبة من أنظمة سياسية استبدادية، يرتبط معظمها، بعلاقة تبعية للسياسة الأمريكية المعادية لمصالح الشعوب العربية وتطلعاتها وقضاياها، وأولها القضية الفلسطينية، إلى مشهد صراعات الطوائف والمذاهب والإثنيات، وبالأساس، إلى مشهد صراع مختلق بين السنة والشيعة، أو إلى مشهد صراع، (بالحد الأدنى مُضخَّم)، بين العرب والفرس، مع كل ما يمكن أن يتفرع عن ذلك، من صراعات مفتعلة في هذا القُطر العربي أو ذاك، تقود، منفردة ومجتمعة، إلى التغطية على، بل، وتغييب، أصل الداء والبلاء في معاناة الشعوب العربية، والمتمثل في استبداد أنظمتها، وتبعيتها للولايات المتحدة، وعجزها عن مواجهة تحديات الصراع الحقيقي مع حليفها الإستراتيجي الثابت والاستثنائي، إسرائيل.


قصارى القول،هذا هو الناظم العام، للسياسة الأمريكية الإسرائيلية، ومن والاها، عربياً وإقليمياً ودولياً، تجاه تحولات المنطقة الإستراتيجية، التي على حسم نتائجها، يتحدد مستقبل المنطقة، وميزان قوى السيطرة والنفوذ فيها، لعقود عدة قادمة.
 

التعليقات