02/01/2012 - 13:24

الحماية الغائبة: بين المقاومة والحكومة والمواطن / محمود أبو رحمة

ينصب الاهتمام حالياً على عملية المصالحة التي يبدو أنها تسير نحو الأمام، بما في ذلك المصالحة المجتمعية التي يُأمَل أن تهدئ النفوس من خلال الاعتذار عن تلك الأخطاء التي أودت بحيوات وممتلكات كثيرة، وكذلك جبر الضرر عن الأسر المتضررة

الحماية الغائبة: بين المقاومة والحكومة والمواطن / محمود أبو رحمة
ينصب الاهتمام حالياً على عملية المصالحة التي يبدو أنها تسير نحو الأمام، بما في ذلك المصالحة المجتمعية التي يُأمَل أن تهدئ النفوس من خلال الاعتذار عن تلك الأخطاء التي أودت بحيوات وممتلكات كثيرة، وكذلك جبر الضرر عن الأسر المتضررة.

كما ينتظر أن يطرأ تحسن ملموس على حالة الحريات العامة والمناخ السياسي في قطاع غزة والضفة الغربية. وفيما يمكننا الاطمئنان إلى أن ضحايا الانقسام سيتم الاهتمام بهم، يبقى ضحايا كثيرون غيرهم لا نسمع بهم ولا يحذونا الأمل بأنه سيتم النظر في الغبن واالضرر الذي تعرضوا له، أولئك هم ضحايا المقاومة والحكومة في ظل الانقسام.

فالمقاومة الفلسطينية – وبصرف النظر عن أدواتها وأشكالها - خلقت من رحم النكبة، ولا يزال زيتها هو كل فلسطيني في كل وقت وفي كل مكان. ولم يكن لها أن تشهد صموداً أو انتصاراً بدون الجماهير التي احتضنتها وتحملت عبء الصمود، فهي حاضنتها وحاميتها. ومن زاوية أخرى، أكدت المقاومة على أهداف من بينها حماية الشعب وحقوقه الثابتة ومشروعه الوطني، بل وشددت على أن حماية المواطنين هو واجبها أيضاً.
ومنذ العام 1994، وفي ظل حكم فلسطيني لأول مرة في تاريخنا الحديث، تحققت إنجازات على صعيد الأمن الشخصي والرفاه، وأصبحت الحكومة الفلسطينية منجزا هاما طلب من الجماهير دعمه وحمايته. هذه هي الصورة الجميلة التي تتركز عليها الأنظار، فالمقاومة والحكومة يحتضنهما الشعب وهما بالتالي تبذلان الغالي لتأمين كرامتة وحمايتة.

بيد أن الواقع المعاش يظهر حالات يجد فيها المواطن نفسه على تضاد مع المقاومة والحكومة، وأحياناً يجد نفسه في تحالف مستغرب مع القطاع الخاص، وهي حالات أكثر مما يتصور كثيرون منا. السؤال هنا هو: من سيحمي المواطن من الحكومة أو المقاومة إذا ما كانت إحداهما أو كلاهما في موقف يتسبب بالضرر أو الظلم له؟ من المحزن أن الحماية في هذه الحالة تختفي تماماً، لنجد المواطن ضحية لحالة فظيعة من البؤس والشعور بالظلم. فالمقاومة تحمي من الآخرين، من الأعداء، والحكومة تحمي من الأفراد والعصابات، ولكنهما تقفان عاجزتين، أو غير ربما راغبتين، في حماية المواطن منهما أو من نفسيهما.

تفيد المشاهدات اليومية أن احتجاز واستدعاء واعتقال مواطنين متواصل، لا على أرضية أفعال منافية للقانون قاموا بها، بل غالباً على أرضية الانتماء والرأي السياسي وأحياناً الاجتماعي. كما شهدنا قمع الحريات العامة والتظاهرات السلمية والاعتداء على المشاركين فيها، وتعرض مئات المواطنين لسوء المعاملة والتعذيب والتخويف، ولم يعرف إلا عن حالات تعد على أصابع اليد تم التحقيق فيها مع من انتهكوا حقوق المواطنين، ولم نسمع عن محاسبة أشخاص عليها، رغم تعارضها السافر مع القانون الفلسطيني.

وقد توفي عدد من المواطنين أثناء الاحتجاز في مراكز التحقيق الفلسطينية في كل من قطاع غزة والضفة الغربية دون أن يسجن أحد على تعذيبهم، ولم يتم تعويض أسرهم في كل الحالات. والأنكى من ذلك المبالغة في بذل الجهود لحماية مرتكبي انتهاكات ضد المواطنين، سواء رجال شرطة أو أمن ممن يسيئون معاملتهم، أو معلمين وأطباء ممن يرتكبون أفعالاً لا يقبلها أحد، حيث يقف النظام حامياً لهؤلاء، فلا تقارير إثبات ولا تحقيقات جدية في حالات الاشتباه بالإهمال أو سوء الممارسة إلا ما ندر وإذا حدث فلا نسمع عن محاسبة.

ومن جهة أخرى تفيد التقارير المتوفرة إلى تزايد الحالات التي يقع فيها مواطنون ضحيةً لعدم اكتراث المقاومة بهم وبحياتهم، لا بل وعدم تحمل مسؤولية أفعال لا يصدقها العقل من قبل المقاومة. وقد أصيب عدد من المواطنين قرب مواقع تدريب لفصائل المقاومة، بما في ذلك أطفال تعرضوا لإصابات خطيرة ومواطنون فقدوا عيونهم وتعرضوا لمعاناة شديدة بسبب الإصابة جراء استخدام الذخيرة الحية بشكل غير مسؤول في هذه المواقع (وأشير هنا بالتحديد إلى موقع للتدريب يقع في مدينة بيت لاهيا لا يزال يهدد السكان كل يوم)، حيث أصيبت طفلة وهي في مدرستها عندما وقع انفجار في الموقع المشار اليه أثناء الدوام المدرسي بتاريخ 20/09/2011.

كما تتكرر الانفجارات في مناطق مكتظة، ويقع ضحيتها مدنيون معظمهم من الأطفال، وحالات إطلاق النار بالخطأ في المنازل من أسلحة يفترض أنها للمقاومة. ولعله من المستغرب، بل والمدان، اختيار أماكن مواقع التدريب والمواقع العسكرية، أو القيام بأعمال مقاومة ضد الاحتلال من أماكن قريبة من منازل المواطنين في مناطق سكنية تتأثر بالضرورة بأي رد من قبل قوات الاحتلال، حيث تضرر كثير من المنازل من جراء سقوط صواريخ المقاومة عليها أو بجوارها، متسببة بجرحهم وبخسائر مادية في منازلهم نادراً ما علمنا بأنه يتم جبرها أو تعويضها من قبل أي جهة كما ينبغي.

بالإضافة إلى أن هذه المواقع عرضة للاستهداف في أي وقت من قبل الطائرات الإسرائيلية. فقد استهدفت طائرات الاحتلال بتاريخ 9/12/2011 موقعاً للتدريب تابع لأحد فصائل المقاومة قرب أبراج المقوسي بحي النصر، ما أدى الى استشهاد رجل وابنه البالغ من العمر 11 عاماً وإصابة زوجته وأطفاله الأربعة، أحدهم ما يزال يتلقى العلاج في مستشفى اسرائيلي، كما دمر منزلان في الجوار. وكان صاحب المنزل يستشعر الخطر باستمرار وطلب من أفراد المقاومة النظر في وضع أسرته التي تسكن منزلاً مجاوراً لموقع التدريب، فأهمل طلبه، وطلب منه الرحيل عن المنطقة رغم أنه لا يملك الموارد اللازمة لذلك، فقضى الرجل بالطريقة التي كان يخشاها.

ومن المؤلم أن هذه الحالة من عدم الاكتراث مستمرة، فمن سقوط صواريخ محلية الصنع على مدارس ومنازل، إلى تضرر مدارس عند قصف مواقع تدريب مجاورة، وقتل وإصابة مواطنين، بمن فيهم أطفال تزامناً مع تدريبات عسكرية للمقاومة في موقع للتدريب قرب المدارس والمنازل، وانفجارات متعددة لأجسام في أيدي أطفال، إلى إصابة أطفال في مدارسهم بنيران توصف بأنها مجهولة المصدر، وهناك الشاب الذي أطلقت النار على أرجله في صالون للحلاقة لأنه تجرأ على القيام بإساءة لفظية ضد أحد قادة المقاومة المحليين.

كما تقع اعتداءات يقوم بها ما يشكل تحالفا مسيئا يظهر أكثر وضوحاً في منطقة الأنفاق، حيث تفعل آليات التجارة والربح والمصلحة فعلها بطرق تثير السخرية والحزن في آن. هناك المئات ممن اعتقلوا، ظلماً أو بحق، خارج نطاق القانون والقضاء، بل وفي ظروف غير إنسانية، أو صدرت بحقهم عقوبات تتجاوز حقوقهم من خلال ما يسمى بلجنة الأنفاق، وهي لجنة تتجلى فيها تحالفات مريبة بين تجار ومالكي انفاق ومؤسسة إنفاذ القانون، وبشكل أقل وضوحاً بعض من نشطاء المقاومة.

وقد يقول قائل أن الأخطاء تقع عندما نعمل، فهذه طبيعة الأشياء. وأنا أتفق مع ذلك تماماً. بيد أن الاختبار الحقيقي هنا لا يتمثل فيما إذا ارتكبت المقاومة أو الحكومة أخطاء أم لا، بل في ماذا فعلت بعد وقوع هذه الأخطاء؟ فهل تم إجراء مراجعات موضوعية للأخطاء ونتائجها؟ وهل استخلصت العبر منها؟ وهل عوقب من يرتكب الأخطاء نفسها بعد مراجعة أمينة؟ وهل تم جبر الضرر عن ضحايا هذه الأخطاء من المواطنين؟ للأسف الشديد فإن إجابات هذه الأسئلة هي في الغالب بالنفي، وهو ما يفسر استمرار وقوع مثل هذه الحوادث والممارسات، وبقاء مواقع التدريب في أماكن تشكل خطراً هائلاً على حياة وممتلكات المواطنين.

وتبرز هنا المعضلة الأساسية، فمن الذي سيحمي المواطن من ممارسات المقاومة الخاطئة، التي غالباً ما تسببت في فقدان حياة مواطنين أو بمعاناة كبيرة لهم؟ أهي الحكومة؟ ومن سيحمي المواطن من تعسف الحكومة؟ أهي المقاومة؟ من الواضح أن الحكومة إما غير قادرة أو غير راغبة في فتح تحقيقات أو العمل مع المقاومة على اتخاذ إجراءات من شأنها حماية المواطنين من الأخطار المستمرة، كما هو واضح عدم اكتراث المقاومة بانتهاكات الحكومة لحقوق المواطنين التي يكفلها القانون، ويكفلها منطق وجود المقاومة.

وهنا تبرز الحقيقة المرة، فالعلاقة بين الشعب والمقاومة والحكومة تبدو وكأنها تسير باتجاه واحد، إذ يحتضن الشعب مقاومته وحكومته ولا يبخل عليها بالموارد البشرية أو المادية، في حين يظهر غياب الحماية والاهتمام من الطرف الآخر بشكل قاسٍ وصلف لا يمكن أن يفهمه عاقل. إن مقاومةً وحكومةً لا تحترمان شعبهما ولا توفران له الحماية، ولا تبذلان الجهد الضروري للوقوف أمام الذات ومنع الضرر وجبره عن المواطنين لا يمكن لها أن تتوقع الدعم والتأييد منا إلى الأبد.

إن هذا المقال لا يهدف إلى جلد المقاومة أو الحكومة، أو الدعوة لإجراءات تقوضها، أو تصويرها على أنها شر خالص، فليس على الأرض شر خالص أو خير مطلق، بل هناك بشر يعملون ويخطئون، وهو ما يعطي النقد وحرية التعبير أهمية كبيرة، فلا يمكن لنا أن نتوقع مراجعة جدية للذات أو تصويب للأخطاء، وتعزيز للإنجازات، وهي كثيرة، إن لم نشر لها بدون تجميل أو مواربة.

وهنا أدعو المقاومة والحكومة إلى تعزيز الجهود للمحافظة على العلاقة الخاصة والهامة مع شعبنا، والتي لا يمكن لها أن تحظى بصورتها الجميلة والمرجوة على المدى البعيد إلا إذا قام طرفا العلاقة باحتضان الآخر وحمايته، فهي علاقة بين طرفين.

التعليقات