05/01/2012 - 13:13

مضيق هرمز: ممر للنفط والحرب!../ علي جرادات

واليوم يأتي دور إيران مجدداً، ففي ضوء تنامي قوتها وتمدد دورها ونفوذها الإقليميين، وبذريعة تقدم برنامجها النووي، وادعاء اقترابها من امتلاك القوة النووية العسكرية، ناهيك عما تشهده المنطقة العربية من تحولات إستراتيجية، متشابكة مع ما يجري في إيران كدولة إقليمية نافذة، ترتفع حدة المواجهة السياسية بينها وبين الدول الغربية وإسرائيل. فقد أدى الانسحاب العسكري الأمريكي من العراق، ناهيك عما يجري في سوريا، على ما بين الأمرين من ترابط، إلى زيادة حدة هذه المواجهة السياسية، إذ فضلاً عن تصعيد عمليات الحرب السرية، هنالك تهديد أمريكي أوروبي، ترغبه إسرائيل، بزيادة العقوبات على إيران، بما في ذلك التهديد المُعلن بفرض حظرٍ على صادراتها النفطية، أي التهديد بإغلاق أنبوبة الأوكسجين الأساسية التي تتنفس منها رئة القوة الإيرانية

مضيق هرمز: ممر للنفط والحرب!../ علي جرادات
في بداية ثمانينيات القرن المنصرم، شهدت منطقة الشرق الأوسط تحولين نوعيين: إطاحة نظام الشاه الإيراني، الحليف الإستراتيجي للولايات المتحدة وإسرائيل، من جهة، وتنامي قوة العراق، وسيره باتجاه أن يكون لاعباً عربياً وإقليمياً أساسياً، من جهة ثانية. ومنذ وقوع هذين التحولين النوعيين وحتى الآن، ومنطقة الشرق الأوسط بعامة، ومنطقة الخليج العربي بخاصة، تشهد حالة ممتدة من المواجهات السياسية، تمخضت عن نشوب عدة حروب مدمِّرة. فمن الحرب العراقية الإيرانية العبثية، التي شجعت عليها الولايات المتحدة وحلفاؤها، الدوليون والإقليميون، ضمن إستراتيجية "الاحتواء المزدوج" للقوتين العراقية والإيرانية، إلى اجتياح العراق للكويت عام 1990، الذي كان في التحليل الأخير، بمثابة مصيدة، وقع فيها النظام العراقي المتهور والمنتشي بانتصاره على إيران، حيث جرى استخدام هذا الاجتياح ذريعة لشن العدوان الثلاثيني المخطَّط، بقيادة الولايات المتحدة، على العراق عام 1991، مع كل ما واكب هذا العدوان وتبعه من أشكال متعددة وجائرة وقاسية من الحصار السياسي والاقتصادي، أفضى إلى إنهاك العراق، وتفجير تناقضاته الداخلية، تمهيداً للغزو الأمريكي له واحتلاله في العام 2003، ما قاد إلى تدميره، لا كنظام سياسي فقط، بل، وكدولة ودور وكيان وهوية وطنية وقومية أيضاً.           
 
   واليوم يأتي دور إيران مجدداً، ففي ضوء تنامي قوتها وتمدد دورها ونفوذها الإقليميين، وبذريعة تقدم برنامجها النووي، وادعاء اقترابها من امتلاك القوة النووية العسكرية، ناهيك عما تشهده المنطقة العربية من تحولات إستراتيجية، متشابكة مع ما يجري في إيران كدولة إقليمية نافذة، ترتفع حدة المواجهة السياسية بينها وبين الدول الغربية وإسرائيل. فقد أدى الانسحاب العسكري الأمريكي من العراق، ناهيك عما يجري في سوريا، على ما بين الأمرين من ترابط، إلى زيادة حدة هذه المواجهة السياسية، إذ فضلاً عن تصعيد عمليات الحرب السرية، هنالك تهديد أمريكي أوروبي، ترغبه إسرائيل، بزيادة العقوبات على إيران، بما في ذلك التهديد المُعلن بفرض حظرٍ على صادراتها النفطية، أي التهديد بإغلاق أنبوبة الأوكسجين الأساسية التي تتنفس منها رئة القوة الإيرانية.
 
   بالمقابل، هددت إيران باستخدام الورقة الأكثر فعالية بيدها، أي إغلاق مضيق هرمز، الذي يربط أكبر خزان نفطي بالسوق العالمية، ويمر عبره 40% من تجارة النفط الدولية، بل، ويلعب منذ القرن السابع الميلادي، دوراً مهماً في التجارة العالمية بشكل عام، باعتباره المنفذ البحري الوحيد الذي يربط الخليج العربي بخليج عمان، وكانت إيران قد استخدمته كورقة ضغط أساسية في حربها مع العراق، حيث لجأت إلى إغلاقه أمام السفن العراقية في مرحلة حرب الناقلات عام 1984، ما دفع العراق في حينه إلى خيار الاستفادة من خطوط الأنابيب التي تمر عبر تركيا والسعودية، حيث وافقت الأخيرة آنذاك، على بناء خط أنابيب لصادرات العراق عبر أراضيها إلى البحر الأحمر، وهو الخط الذي لم يعد مستخدماً.
 
   ففي أعقاب التهديد الأمريكي الأوروبي بفرض حظرٍ على الصادرات النفطية لإيران، هددت الأخيرة، وعلى لسان النائب الأول للرئيس الإيراني، محمد رضا رحيمي، بإغلاق مضيق هرمز، في حال تم فرض مثل هذا الحظر. وبدوره حذَّر المندوب الإيراني في منظمة "أوبك"، محمد علي خطيبي، بالقول: "إن على الغرب التراجع عن فكرة فرض مثل هذا الحظر، لأنه سيؤدي إلى وضع استثنائي، يجعل كل شيء قابل للحدوث، بما في ذلك إغلاق مضيق هرمز، ومنع تصدير أي نفط من منطقة الخليج". أما قائد البحرية الإيرانية، الأدميرال، حبيب الله سياري، فقال: "يعرف الجميع أن هذا المضيق، بأهميته وإستراتيجيته، يقع تحت السيطرة الكاملة للقوات المسلحة الإيرانية، التي من السهل عليها إغلاقه، كما يسهل على المرء شربَ كأسٍ من الماء".
 
   وفي تعقيبه على هذه التصريحات الإيرانية الغاضبة، هدد الناطق باسم وزارة الدفاع الأمريكية، (البنتاجون)، قائلاً: "لن يتم التسامح مع أي عرقلة لحركة الملاحة في مضيق هرمز". هذا فيما لا يزال الأوروبيون منقسمين حول جدوى فرضِ الحظر على النفط الإيراني. ففي حين تدافع فرنسا وألمانيا عن فكرة هذا الحظر، فإن دولاً أوروبية أخرى ما زالت مترددة إزاءها، بل، ومنها من يعارضها. أما إسرائيل، فقد بات معلوماً للقاصي والداني، أنها كانت، وما زالت، من أشد الداعين، لا إلى زيادة العقوبات وتشديدها على إيران فقط، بل، وإلى دفع المواجهة السياسية بينها وبين الدول الغربية نحو الحرب، تماما كما فعلت إبان المواجهة السياسية للدول الغربية، والولايات المتحدة تحديداً، مع العراق.
 
   بهذا التهديد الأمريكي والأوروبي، المرغوب إسرائيلياً، بفرضِ حظرٍ على تصدير النفط الإيراني، وما تلاه من ردٍ غاضب لإيران، تمثل في التهديد باستخدام ورقتها الأكثر فعالية، أي إغلاق مضيق هرمز، تكون المواجهة السياسية بين إيران والدول الغربية وإسرائيل، قد بلغت ذروتها، ودخلت طوراً تصعيدياً خطيراً، ينذر بوضع منطقة الخليج، بل، ومنطقة الشرق الأوسط عموماً، على حافة الانزلاق إلى كارثة، فحتى لو افترضنا أن التهديد الغربي والتهديد الإيراني المضاد، يأتيان من قبيل إظهار كل طرف لعوامل قوته، بغرض تحسين شروطه التفاوضية، فإن مجرد اللجوء إلى استخدام هذا المستوى من التهديدات، بصورة رسمية وعلنية، إنما يعبِّر عن ترنُّح الحل الدبلوماسي للمواجهة السياسية، واقتراب وصوله إلى طريق شبه مسدودة، بما يدفع أكثر فأكثر نحو احتمال وقوع المواجهة العسكرية، التي تصبح محتومة، في حال تعذر الحل الدبلوماسي، ذلك بمعزل عن متى، وكيف، وبأي سيناريو، تقع. فالحرب، أية حرب، لا تندلع بدون مقدمات، بل، دوماً تسبقها مواجهة سياسية، يستعصي حلها بلغة السياسة الدبلوماسية الناعمة، ما يفتح الباب، موضوعياً، أمام تقدمِ لغتها الثانية العنيفة، أي الحرب. هذا ناهيك عن أن الحديث يدور عن مواجهة سياسية، نشأت منذ إطاحة نظام الشاه، قبل 32 عاماً، لم يتمكَّن طرفاها خلالها، من التوصل إلى حل دبلوماسي لها، بل، وأفضت مع غيرها من التحولات النوعية التي شهدتها المنطقة، إلى اندلاع أكثر من حرب تدميرية، وكان تدمير العراق الدولة أبرز نتائجها الكارثية.
 
   إن بلوغ المواجهة السياسية الإيرانية مع الدول الغربية وإسرائيل، هذا المستوى من التصعيد، لا يعكس انسداداً متزايداً للطريق الدبلوماسي لحلها فقط، بل، ويعكس أيضاً ثوابت السياسة الغربية عموماً، والأمريكية خصوصاً، تجاه المنطقة، كسياسة أفضت إلى إغراق هذه المنطقة في سلسلة من الحروب، لأنها، كانت، وما زالت، قائمة على مرتكزات إستراتيجية ثابتة، لا تتغير، هي: ضمان تبعية هذه المنطقة والسيطرة عليها، ونهب ثرواتها، والحفاظ على تفوق حليفتها الإستراتيجية الثابتة، إسرائيل، فيها. وبالتالي، فإن لا غرابة، والحالة هذه، أن يتطور التصعيد الحاد في المواجهة بين إيران والدول الغربية الناهبة، ومعها إسرائيل، إلى حرب إقليمية واسعة لا تبقي ولا تذر. فمضيق هرمز ليس ممراً لتدفق النفط إلى حلق الدول الغربية، بقيادة الولايات المتحدة فقط، بل، يمكن أن يصبح ممراً لاندلاع الحرب، أيضا.

التعليقات