07/01/2012 - 13:55

المصالحة والمسؤولية التاريخية../ مصطفى إبراهيم

الضجيج الإعلامي يثار هذه الأيام حول إتمام المصالحة والتفاؤل الذي يبديه الطرفان وتشكيل لجان المصالحة وبدء أعمالها، وما صاحب ذلك من استهجان الناس بعدم اعتراف المتخاصمين بالمسؤولية التاريخية والأخلاقية والقانونية عما وصلت إليه القضية الوطنية الفلسطينية جراء الانقسام وتدميره النسيج الاجتماعي

المصالحة والمسؤولية التاريخية../ مصطفى إبراهيم
الضجيج الإعلامي يثار هذه الأيام حول إتمام المصالحة والتفاؤل الذي يبديه الطرفان وتشكيل لجان المصالحة وبدء أعمالها، وما صاحب ذلك من استهجان الناس بعدم اعتراف المتخاصمين بالمسؤولية التاريخية والأخلاقية والقانونية عما وصلت إليه القضية الوطنية الفلسطينية جراء الانقسام وتدميره النسيج الاجتماعي.
 
وكانت الطريقة التي تم فيها تشكيل اللجان بشكل فصائلي بحت مثار استغراب الناس، حيث استثني منها الشخصيات الوطنية والمستقلة الوازنة ومؤسسات المجتمع المدني خاصة مؤسسات حقوق الإنسان، بما في ذلك التشكيل الغريب للإطار القيادي لمنظمة التحرير من شخصيات رأسمالية، فرضت علينا ولا تمثل أطياف الشعب الفلسطيني.
 
وتسابقت الفصائل على وضع ممثلين لها في كل لجنة في طريقة معيبة للفلسطينيين ونضالهم، وكان همهم أن يكونوا ممثلين في لجان لمضيعة الوقت والثرثرة، وبعضهم كان جزءا من تعزيز الانقسام، في حين غيبوا عن اللقاءات الثنائية التي جرت في غرف مغلقة بين الرئيس محمود عباس وخالد مشعل بعيدا عن شراكة الكل الفلسطيني.
 
كما عبر الناس عن دهشتهم حول آلية عمل لجان المصالحة والبدء في عقد اجتماعاتها تحضيرا لفض الخصومات الاجتماعية والبحث في ملف الحريات العامة والمعتقلين السياسيين، والاختلاف إذا ما كان هناك اعتداء على حال حقوق الإنسان ووجود معتقلين سياسيين من عدمه.
 
وفي ظل الضجيج الإعلامي أيضا فاجأتنا الأنباء عن اللقاء الذي عقد في عمان بين إسحاق مولخو وصائب عريقات في طريقة اعتبرت إهانة للفلسطينيين بعد إتمام المصالحة واعتقاد الناس بأن ملف إنهاء الانقسام هو الأولوية على كل الأولويات.
 
هل يعقل الذهاب إلى عمان والاستيطان مستمر وتهويد القدس والاحتلال ماض في مشاريعه ومخططاته ونحن نبحث في اللجان، والضجيج الإعلامي مستمر حول هل هناك معتقلون سياسيون أم لا؟
 
ومن الغريب والمريب أن ينبري أعضاء اللجان عبر وسائل الإعلام للحديث عن تشكيل اللجان وما تم بحثه، عدا عن التفاهمات حول من يتولى رئاسة اللجان وتوزيع المهام والمناصب، وترك المشكلات الحقيقية والحياتية ليشغلوا الناس بالتصريحات الإعلامية.
 
هل تكون هذه هي موضوعات المناقشة في حالنا والواقع الذي نحياه، وعلينا مواجهة التحديات الجسام ما بين استمرار الانقسام والاحتلال، وإعادة تعريف ماهية المشروع الوطني الفلسطيني وبناء النظام السياسي الفلسطيني على أساس الشراكة؟ والبدء فورا في تطبيق إجراءات بناء الثقة، نشكل اللجان للدراسة والبحث إذا ما كان هناك اعتداءات على الحريات وحقوق الإنسان؟
 
وبدلا من العمل فورا في تطبيق بنود الاتفاق في ظل استمرار الاحتلال والعدوان والحصار، والأوضاع السيئة وانتشار البطالة والفقر، وبدلا من العمل الفوري على إعادة الاعتبار للقضية واستعادة الوحدة لتعزيز عوامل صمود وقوة الناس لاستمرارهم في الكفاح والنضال على طريق نيل حقوقهم الوطنية في الحرية والاستقلال والعودة.
 
وبدلا من أن تقوم الفصائل بحث الناس على استعادة عافيتهم وقوتهم والاحتشاد واستجماع القوى لأجل الضغط على طرفي الانقسام وردم الهوة والتأسيس لمجتمع قوي متسامح ومتصالح في انطلاقه لبناء المستقبل الذي يليق بالفلسطينيين، الفصائل فرحة بما سمح لها من المشاركة في لجان المصالحة ويتحدثون بأمور لا تشكل أي أولوية في حياة الناس الذين يعانون الأمرين وتهدر كرامتهم وتواقون للتخلص من الانقسام وتركته الثقيلة.
 
فالأولوية هي الاعتراف بالمسؤولية التاريخية من قبل طرفي الانقسام وعدم تبرئة نفسيهما من السبب في الانقسام وتبعاته، والجدية في تطبيق بنود الاتفاق لإتمام المصالحة والوفاق الحقيقي القائم على الشراكة، وعدم تضييع الوقت في عقد اجتماعات اللجان وبحث المبحوث.
 
 وضرورة تمثيل مؤسسات حقوق الإنسان في لجنة الحريات كمؤسسات مستقلة ومهنية، وهي من تتابع حال حقوق الإنسان، كذلك البعد عن تعيين الوزراء والوظائف العليا في الحكومة المقبلة بشكل فصائلي وعشائري قائم على المحاصصة، وعلى الفصائل أن تعترف بمسؤولياتها الأخلاقية في مساهمتها في تشتيت الناس وإشغالهم بأمور لا تعبر عن مصلحتهم الوطنية وإعادة النظر في تشكيل الإطار القيادي لمنظمة التحرير بإضافة شخصيات وطنية مهنية ومستقلة لها حضور سياسي واجتماعي.
 
من خلال ذلك وفي ظل الطريقة التي تم فيها تشكيل اللجان ومناقشة موضوعاتها يؤكد الفرق بين المصالحة الجدية والحقيقية وعدم الاعتراف بالمسؤولية التاريخية.

التعليقات