14/01/2012 - 12:53

ماذا بعد عودة الاعتبار لقضيتين وطنيتين/ عوض عبد الفتاح

لن نتقدم بالمستوى المطلوب دون رفع مستوى التفاعل إلى أقصاه داخل لجنة المتابعة وبين الأحزاب. ولا بدّ في سبيل ذلك المصادقة الفورية على الصبغة الانتقالية لإعادة بناء لجنة المتابعة. لعلّ أيضًا الائتلاف الشامل الذي تحقق بين كل القوى السياسية في إطار لجنة الطلاب العرب في جامعة حيفا بادرة مشجعة.

ماذا بعد عودة الاعتبار لقضيتين وطنيتين/ عوض عبد الفتاح

 

ربما لا زال المواطن العربي العادي غير مدرك لمعنى إعادة الاعتبار لقضيتين وطنيتين مؤخرًا عبر تبني لجنة المتابعة العليا لشؤون المواطنين العرب لهاتين القضيتين.
 
القضيتان هما؛ الأولى مخطط تصفية أملاك العرب في النقب، والثانية الشباب العرب (من شفاعمرو) الذين يحاكمون بتهمة التصدي للمجرم ناتان زادة الذي ارتكب مذبحة بحق أربعة من أهالي شفاعمرو وعشرات الجرحى أوائل آب عام 2004. وتأتي إعادة الاعتبار بعد سنوات من القصور والإهمال، انشغلت خلالها الأحزاب والهيئات بملفات خطيرة أخرى.
 
وللتذكير فإن لجنة المتابعة هي العنوان القطري لعرب الداخل، والتي من المفترض أن تتحول بعد الإصلاح وإعادة البناء المستعصي حتى اللحظة، إلى قيادة وطنية تتأسس على الانتخاب المباشر، أو عبر التفاهم على مرحلة انتقالية تقود إلى الهدف المذكور.
 
لا حاجة للتذكير أن هاتين القضيتين ليستا سوى جزء من جملة قضايا تهم الفلسطينيين وإسرائيل مباشرة وهي قضايا تدرج تحت عنوان واحد هو: قضية عرب الداخل وحقوقهم. ولا نريد التوسع والحديث عن ارتباطها العضوي بقضية فلسطين برمتها، فهذه مسألة مفروغ منها وليست مجال البحث في هذه المقالة القصيرة.
 
ولكن ثمة حقيقة واحدة يجدر الالتفات لها وهي أن عرب الداخل يخوضون نضالهم لوحدهم وبقواهم الذاتية. هم غرفوا من تاريخ شعبهم وأمتهم عناصر هويتهم، وأجبرهم قمع نظام الأبارتهايد الاسرائيلي على التفاعل مع واقعهم مما دفعهم إلى تطوير أنفسهم كجماعة وطنية لها ملامح مجتمع دون أن يشكلوا حتى الآن حالة سياسية مستقلة أو شبه مستقلة.
 
ويُعزى غياب هذه الحالة إلى ظروف حياتهم المادية والسياسية المرتبطة بالاقتصاد الاسرائيلي المهيمن وبالديمقراطية الاسرائيلية وقواعد لعبتها. وعلى خلفية الحاجة لمواجهة هذا الواقع المركب بالطريقة الأفضل ينغمس هذا المجتمع في خلافات واختلافات سياسية وأيدلوجية وتكتيكية، مثله مثل حال جميع المجتمعات التي ترزح تحت واقع القهر. منها ما يشدّ باتجاه ترسيخ الأسرلة والاندماج، ومنها من يريد أن يحقّق الحدّ الأدنى من الاعتماد على الذات وتحويل العرب إلى حالة سياسية لها مقوماتها وديناميكيتها الداخلية.
 
الظروف الراهنة تشهد تسارعًا بل سعارًا في تنفيذ الاستراتيجية الاسرائيلية الرسمية تجاه المواطنين العرب – فلسطينيي الـ48. وهذا التسارع، يُعزى إلى تصاعد دور اليمين واليمين المتطرف في عملية صنع القرار الاسرائيلي وتشكيل سياسة الدولة العبرية، والذي يسعى إلى ضم مؤسسات حقوق إنسان اسرائيلية إلى مرمى الإقصاء الذي يتعرض له المواطنين العرب، وليتمكن من إحكام السيطرة المطلقة والدائمة على الدولة اليهودية.
 
كل ذلك يُضيف المزيد من العراقيل أمام التوجهات الوطنية المستقلة لعرب الداخل ومساعيهم للتأثير على حياتهم والتحكم بخطوط تطورهم. ولكن في المقابل فإن الأمر الطبيعي أن تستفزّ هذه السياسات الاسرائيلية المواطن العربي وتطرح أمامه خيارًا لا خيار غيره. هو خيار الصمود.. وبناء الذات.. والقيام بالفعل: الفعل بكافة أشكاله الشرعية والقانونية: الشعبي، السياسي، الثقافي والدولي.
 
وإزاء ذلك تطرح الأسئلة الصعبة، كيف نقوم بذلك، ومن يقوم بذلك. وما هي عناوين المرحلة النضالية الراهنة، ما هو المسموح وما هو المحظور. وما هي الإمكانيات المتوفرة للارتقاء بمستوى المواجهة.
 
لقد جرى وتجري ممارسة جميع أشكال النضال المذكورة، واتخذ هذا النضال الشعبي مستويات متقدمة وجريئة سقط منها ضحايا (شهداء) برصاص أجهزة الدولة العبرية القمعية. وقد كان لردة فعل الجماهير الفلسطينية وقواها الوطنية والإعلامية تأثير على ردع أجهزة القمع وعدم تكرار إطلاق النار على المتظاهرين العرب في مناسبات لاحقة حتى في حالة إغلاق شوارع. غير أن الصراع مع الدولة العبرية هو صراع مفتوح. فالدولة لم تسعَ إلى تسوية الصراع فحسب، بل سعت ولا تزال إلى إبقاء هذا الصراع مفتوحًا ومتأججًا لأنها تعتقد أنها لم تحسمه بعد. والمقصود أنها لم تأتِ بعد على الـ3% من الأراضي التي بقيت بحوزة الفلسطينيين في إسرائيل. كما أنها لم تعد تُخيفهم، ولا تردعهم عن التحول إلى صوت مسموع لدى العديد من المحافل الدولية، حيث يساهم هذا الصوت في تعرية جانب كان مهملاً في الدولة العبرية، ألا وهو علاقتها مع مواطنيها العرب. لا بل هم رفعوا سقف مطالبهم ورموا بمطلب المساواة الكاملة – (العدالة) في وجه الدولة العبرية. وهو بمثابة مصالحة تاريخية مع المجتمع اليهودي الاسرائيلي تشمل حقوق العرب في الداخل وحق العودة للاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم. لكن الدولة العبرية تعتبر هذا المطلب نفيًا لوجودها كدولة يهودية، بل لوجودها أصلاً.
 
المعركة صعبة وطويلة، والنظام الاسرائيلي الكولونيالي يزداد تغولاً ويعيش في حالة صراع بين هذا التغول وحاجته إلى المزيد من أعمال القمع والنهب بحق 20% من المواطنين من جهة، ومن جهة أخرى تقلص أفق الممارسة القمعية والمعادية للديمقراطية في ضوء الثورات العربية وركوب الغرب على موجة هذه الثورات والتظاهر بالتعاطف مع أهدافها الديمقراطية. بكلمات أخرى نظام الأبارتهايد الاسرائيلي يخشى انتقال الربيع العربي إلى فلسطين برمتها، حيث يبادر الفلسطينيون إلى نضالٍ شعبيٍّ عارمٍ يقلب المعادلة الصهيونية رأسًا على عقب. ولكن عرب الداخل لا يستطيعون انتظار حلول الربيع، فالربيع يصنعوه بأنفسهم، وبما يتلاءم مع ظروفهم، واستنادًا إلى تجربتهم الطويلة مع النظام الاسرائيلي وهم في حالة اشتباك يومي معه. هذه التجربة تحتاج إلى إحداث نقلة نوعية فيها، شعبيًا ومؤسساتيًا، الآن وليس غدًا.
 
عرب الداخل لهم ميدانهم الخاص

لعرب الداخل ميدان عمل خاص هو ميدان الدفاع عن هويتهم الوطنية، وخوض النضال من أجل حقهم في التطور الطبيعي. قد ينتظرون وقتًا طويلاً لضغوط إقليمية ودولية جدّية تمارس على إسرائيل، وهذا لن يتأتى إلا عبر تصعيد وتطوير أدائهم وأدوات نضالهم. ما تحقق حتى الآن من إنجازات كبيرة هو حصيلة هذا الجهد الجماعي والفردي المنظم والعفوي. لكن هذه الإنجازات تتعرض الآن لخطر حقيقي. النظام الاسرائيلي يعرف أن هذه الإنجازات تُستخدم لتركيم المزيد من الإنجازات، في إطار قانون التراكم الكمي الذي يتحول إلى نوعي بعد حين.
 
إنه يسابق الزمن، وكأنه يريد أن يحسم المسألة بالسرعة الممكنة وبقسوة أشدّ. ومن الأمثلة على ذلك، مخطط برافار الذي قدّم الأسبوع الماضي كاقتراح قانون، وسيبدأ بتطبيقه في غضون أشهر. الهدف هو السطو على 800 ألف دونم مما تبقى من أرض لعرب النقب وحشرهم (210.000 نسمة) على 1% مما يمتلكون. يشمل المخطط ميزانية خاصة لتمويل عملية فرض القانون – المخطط التصفوي. أي إقامة وحدات قمع لهدم البيوت وطرد ساكنيها وتدمير الزراعة ونقل الأرض فيما بعد إلى أيدي المستعمر الأبيض.
 
هذه القضية ظلت مهملة من القيادات العربية في الشمال أي من لجنة المتابعة لفترة طويلة. البعد الجغرافي، غياب الأطر الموحدة بين عرب النقب، التركيبة القبلية، كانت من العوامل التي كرست الإهمال وضعف الاهتمام بمسلسل ملاحقة عرب النقب منذ عشرات السنين. المخطط الأخير (برافار) استنفر الجميع لأنه يستهدف كل مواطن مباشرة، فشكلت القوى السياسية والأطر الأهلية في النقب الإطار الموحد – لجنة التوجيه- التي تمكنت من فرض قضية النقب على جدول أعمال القيادات العربية – لجنة المتابعة. فكان الإضراب الوطني في جميع أنحاء الوطن، إضافة إلى المظاهرة القطرية الكبرى في نفس اليوم 12.11.2011 في القدس.
 
هكذا أعيد الاعتبار لهذه القضية الوطنية مما يُشجع عرب النقب على التمسك بمواقفهم وبصمودهم. ويعزز العقد بين أبناء الشعب الواحد.
القضية الثانية هي قضية شباب شفاعمرو. أيضًا بعد إهمال لأكثر من ثلاث سنوات، والتي عمرها سبع سنوات، أعيدت إلى جدول أعمال لجنة المتابعة ولتطرح مجددًا كقضية وطنية قطرية وليست قضية شفاعمرية. القاتل نتان زادة، (ومن أرسلوه)، كان هدفه الأساسي قتل عرب أينما صادفهم. تصدى له الآلاف من أهالي شفاعمرو بشجاعة معهودة وانتزعوا البندقية منه وأردوه قتيلاً قبل أن يواصل ذبح المزيد. كانت الشرطة الاسرائيلية قد استقرت على سبعة من الشباب العرب الشجعان، ووجهت لوائح اتهام ضدهم بتهمة قتل المجرم زادة بعد الإمساك به. المفارقة التي اعتدنا عليها أن العديد من الاسرائيليين جنودًا أو مدنيين الذين قتلوا فلسطينيين بعد القبض عليه ظلوا طليقين. وقيل أنه كان دفاعًا عن النفس!!
لقد شعر الشباب السبعة الذين يُجبرون على حضور جلسات المحكمة أربعة أيام في الأسبوع من الساعة التاسعة إلى الرابعة بعد الظهر لمدة ستة أشهر بأنهم وحدهم، ولهذا تبعات نفسية ومادية كبيرة عليهم وعلى عائلاتهم، وخلل أخلاقي في سلوك الهيئات العربية التمثيلية.
 
في هذه الأثناء تطوع فرع التجمع في شفاعمرو، وعضو المكتب السياسي مراد حداد، لمواكبة القضية وإبقائها مشتعلة، فأصبحت منذ أشهر جزءًا من جدول أعمال التجمع حتى وصلت القضية إلى لجنة المتابعة لمتابعتها ودعم الشباب المتهمين قانونيًا وماديًا وسياسيًا. مارس الجميع نقدًا ذاتيًا على هذا القصور، والآن نحن في مرحلة جديدة. فالإرهاب الإسرائيلي بكل أشكاله، الرسمي وغير الرسمي، متوقع أن يتواصل.
 
خلاصة

ما سبق يعكس أمرين؛ الأول حجم وعدد الملفات الخطيرة المفروضة على عرب الداخل والذي يعكس توحشًا متزايدًا للدولة العبرية، والثاني،
 عجز المؤسسات التمثيلية لهذا الجزء من شعب فلسطين عن مواجهة هذه الملفات بفعالية.
 
وهذا العجز له جانبان؛ جانب موضوعي متعلق بجبروت الخصم الذي نواجهه، والثاني ذاتي يتصل بقدرة هذه المؤسسات ومن يتولاها على 
تفعيلها بصورة ناجعة.
القضيتان المذكورتان هما من القضايا الوطنية الأساسية.
 
إن إعلان الالتزام بهما والتقدم في تنفيذ هذا الالتزام هو مسألة وطنية وأخلاقية لا يجوز التهاون إزاءها.
لن نتقدم بالمستوى المطلوب دون رفع مستوى التفاعل إلى أقصاه داخل لجنة المتابعة وبين الأحزاب. ولا بدّ في سبيل ذلك المصادقة الفورية على الصبغة الانتقالية لإعادة بناء لجنة المتابعة. لعلّ أيضًا الائتلاف الشامل الذي تحقق بين كل القوى السياسية في إطار لجنة الطلاب العرب في جامعة حيفا بادرة مشجعة.

التعليقات