16/01/2012 - 11:33

هناك من يغضب لمنظر امرأة لا ترتدي حجابا أكثر مما يغضب لمنظر طفل لا ينتعل حذاء../ يونس العموري

لقطر الندى صرخة مدوية في حواري الزقاق، ولها أن تتألم من وجع اللحظة، فقد جاءت ساعة الحقيقة لتكتشف أن: هناك من يغضب لمنظر امرأة لا ترتدي حجاباً، اكثر مما يغضب لمنظر طفل لا ينتعل حذاء.. هذه الجغرافيا الممتدة من ذاك المحيط الفاصل إلى الخليج الذي يُراد له أن ينطق بالفارسية الجديدة، يتجول في ثنايا تلك العباءات الآتية من رحم الصحراء ومجاهيلها لتتلو مزامير كانت أن اندثرت في غياهب تيه الظلامية وفي ظل زهر اللوز الذي يحاول أن يتألق ويزهو، وحينما تصدح أهازيج فرح متسللة إلى بيوت الفقراء بليل العراء عند النار الموقدة المعلنة عن قدوم الفلاحين البسطاء، قد كانوا للتو هناك يحرسون القمر الساطع على حقولهم ويمارسون لعبهم وفرحهم ويهمسون بالشجن أحزان الثكالى، ويباغتهم ذاك الصوت النشاز متوعدا بجهنم وبئس مصيرهم.. حينها تطل تلك الشاردة من وقائعها ووقائع اللحظة الراهنة حيث المطاردة لتطاير خصلات شعرها وهو رجس من فعل الشيطان، وتستمر المطاردة لطفلة ابتسمت في زقاق الحواري لفتى حاول أن يقول ما قال أسلافه الأولون حينما تغنى آدم بحواء وهبط ببقاع المعمورة ملتهما التفاحة، وحواء كانت الجالسة خلسة، وأفسد الحسابات وتلك المعادلات لتتكون آدميته وبشريته بثوبها وشكلها....

هناك من يغضب لمنظر امرأة لا ترتدي حجابا أكثر مما يغضب لمنظر طفل لا ينتعل حذاء../ يونس العموري
لقطر الندى صرخة مدوية في حواري الزقاق، ولها أن تتألم من وجع اللحظة، فقد جاءت ساعة الحقيقة لتكتشف أن: هناك من يغضب لمنظر امرأة لا ترتدي حجاباً، اكثر مما يغضب لمنظر طفل لا ينتعل حذاء.. هذه الجغرافيا الممتدة من ذاك المحيط الفاصل إلى الخليج الذي يُراد له أن ينطق بالفارسية الجديدة، يتجول في ثنايا تلك العباءات الآتية من رحم الصحراء ومجاهيلها لتتلو مزامير كانت أن اندثرت في غياهب تيه الظلامية وفي ظل زهر اللوز الذي يحاول أن يتألق ويزهو، وحينما تصدح أهازيج فرح متسللة إلى بيوت الفقراء بليل العراء عند النار الموقدة المعلنة عن قدوم الفلاحين البسطاء، قد كانوا للتو هناك يحرسون القمر الساطع على حقولهم ويمارسون لعبهم وفرحهم ويهمسون بالشجن أحزان الثكالى، ويباغتهم ذاك الصوت النشاز متوعدا بجهنم وبئس مصيرهم.. حينها تطل تلك الشاردة من وقائعها ووقائع اللحظة الراهنة حيث المطاردة لتطاير خصلات شعرها وهو رجس من فعل الشيطان، وتستمر المطاردة لطفلة ابتسمت في زقاق الحواري لفتى حاول أن يقول ما قال أسلافه الأولون حينما تغنى آدم بحواء وهبط ببقاع المعمورة ملتهما التفاحة، وحواء كانت الجالسة خلسة، وأفسد الحسابات وتلك المعادلات لتتكون آدميته وبشريته بثوبها وشكلها....
 
في حسابات الربح والخسارة وحسابات السلطة تتوالى المفاجآت، فقد جاءت ثورة العبيد أخيرا وهذه المرة لم يظهر للعيان سبارتاكوس ليقول كلمته بالجمع ويحاول أن يجمع البسطاء من حوله، ولم يستعرض أمامهم بطولاته أو بالرماح أسقط أعداءه ... فقد كان سبارتاكوس يرمي بكلماته منذ مئات السنين في أفئدة المؤمنين بضرورة إسقاط الفرعون والمملوك والآتي إلى الحكم لا لشيء إلا لكونه ابن أبيه... واستجمع كل الفلاحين وهؤلاء المقهورين والتواقين للعيش فوق الأرض لا تحتها قوتهم وظنوا أنهم للخوف طاردون، وأسقطوا كل الجدران والقلاع، وكان السقوط مدويا والعروش ما هي إلا كرتونية وهشة كهشاشة الطين.
 
وحينما يسقط الخوف لابد من الردع والقتل بأمر آخر غير الآمر المعهود فجاء النعيق ممن يدعون الطهارة وممن يركضون ويتراكضون خلف أوامر السلطان وأولي الأمر، والأمر بالمعروف يبقى أمرا حصريا لولاة يأتون من خلف السراب. والليل أعلن عن حلكة سواده حينما اعتلى الكلام واحدا ممن يرى بالتغير وإسقاط الطاغية نصرا إلهيا وإذنا ربانيا لمطاردة الفريسة تلك التي لا ترتدي حجابا، ومن لا تؤمن بأحقية إرضاع الكبير، وأن صوتها عورة، ولا بد من إعادة عصر الرقيق والجواري وسبيهن جزءا من تنصيب الحق وإحقاق البيعة... وأما الجوع ومن يقضي يومه في سبيل العيش وكسرة الخبز فهذا جزء من الصراع الحياتي الطبيعي في ظل تصارع الحياة وأن ترى الحفاة العراة فذاك صراع الأضداد ومنطق الأشياء في الخلق والخليقة، وحتى يستوى العيش فالفقر من الأمور البديهية والذاتية بعمق الحضارة البشرية... وكل هذا على الأشهاد يا عباد... فذوو الدين الجديد قد صار لهم مكان تحت القباب، ولهم أن يقولوا وبالقوانين الآتية من تحت عباءتهم أن يتمنطقوا... ويدعون إنما بإرادة الله يتلفظون... وعند هذه اللحظة يصبح للواجب منطقا آخر، وعصر الحريم سيسود، وحينها لا بد من مطاردة الفريسة حتى ترتدي الحجاب، وإن كان الطفل في الحواري لا ينتعل حذاءا....
 
عندما يختلط الحق بالباطل، ويصبح الباطل سيد الموقف، لا بد من إعادة لتمركز المفاهيم وتعريفها والاتفاق على شكل وطبيعة منطلقاتها، وتحديد المعايير والمقاييس التي من خلالها من الممكن تحديد حقيقة الموقف، وطبيعة المعادلة الفعلية لخارطة التناقضات الحاكمة للفعل ولردات الفعل، وللحدث وتأثيراته على مختلف المستويات، وطبيعة صناعة المواقف تجاه أي من القضايا المتفاعلة على مختلف الساحات، حيث أننا نعيش بعصر ما عدنا من خلاله نستوعب الحدث وبالتالي صارت الخربشة، إذا ما جاز التعبير، سيدة الموقف.
 
وليس أدل على ذلك إلا ما بتنا نتلمسه بظرفنا العربي الراهن، وتراجع أولويات الوقائع العربية وهذا ليس تجنيا بقدر ما هو حقيقة.....
 
أستطيع أن أستوعب حجم الخربشة التي يعايشها المواطن اللاهث اليوم، فكل شيء بات متغيرا وعلى الأقل غير مفهوم بل إنه غير منضبط السياق في إطار الفهم المنطقي والمتسلسل لقياس الأبيض والأسود وببساطة الأشياء لماهية الأبيض وذاك الأسود، وما هو الصالح وما طبيعة الطالح بمعنى أن ثمة فوضى كبرى تغزو وجدان التفكير لدى الكثيرين من البسطاء، وحتى ممن يدعي أنه يعي قوانين اللعبة الدائرة رحاها الآن في المنطقة، فهناك انقلابات كبرى تحدث في أنماط التعاطي والتعامل مع مسائل الشأن العام عموما، وطبيعة مناهج إدارة الأزمات التي تعج بها الساحة العربية، وتلك التي بلا شك قد صارت جزءا من فعل التأثر والتأثير حيث صار من الطبيعي أن نشهد الكثير من المفاجآت التي قد تصل إلى درجة التحول في الفهم وانقلاب المفاهيم المنطقية للأمور كان تتصدر صغار الدول في المنطقة معسكر ما يسمى بالممانعة وهي التي يتمركز على أراضيها أكبر الأساطيل الغازية لقوى الهيمنة والاستعمار واستعباد الشعوب ... وان تصبح تجارة المواقف وبيعها وشراؤها واحدة من النمط العام الذي يسود العلاقات الدولية ما بين أجزاء ما يسمى بالوطن العربي، والذي أصبح الخلاف عليه وعلى تسميته وحتى على ترابطه أمرا فيه وجهة نظر ... فالقطرية وسيادتها صارت هي سيدة الموقف والشغل الشاغل لحكام هذه الأقطار، وسياسة المناكفة ما بين العائلات الحاكمة والمسيطرة هي الشغل الشاغل للفهم الدبلوماسي، والتشويه واحد من مستلزمات العمل وأدواته، والقفز عن الحقائق ومحاولة ليّ الأذرع مباحة بكل الأوقات والأزمان، والكل يتغنى بشعارات باتت مفرغة من محتوياتها العروبية القومية وحتى الوطنية التي من المفروض أنها منطلقة من الفهم الشعبي الجماهيري لماهية مصالحها وأهدافها، والأثمان تدفع سلفا لصالح الغول المتغول المسيطر على قوانين اللعب في المنطقة من خلال الهوامش الممنوحة لهذا القطر أو لذاك البلد، وحيث أن سيد اللعبة قد أضحى مكشوفا ومعروفا فلا بد من إطاعة الأمر وإلا فالعقاب بالانتظار من خلال الهجوم المضاد على الحاكم والنظام بسيف الديمقراطية والشفافية وما يسمى بالعدالة، ليُصار بالتالي إلى الإطاعة وإلا فستكون الإطاحة وتسويق مفاهيم الديمقراطية الكاذبة كما هو الحال ببلاد ما بين النهرين التي جاءته الديمقراطية على متن دبابة غازية، والكل كان متفرجا ويشهد إعدام العراق على مقصلة الذبح... وان يصبح الجهاد فنا من فنون القتل والتقتيل لكل من يختلف مع أولي الأمر فينا وفيهم مباحا ومستباحا والطريق إلى الجنة لا يمر إلا عبر القتل على الأشهاد، وتسويق ثقافة الموت التي صارت جزءا من مشهد العصر على حساب ثقافة رغد العيش أمرا مقبولا بل واجبا تصل الى حد الفرض الإلهي لصناعة النصر بصرف النظر عن الناصر والمنتصر وذاك المنهزم، ولابد من إلقاء الخطبة العصماء بحضرة الركام وغمام الغبار.... وحتى يكون للنصر ثقافة مؤدلجة إذن لابد من إقصاء الآخر الذي من الممكن أن يكون الشريك بالحلم وبلقمة العيش.... عبر التشويه تارة، ومن خلال رميه بأحضان الرذيلة تارة أخرى وكل شيء مباح في سبيل إحقاق النصر وتطويعه ....
 
وأن تصير واحدة من أعرق الثقافات القومية العربية ( الناصرية ) هدفا لتصفية الحسابات السياسية لا لشيء إلا لكونها متربعة على عرش الفهم المنطقي للواقع العربي القومي فيه الكثير من التجني على التاريخ، وأن تصبح بالمقابل المقاومة وفعلها دربا من دروب الجنون والعبثية والاستثمار الخاسر للشعوب فيه الكثير من خربشة لموازين الجماهير وأحقيتها بالدفاع عن الذات وإعادة لتموضع الفهم من جديد ومصالحة الشاة مع السكين ... ويبقى الثابت الوحيد هو المتغير في عوالم تحكمه مصالح البزنس والاتجار بالشعوب واحدة من أساليب الفهلوة والتشاطر على صناعة الحدث.... بأسلوب التلصص وشراء الذمم وبيع الدول وحتى بيع الإنسان قد يصبح الحقيقة الراسخة بهذا الفهم المتجدد الجديد... وأن يتم استهداف من يحاول أن يقرأ التاريخ ويغوص بجمالية الإنسان الأول بخان الخليلي وبأسواق أم المدائن العتيقة قد صار موضة تستوجب فعل القتل لإثبات الوجود ....
 
الفوضى هي الحاكمة الآن بلا منازع، وفن الحوار هو النهج السائد لحل الخلاف، ولا مكان لمن يمارس الصراخ بوجوب الحياة إن استطاع إلى ذلك سبيلا، ولا مكان لفقراء الليل تحت الشمس فإما أن تكون ضمن جيوش الفعل لصناعة النصر الإلهي أو ترتضي لذاتك مكانا في صفوف الخونة والتخوين.. وإن أردت أن تكون هناك بالمكان الذي ترتضيه لنفسك ولذاتك ولانسجامك ومفاهيم الأبيض والأسود وتداخل الألوان فيما بينها فلا بد من أن تكون عبثيا تارة، وكافرا أحيانا ومن الممكن أن يستباح دمك على مذابح قراءة التاريخ للمدينة العتيقة.... وأم المدائن لا تنتمي لأي ممن ينطقون اليوم باسمها فهي الفقيرة لعشاقها والحاضنة للصراخ المرتد عن جدرانها وأسوارها، ولا تكفر أحدا من روادها والكل لديها سواء ومعيارها صمودها وبقاؤها وهي الجميلة وتحب الجمال والعاشقة الحبيبة لعشاق ليلها وتحنو على صراخ رجالها وغير معنية بالعبث العبثي من وراء القول العبثي بحضرتها ....
 
إذن نحن نعايش عصر اللافهم الآن وعصر انفلات القوى من عقالها والقول الفصيح بالكلام المباح بكل الاتجاهات وهو كلام لصناعة البلاغة ليس أكثر لتسجيل النقاط على الخصم الكافر أو ذاك العبثي بحضرة الوطن ... والوطن قد يكون ظالما أو مظلوما لا فرق ما دام الانسان مستباحا ووقودا لتأجيج نيران صناعة الزعامات والمماليك بكل الإقطاعيات المُمزقة لجغرافيا الوطن ....

التعليقات