20/01/2012 - 09:23

ليست مجرد جريمة، بل إنها موقف من شعب../ حنين زعبي

الشرطي الذي يجرؤ أن يقول إنه "يدخل السجن مرفوع الرأس"، بعد أن قتل عربيا لكونه عربيا، هو شرطي لا يتكلم باسمه فقط، بل يتكلم باسم مجتمع كامل، هو من سيستقبل الرأس المرفوع لمزراحي برحابة صدر

ليست مجرد جريمة، بل إنها موقف من شعب../ حنين زعبي
الشرطي الذي يجرؤ أن يقول إنه "يدخل السجن مرفوع الرأس"، بعد أن قتل عربيا لكونه عربيا، هو شرطي لا يتكلم باسمه فقط، بل يتكلم باسم مجتمع كامل، هو من سيستقبل الرأس المرفوع لمزراحي برحابة صدر.  
 
أجهزة دولة، بما فيها القضاء الذي حاكم الشرطي القاتل، ورأي عام وجهاز الشرطة، دعمته. عرائض بآلاف التواقيع، مواقف داعمة ومتضامنة معه، تهجمات على محكمة حكمت المجرم بـ30 شهرا، حكم أقرب للمكافأة منه للعقوبة.
 
والخطير أن أجهزة الدولة تعلم أن القراءة السياسية الوحيدة الممكنة وراء الدفاع عن مزراحي، هي الدفاع عن جريمته. لا يمكن دعم شرطي يعاقب بتهمة القتل، دون الدفاع عن جريمته، والموقف ليس تجاه مزراحي الشخص، بل هو موقف تجاه ما ارتكب. وأجهزة الدولة ووزير قضائها وأمنها يعلمان أن الرسالة التي ستصل للفلسطينيين "المواطنين" -المواطنة المشروطة هي مواطنة بين مزدوجين-، هي أن الدولة إنما تدافع عن جريمة مزراحي وليس عن مزراحي، وأن الموضوع هو ليس محبة الشرطي، بل هو كره العربي الذي قتله الشرطي، وأن القضية في نهاية الأمر هي أبعد من دعم شرطي.
 
تتوافر في قضية مزراحي كل الشروط لمحاكمته بأقسى العقوبات، فقد اتضح في المحكمة أن محمود غنايم لم يشكل خطرا عليه (اتجاه عجلات المركبة التي كان يقودها وغيرها). لقد قام الشرطي بكسر نافذة السيارة الجانبية وصوّب مباشرة إلى رأس محمود من مسافة قصيرة جدا، ليس إلى كتفيه مثلا، وليس إلى عجلات السيارة، كما اتضح وجود تضاربات في شهادة مزراحي نفسه. عملية اغتيال واضحة، أي أكثر من عملية قتل، وعقوبتها، كونها جناية أشد خطورة من جناية القتل، تزيد عن 20 عاما، وكوننا بصدد شرطي مؤتمن على حياة الناس ويحمل السلاح وتصريحا باستعماله، فإن العقوبة يجب أن تكون مضاعفة. لكننا لسنا بصدد عقاب على جريمة، نحن بصدد موقف من شعب.
 
الدولة تعادي العرب عبر سياساتها، لكن عداء الشرطة يضيف للعنف وللعنصرية لاعبا خطرا: الزناد. وجهاز الشرطة الذي يجمع ما بين الثقافة المعادية والسياسات المعادية والزناد، ينقلنا من موقع المستهدف إلى موقع الواقع مباشرة تحت الخطر. لقد دعم وزير الأمن الداخلي العفو عن مزراحي، وسكت عن كل مظاهر دعم مزراحي في أوساط الشرطة، وصدرت تصريحات علنية من قبل قيادات الشرطة داعمة ومؤيدة للجريمة، وسكت عنها الوزير راضيا. ما يعني أن وزير الأمن الداخلي هو وزير الخطر على العرب.  
 
الجو العام المؤيد لمن يقتل العربي، أنتج حكما صدر عن المحكمة المركزية لا يتعدى الـ 15 شهرا، ثم قامت العليا بمضاعفة الحكم ليصل إلى 30 شهرا، أي أقل من عقوبات السرقة والاعتداء، مما يدل على محاولة القضاة استرضاء الرأي العام الذي وقف إلى جانب المجرم في جريمته. ورغم ذلك، اضطرت المحكمة في خطوة نادرة من نوعها إلى إصدار بيان "يوضح" حكمها، ويبدو وكأنه اعتذار عن الحكم المضحك.    
 
جريمة غنايم، هي حلقة ضمن سياسة عداء. لقد قتل جهاز الشرطة منذ أكتوبر 2000 – الانتفاضة الثانية- أكثر من 43 عربيا بدم بارد، جميعهم محمود غنايم، جميعم لم يعرضوا حياة أفراد الشرطة للخطر، وجميعهم شاهد على استباحة دمنا كعرب، ونحن لم نناضل بشكل كاف، وقصّرنا كتيارات سياسية وكلجنة متابعة في ملاحقة المجرمين، وفي متابعة تصريحات بالعفو عن مزراحي أطلقت قبل سنة. وعلى الأغلب فقد شكل سكوتنا رخصة، أيضا، لاستباحة دمنا، إذ تحتاج العنصرية لمهادنة أو خوف أو قلة حيلة من يقابلها لكي تتمادى، وإلا فعّلت حسابات خارج حسابات القوة.
 
حتى الآن الدولة لم تفعّل مثل هذه الحسابات. حسابات الخسارة السياسية في العلاقة معنا، إذا ما طرحنا نضالا مثابرا وعنيدا ومستمرا على كافة الأصعدة السياسية الداخلية والعالمية، وإذا ما فعلنا الرأي العام المعبأ بالوعي والشعور بالقوة، هو أمر يتعلق بنا، لا بها.
   
إن مكان من يدعم الجريمة والمجرمين هو المحاكم الدولية أو السجون. وإن كانت مؤسسات دولة بكاملها تدعم قتل العرب، مطمئنة أنها بمنأى عن السجون والمحاكم الدولية، فإن فتح باب الصراع بأكمله مع العرب في البلاد، عبر استعدائهم واستهدافهم الواضح، لن يكون أقل وطأة عليها من السجون أو من المحاكمات الدولية.    

التعليقات