26/01/2012 - 14:58

رحيل الطغاة../ د. فايز رشيد

وأخيراً، رحل الرئيس اليمني علي عبدالله صالح عن اليمن، ذاكرا في كلمة وداعية له: بأنه سيأتي إلى اليمن كرئيس لحزبه "المؤتمر الشعبي العام"، ولتنصيب نائبه عبد ربه منصور هادي رئيساً للدولة في 21 فبراير القادم. حرص صالح قبل رحيله: على طلب العفو والصفح من شعبه على التقصيرات خلال سنوات ولايته الـــ33، كما حرص على نيل "الحصانة الكاملة" بقانون أقره مجلس النواب اليمني . صالح هو الرابع من بين الرؤساء العرب الراحلين عن السلطة، بعد التونسي بن علي والمصري حسني مبارك والليبي معمر القذافي: بين هؤلاء ورغم اختلاف ظروف بلدانهم وثوراتها، قواسم مشتركة أبرزها: التمسك بالمنصب على مدى العمر، فكل منهم (باستثناء القذافي القائد المطلق مدى الحياة) سنّ قوانين تحدد عدد ومدة فترات رئاسته، لكنه وتحت ذريعة "المطالبة الجماهيرية ببقائه" عاد إلى تغيير القانون! وهكذا التصقوا بالمناصب، وبقيت كراسيهم بعدأن تم تعزيزها بقدرات أمنية فائقة

رحيل الطغاة../ د. فايز رشيد
وأخيراً، رحل الرئيس اليمني علي عبدالله صالح عن اليمن، ذاكرا في كلمة وداعية له: بأنه سيأتي إلى اليمن كرئيس لحزبه "المؤتمر الشعبي العام"، ولتنصيب نائبه عبد ربه منصور هادي رئيساً للدولة في 21 فبراير القادم. حرص صالح قبل رحيله: على طلب العفو والصفح من شعبه على التقصيرات خلال سنوات ولايته الـــ33، كما حرص على نيل "الحصانة الكاملة" بقانون أقره مجلس النواب اليمني . صالح هو الرابع من بين الرؤساء العرب الراحلين عن السلطة، بعد التونسي بن علي والمصري حسني مبارك والليبي معمر القذافي: بين هؤلاء ورغم اختلاف ظروف بلدانهم وثوراتها، قواسم مشتركة أبرزها: التمسك بالمنصب على مدى العمر، فكل منهم (باستثناء القذافي القائد المطلق مدى الحياة) سنّ قوانين تحدد عدد ومدة فترات رئاسته، لكنه وتحت ذريعة "المطالبة الجماهيرية ببقائه" عاد إلى تغيير القانون! وهكذا التصقوا بالمناصب، وبقيت كراسيهم بعدأن تم تعزيزها بقدرات أمنية فائقة.
 
من القواسم المشتركة أيضاً: إظهار أنفسهم جميعاً: بأنهم "زاهدون في السلطة" فلم يطمح أحدهم يوماً لسلطة أو منصب إلا أنهم يتنازلون عن الزهد إكراماً للجماهير الشعبية. من وجهة نظرهم: أن الجماهير هي الملامة في انتفاضاتها، فهذه الجماهير لا تعرف مصلحتها! رحلوا وهم يعتقدون ومؤمنون: بأن مجتمعاتهم تنعم بالرخاء الاقتصادي-فميزانية كل أسرة في بلدانهم لديها الفائض عن الحاجة، ويمارس كل فرد فيها حريته المطلقة، في تطبيق ديموقراطي في البلد يندر أن تجد له مثيلاً لا حالياً ولا على مدى التاريخ، في دولة سيادة القانون. يعتقدون بأنهم رحلوا في ظل عدم استفادة كل رئيس منهم، وأفراد عائلته وحاشيته من المنصب، فهم قدموا بيانات قبل تولي كل منهم منصبه، توضح رصيده المالي، وتبين بعد مغادرتهم: أنهم فقدوا جزءاً من هذا الرصيد في سبيل الجماهير الشعبية... لذا فهم فقراء. رحلوا في ظل التلاشي المطلق للفساد وللمحسوبية في دولهم، وفي ظل التأمين على الناس في كل جوانب الحياة: بناء منازل للمواطنين، مجانية التعليم، والخدمات الصحية، والتأمين على الشيخوخة، غادروا في ظل مختلف جوانب الرفاه ورغد العيش في كل مجالات الحياة لمواطنيهم، وفي ظل القضاء على البطالة والقضاء على ارتفاع أسعار السلع في بلدانهم، حتى بات لكل عائلة أكثر من سيارتين! بهذه الأضاليل والتصورات والخيالات المريضة تمتلىء عقول الطغاة!
 
من وجهة نظر الرؤساء الراحلين أيضا: بأن شعوبهم تعيش تحت حمى الأجهزة الأمنية الحريصة على سلامة المواطنين وكرامتهم، فلا اعتقال ولا تعذيب للمعتقلين! والاعتقال يتم وفقا للقانون، فلا اختطاف ولا قتل للمعارضين. وهم أوجدوا فرص عمل كثيرة لشباب بلدانهم ولكفاءات من كافة الدول العربية، ممن تقصد البلد المعني للعمل، رحلوا في ظل التلاحم الاجتماعي للشعب واختفاء مظاهر الطائفية والإثنية، وفي ظل عيش مجتمعاتهم تحت راية السيادة الوطنية المطلقة، التي تقف ضد التدخل الأجنبي في شؤون البلد، فانطلاقهم كان دوماً من قاعدة العداء لإسرائيل، وسط الإصرار على استعادة الحقوق الوطنية الفلسطينية، وتحرير فلسطين، ذهبوا وهم يعتقدون: بأن بلدانهم تعيش في أجواء من وجود الأحزاب المختلفة الاتجاه، وتسليم الحكومات في عهودهم كان يتم لحزب الأغلبية البرلمانية. وهم أيضا سنوا القوانين التي تمنع الرئيس من تشكيل حزب خاص به! وهم يحترمون قوانين بلدانهم، وحدد كل منهم الرئاسة بولايتين فقط، ومن ثم سيعودون مواطنين عاديين مثل كل الناس، لولا "الرغبات والمطالبات الجماهيرية لشعوبهم، ببقائهم في مناصبهم"!...هذا ما يعتقده الطغاة المصابون دوما بانفصام في الشخصية، بأنهم يحققونه في بلدانهم!
 
من القواسم المشتركة أيضاً :ما تبين بعد رحليهم عن السلطة أن كل رئيس منهم وأبناءه وحاشيته يمتلك أرصدة كبيرة في البنوك الخارجية تقدر بعشرات الملايين من الدولارات بل مئاتها بل آلافها في ظل زيادة العجز المالي في البلد، وارتفاع مديونيته (التي تصل أرقاماً خيالية). والغريب محاولة كل واحد منهم: التصوير بأن ما امتلكه أفراد عائلاتهم وبطاناتهم من أموال، جاء بفعل جهود أولئك وكفاءاتهم التي ظهرت فجأة بعد تولي قريبهم الرئيس لمنصبه، فكفاءاتهم لا يعادلها كفاءات بين أبناء الشعب، سوى عند أولئك الملتصقين بالنظام وأعوانه والمحسوبين عليه.
 
ما جدوى مقولات ترددت على ألسنة المخلوعين، من نمط : "الآن فهمتكم" و"أنني بقيت طيلة حياتي أعمل في خدمة هذا البلد" و"أنني لم أطمح يوما في منصب أو سلطة" و"أنني لست حاكماُ بل أنا مجاهد مناضل من البادية"... وغيرها من الجمل الرنانة التي تحاول الخلاص من المأزق بكل الطرق والوسائل! ما فائدة هذه الشعارات التي تقال قبيل الخمس الدقائق الأخيرة من التغيير؟ كل منهم حكم لسنوات طويلة تقدر بعقود، وطيلة هذه السنوات المديدة في عمر النظام لم يلجأ الرئيس إلى الإصلاح بل اعتمد القمع وكبت الحريات وغيرها وغيرها من الخطايا والموبقات، وإنما جاء "الإلهام بالأصلاح" فقط قبيل اقتراب إسقاط الرئيس.
 
قاسم مشترك أعظم بينهم أيضاً: أن غالبية الثورات التي حدثت في بلدانهم، تعمدت بالدم وفي بعضها يصل عدد الشهداء إلى الآلاف على أيدي القوى الغاشمة لأنظمة هذه البلدان، باعتبار الثورات "ليست أكثر من مؤامرة خارجية مرتبطة بعناصر داخلية" هدفها إسقاط النظام، الذي جاء إلى السلطة "بإلهام إلهي" فمن غير هؤلاء الرؤساء، يصعب على المواطن حتى تنفس الهواء!
 
الطغاة تقوم نظرة كل منهم على احتقار الشعب، فالجماهير في حساباتهم ليست "أكثر من عصابات، والناس ليسوا أكثر من جراذين، مقملين، لصوص"، وغيرها من الألفاظ السوقية، وكأن الرئيس المخلوع هو الذي يمتلك الحقيقة الكاملة ومن يعارضونه ليسوا أكثر من أفّاقين، يريدون تسلم السلطة ارتباطاً بالمؤامرات الخارجية.
 
نعم رحلوا إلى مزبلة التاريخ، غير مأسوف عليهم.

التعليقات