19/02/2012 - 01:07

الابتزازالسياسي؛ سخرية العلاقة بين الجريمة و"الخدمة المدنية"/ د. سهيل حسنين*

يفترض الحاضرون، من ذوي النفوذ والقوة، أن العنف والجريمة في العمق الفلسطيني في ازدياد ومنذ سنوات، بينما هنالك انخفاض في الوسط اليهودي. فحسب دراسة مطولة لاكاديمي عربي، وكما يبدو فهي هادفة وموجهة، يتضح أن "93,1% من المشاركين في البحث اعتبروا ان ظاهرة العنف تهدد مستقبل المجتمع". كما يتضح، في هذا اليوم، أن المعطيات الرسمية ما تزال باتجاه تصعيد حدة الوضع وتحويله الى قضية لا تطاق: "يتضح من المعطيات الرسمية التي وردت في الجلسة أن 67% من جرائم القتل التي جرت في إسرائيل في العام الماضي كانت داخل المجتمع العربي، وشكّل العرب نسبة 70% من "محاولات القتل". وفق التقرير، فان العرب ارتكبوا 36% من جرائم السرقة ونسبة الجنائيين العرب في السجون الإسرائيلية 33% من مجمل الجنائيين في تلك السجون، وأن 45% من ضحايا حوادث السير هم عربا".

الابتزازالسياسي؛ سخرية العلاقة بين الجريمة و

 

كما يبدو فسيناريو تجريم المجتمع الفلسطيني مستمر وفي أوجهه في أعقاب الاستعراض الموجه الذي صمم مؤخرا في البرلمان الاسرائيلي (بتاريخ 13/2/2012). أبطاله الظاهرون هم بعض أعضاء الكنيست العرب، ويقال أنهم هم المبادرون لإجراء هذا اليوم الدراسي، الذي سمي بـــ "التشغيل والعنف في الوسط العربي". يحوي هذا العنوان في طياته اتجاه محكم التخطيط من ناحية نواياه ومجرياته ونتائجه، ومن خلال ربط بين تصرف اجتماعي (العنف) والتشغيل. التشغيل، في هذا السياق، يعني مشروع "الخدمة المدنية".  

 

 

من وراء الكواليس يقف المبادرون الحقيقيون ذوي الاهداف والنوايا المخفية. هذه المسرحية تنوي تحويل النوايا المخفية الى متطلبات ظاهرة كأسلوب لجس النبض أو الابتزاز أو الاستحواذ او جميعها معا. بعض الحاضروين، وبغض النظر عن على جميع انتماءاتهم وأطيافهم يحولون المجتمع الفلسطيني الى مجتمع هالك وعاجز ومشتعل ومن خلال استغلال تواجد أهل ضحايا حالات القتل، وفي اطارمظلة اعلامية تسويقية.
 
يفترض الحاضرون، من ذوي النفوذ والقوة، أن العنف والجريمة في العمق الفلسطيني في ازدياد ومنذ سنوات، بينما هنالك انخفاض في الوسط اليهودي. فحسب دراسة مطولة لاكاديمي عربي، وكما يبدو فهي هادفة وموجهة، يتضح أن "93,1% من المشاركين في البحث اعتبروا ان ظاهرة العنف تهدد مستقبل المجتمع".  كما يتضح، في هذا اليوم، أن المعطيات الرسمية ما تزال باتجاه تصعيد حدة الوضع وتحويله الى قضية لا تطاق: "يتضح من المعطيات الرسمية التي وردت في الجلسة أن 67% من جرائم القتل التي جرت في إسرائيل في العام الماضي كانت داخل المجتمع العربي، وشكّل العرب نسبة 70% من "محاولات القتل". وفق التقرير، فان العرب ارتكبوا 36% من جرائم السرقة ونسبة الجنائيين العرب في السجون الإسرائيلية 33% من مجمل الجنائيين في تلك السجون، وأن 45% من ضحايا حوادث السير هم عربا".
 
يتم تحديد أن المشاكل التي تقلق العرب ليست سياسية او اقتصادية، وانما هي العنف. يفترض أيضا أن السلاح غير المرخص موجود بأغلب البيوت في المجتمع العربي(!!)، وللمرة الاولى، يتم تعريف هذا الوضع بــ "الارهاب المدني".  تهدف هذه الطريقة، المستخدمة، الى تجسيد العنف ولصق الوصمة على العربي ومن خلال اسناد القول لعرب وليس غيرهم: "... قال شيئا مهما سمعته بأكثر من مكان وليس فقط من 40 عضو كنيست وقعوا رسالة تقول يجب وقف الارهاب الداخلي في الوسط العربي. الوسط العربي بدأ يعيش حياة لا تطاق من عنف، قتل، سرقة، ضرب والكثير يخاف للتعرض لذلك". يهدف هذا الاسلوب الى شرعنة العنف والجريمة، وبالتالي في حال حصول ممثلي الأغلبية الحاكمة على هذه المهمة (أي الشرعنة) تأتي الخطوة التالية التي تضمن فرض الحلول المطروحة وفق العقائد والنوايا الحقيقية لأبطال المسرحية الفعليين.
 
قال رئيس الحكومة: "يجب ان نعمل شيئين بالمقابل: دمج الوسط العربي في الاقتصاد والتربية. واجبنا الاول هو تطبيق القانون في الوسط العربي، وحفظ الامن مهم جدا ... وانا اقول أن الخدمة المدنية هي من أجل الوسط العربي وهي تقوي المواطنين في الوسط العربي من اجل أن يعملوا من أجل انفسهم وأنا اقترح ذلك...أنا أبني عليكم وأطلب منكم المساعدة بكل هذا، أعطوا المساعدة بموضوع الخدمة المدنية الذي يساعد كثيرا". أما رئيس الكنسيت فيقول: "يوجد خدمة مدنية للوسطين العربي واليهودي ولا يوجد لدينا عدة برامج في دولة واحدة، والمشاركة بذلك تساعد كثيرا في علاج معاناة الوسط العربي، والتي تتطلب منا الكثير من العمل. المشاركة والتعاون واجب مشترك للجميع عربا ويهودا". ويكمله وزير "الامن الداخلي": "أنا أطلب من الجمهور التجند للشرطة، أو الشرطة الجماهيرية، والخدمة المدنية لمكافحة العنف". أما مدير عام الشرطة فقال: "... وكل هذا الذي نقوم به لا يساعد اذا لم يكن هناك تعاون من قبلكم، وانا سعيد بسماع انكم تريدون شرطة وتريدون توسيع عمل شرطة اسرائيل، ونحن نريد العمل سوية معكم، من اجل اقامة مراكز شرطة جديدة في مناطقكم".
 
بالمقابل، يرى عضو برلمان عربي: "أنا لا أرى بالخدمة المدنية حلا كما تقول سيدي رئيس الحكومة".
 
نتنياهو : "قل لي لماذا؟"، وعضو عربي آخر يقول:"أعطونا الميزانيات التي ترصدونها للتطوع من خلال وزارة الأمن، لتكن بين أيدي المجالس البلدية والمحلية كي يتم صرفها، وفق ما نراه مناسبا، ويخدم المجتمع".
 
أستغرب من هذا السجال الذي "لا يسمن ولا يغني من جوع" حول ماهية العلاقة المنطقية والمباشرة بين العنف وما يسمى بـ "الخدمة المدنية". من الظاهر أن الهدف الأول لمشروع "الخدمة المدنية" كما يريدونها، وكما اقرته الحكومة رسميًا هو تقريب الفرد من "دولته" واندماجه في "مؤسساتها" (وهذه الفكرة تختلف عن أخرى ومفادها أن مهمة الخدمة المدنية هو تقريب الفرد من مجتمعه ومؤسساته). تستند هذه الفكرة أيضا على افتراض أن دمج الشباب في مؤسسات القطاع العام سيؤدي الى المساواة في الفرص، وخاصة في المجال السياسي والاقتصادي.
 
الافتراض الآخر هو أن في حالة دمج جميع الشباب، بعد دراستهم الثانوية، في هذا البرنامج سيؤدي ذلك الى تكوين فئات شبابية، التي تملك التجربة والخبرة العملية التطوعية مما يمنعهم من الانخراط في أعمال عنف وجريمة. هذه العملية قد تؤدي، للمدى الطويل، الى الانخفاض في ممارسات العنف والجريمة. هذه الافتراضات هي منطقية للوهلة الأولى ولا يعارضها أي انسان مفكرعاقل. التفكير القائم والمنطقي يقر أن في حالة دمج أغلبية الشباب في هذا البرنامج سينخفض عدد المعتقلين والمدانين والمحاكمين، بالتالي تستفيد الدولة، في هذه الحالة، لان مصاريفها ستقل (أقل رجال شرطة وأقل قضاة وأقل سجانين)، بالمقابل، عملية تشغيل الشباب في القطاع العام مقابل منحة مالية رمزية تؤدي الى تقويته، مما يعود الربح لهذا القطاع العام. وفق احدى الدراسات التي نفذت في معهد "كرمل للأبحاث الاجتماعية" يظهر أن الفائدة العائدة للدولة في حالة تطبيق كامل للبرنامج (جميع الشباب العرب وقسم من اليهود الذين لا ينخرطوا في الجيش) حوالي 174 مليون شيكل سنويا.
 
هذه الاعتبارات "الموضوعية" لتطبيق مشروع "الخدمة المدنية" لا تعتبر الاساس لاقتراحات التي تم طرحها في هذا اليوم. فالأساس هو سياسي صرف لانهم يتمنون، من خلال هذا البرنامج، الحصول على مكاسب ايديولوجية سياسية المرفوضة شكلا ومضمونا، بواسطة القيادات والجماهير العربية على جميع أطيافها وتياراتها. ان الربط بين الجريمة و "الخدمة المدنية" هوعملية ابتزاز سياسية مقيتة لمشاعر الخوف والقلق والغضب التي تنتاب الجماهير الفلسطينية من العنف. لكن الحقيقة التي من المتوقع ادراكها هي أن تهويل العنف هو عملية المبنية وبشكل موجه ومخطط من قبل مكوني الاحصائيات الجنائية ومنفذي السياسات والاعلاميين، والذين هم "لعبة" بأيدي السياسيين.
 
أؤكد الكلمات المهيبة التي عبر عنها مؤخرا عضو كنيست عربي: "وأحذر من الانجرار وراء حجج الشرطة وذرائعها الواهية لتبرير تقاعسها في فك ألغاز الجريمة في الوسط العربي تحت مقولة عدم تعاون السكان"، حيث يرفض هذا العضو الخطوات الاستعراضية والمشاريع المشبوهة. نعم، ان تعريف وضع العنف والجريمة في وسط فلسطينيي الداخل في مكانة "المشكلة رقم واحد" وربطها مع "الخدمة المدنية"، هو اتجاه خاطئ ومخادع. لان هذا الارتباط يستند على عناصر غريبة غير منطقية، وهو استمرارية لمقترحات المشاريع العنصرية الموجه ضد الفلسطيني في عقر داره، واستمرارية لتجسيد وضع الوهن الذي يلصقونه عليه قاصدين الحصول على مكاسب سياسية، وفي سياق "سياسة التركيع" في ظل حكومة يمينية تدعي بأن المساواة هي شأن العربي ففي حالة تعاونه، تتحقق المساواة ويتلاشى التمييز العنصري. وهذه الادعاءات هي باطلة، لأننا نعرف كلنا أن عدد الفقراء العرب يرتفع وعدد العاطلين عن العمل يزداد عاما بعد عام، في ظل سلطات وبلديات عربية هالكة وفاقدة الضبط، وفي ظل موجات غزو شركات التسويق الشبكي للاقتصاد العربي.
 
يدرك الانسان العادي أن الحلول لمظاهر العنف والجريمة غير مرتبطة بهذا المشروع الغريب او ذاك، وليس بإجراء هذا المؤتمر او ذاك، وانما بتطبيق حلول جذرية حقيقية وبعيدة عن النظام التربوي المبني على التجهيل وطمس الهوية وتشويه الانتماء؛ والنظام الاقتصادي والذي يستغل العربي لمجرد عروبته ويجسدها؛ والنظام السياسي الذي يستند على إلى فكرة الدولة اليهودية على حساب العدمية القومية وعلى تجريمها الهوية الوطنية وعلى هيمنة التمييز والعنصرية الاستعمارية. هذه الحلول الجذرية قد تكون مستحيلة المنال، وفي ظل هذا السياق السياسي، والاقتصادي، والتربوي. ان خطوة البداية للحلول تكمن في استرجاع هيبة القيادات والجماهير المفقودة، وأخص بالذكر لأعضاء لجنة المتابعة العليا للجماهيرالعربية، ولرؤساء المجالس والبلديات العربية.  

التعليقات