23/02/2012 - 16:10

الأصولية اليهودية.. هي الأشّد خطراً../ د. فايز رشيد

بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، حاولت الولايات المتحدة والحركة الصهيونية وإسرائيل والبعض من الدول الغربية التصوير: بأن العدو القادم للبشرية هو "الأصولية الإسلامية"، وجرى التركيز كثيراً على هذا الشعار

الأصولية اليهودية.. هي الأشّد خطراً../ د. فايز رشيد
بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، حاولت الولايات المتحدة والحركة الصهيونية وإسرائيل والبعض من الدول الغربية التصوير: بأن العدو القادم للبشرية هو "الأصولية الإسلامية"، وجرى التركيز كثيراً على هذا الشعار.
 
بالطبع نحن ضد التطرف الديني في أية ديانة كان، وضد قتل الأبرياء مهما كانوا وأيّاً كانت ديانتهم، والتطرف في أي قضية هو سلبي بامتياز، إن يُلحق الأذى بأحد فبأصحابه أولاً قبل الآخرين. للأسف لا نسمع حالياً كما لم نسمع سابقاً عن توجيه الاتهامات للتطرف والأصولية في الأديان والمعتقدات الأخرى، وكأن الأصولية هي حكر فقط على الإسلام، بينما من يدقق ويتابع في معنى وجوهر ومضمون هذا التعبير يرى: أنه أيضاً يتوفر بكثرة في الديانتين الأخريين: المسيحية وأيضاً اليهودية، ولعل الأخيرة هي الأشّد خطراً بين كافة الأصوليات.
 
في المسيحية يوجد التيار الواسع الذي يُطلق عليه "الصهيو- مسيحية" أو "اليهومسيحية"، وهو تيار منتشر في الغرب، وعلى الأخص في الولايات المتحدة. هذا التيار يعتقد بوجوب دعم دولة إسرائيل والدفاع عن بقائها لأنه اشتراط إلهي من أجل أسباب دينية، ولذلك فإن هذا التيار الواسع كثيراً في أمريكا، يقدّم المعونات بكافة أشكالها ووسائلها لإسرائيل، بصورة أكبر مما تقدمه لها الحركة الصهيونية، فهو يملك آلاف الجمعيات والكنائس والفضائيات والإذاعات والصحف وكافة الوسائل الأخرى، من أجل دعم إسرائيل التي وإن اختلفت معه للأسباب الدينية البحتة، فإنها تسانده وتغذيه وتنتبه إليه، وتملك وتقيم أفضل الصلات مع زعمائه، ومن يريد الاستزادة في معرفة هذا التيار، فليقرأ كتاب د.يوسف الحسن والمعنون بـــ"البعد الديني في السياسة الأمريكية تجاه الصراع العربي-الصهيوني". أيضاً فإن القس الأمريكي الذي مزّق القرآن الكريم، فإنما يعّبر عن ظاهرة التطرف والأصولية في المسيحية، كذلك هي الإساءات للنبي الكريم سواء عبر كاريكايتر أو مظهر آخر، فإنما يعّبر ذلك عن نزعة التظرف الأصولية لدى أصحابه.
 
في اليهودية، فإن ظاهرة التطرف هي الأشّد خطراً في التاريخ، فالتعاليم المحرّفة للتوراة والتي صاغها الحاخامات اليهود وفقاً لمصالحهم، تنطلق من الذاتية و"الأنا" المطلقة، والعدوان على كل الآخرين، واحتقارهم ففي سفر إشعيا نجد: "ليمت جميع الناس ويحيي إسرائيل وحده"، "يرفعك الله فوق جميع شعوب الأرض، ويجعلك الشعب المختار"، و "يقف الأجانب يرعون أغنامكم، أما أنتم –بني إسرائيل- فتدعون كهنة الرب تأكلون ثروة الأمم، وعلى مجدهم تتآمرون".
 
لم تقتصر الأصولية اليهودية التاريخية السابقة على تحريف التوراة والتلمود على أيدي زعماء الطائفة من الحاخامات، الذين أنكروا على اليهود الحق في كل أنواع التعليم (باستثناء التلمود والصوفية اليهودية)، فدراسة جميع اللغات الأخرى كانت محرمة بصرامة، وكذلك دراسة الرياضيات والعلوم والجغرافية والتاريخ، بل جاء الحاخامات المعااصرون "الحاليون" ليترجموا هذه العقائد إلى سياسات ممارسة بعد إنشاء دولة إسرائيل، "فيجوز قتل العرب حتى نسائهم وشيوخهم وأطفالهم"، و"العربي الجيد هو العربي الميت"، "العرب ليسوا أكثر من أفاعي".
 
هذه الفتاوى للحاخامات تخرج وتندرج على ألسنتهم في العصر الحالي (القرن الواحد والعشرين)، فقتل اليهودي جريمة كبرى وواحدة من أسوا ثلاثة خطايا (الخطيئتان الأخريان هما عبادة الأوثان والزنا")، وحين يكون الضحية غير يهودي يختلف الوضع كلياً، فاليهودي الذي يقتل غير يهودي فيجب أن لا تعاقبه أية محكمة، بل عقابه فقط عند الله، أما التسبب غير المباشر بموت غير اليهودي، فليس خطيئة على الإطلاق. (من يريد الاستفادة في دعوة هؤلاء إلى قتل غير اليهود فليقرأ كتاب المؤرخ الإسرائيلي المتوفي إسرائيل شاحاك بعنوان "الديانة اليهودية،التاريخ اليهودي، وطأة ثلاثة آلاف سنة".
 
لكل ذلك نرى هذا الرقص الإسرائيلي على المأساة الفلسطينية منذ أسبوعين في حادثة مصرع أطفال فلسطينيين وجرح العشرات (منهم كثيرون جراحهم خطرة) في حادثة سير، واصطدام الحافلة الذي يقلهم بشاحنة إسرائيلية، وامتلاء المواقع الإلكترونية الإسرائيلية بتعليقات الابتهاج والفرح الشديد من نمط "الحمد للرب على هذا القتل"، "الشكر للرب لأنهم فلسطينيون"، " لماذا لم يموتوا كلهم"، "في المرة التالية فلتتأكدوا تماماً من موتهم"، وعلى هذه الشاكلة الكثير الكثير من التعليقات.
 
القائد العسكري الإسرائيلي ورئيس الأركان الأسبق "رفائيل ايتان" هو صاحب مقولة "العرب ليسوا أكثر من صراصير"، لهذا السبب العقائدي التوراتي التلمودي تجد غالبية اليهود الإسرائيليين أصوليين متطرفين، على شاكلة مئيركهانا، وغولد شتاين، وليبرمان (بالمناسبة نتنياهو ليس أقل تطرفاً ولكن يغطي قبضته الحديدية بقفازات حريرية بحكم استحقاقات المنصب) وغيرهم وغيرهم من القيادات الإسرائيلية السياسية والعسكرية.
 
كافة استطلاعات الرأي تبين بما لا يقبل مجالاً للشك: الامتداد الديني الأصولي اليهودي المتطرف في الشارع الإسرائيلي، وإحدى استطلاعات الرأي لصحيفة "يديعوت أحرونوت" تتوقع: أن حجم المتطرفين الإسرائيليين في عام 2025 في إسرائيل، سيبلغ 65% من سكانها اليهود. لهذه الأسباب العقائدية تجد إحدى المتغيرات الإسرائيلية في المرحلة الحالية (منذ عشر سنوات تقريباً): تدخلاً متزايداً من اليمين الديني الإسرائيلي المتطرف في الحياة السياسية والاجتماعية الإسرائيلية، حيث أصبحت المؤسسة الدينية أحد جناحي السلطة في إسرائيل (الجناح الآخر هو المؤسسة العسكرية)، ولذلك ومن أجل إنجاح ائتلافه الحكومي الحالي، لجأ نتنياهو إلى تلبية مطالب الأحزاب الدينية اليمينية الفاشية المشاركة في حكومته، مثل "إسرائيل بيتنا" و"أجودات هاتوراة" وغيرهما، على الأصعدة المالية والسياسية والاجتماعية.
 
الأصولية اليهودية تدعو إلى القتل والإبادة الجماعية والتطهير العرقي للفلسطينيين والعرب، ومن يريد الاستزادة في هذا الموضوع فليقرأ كتاب الدكتور مازن حنا المعنون بــ"الرأسمالية والتطهير العرقي في التوراة".
 
ومع كل ذلك لا يجري التحذير من الأصولية الأشدّ خطراً في التاريخ، وهي "الأصولية اليهودية" بالطبع كافة القرّاء يعرفون أسباب ذلك.

التعليقات