10/05/2012 - 15:56

ملاحظات حول إضراب الأسرى../ د. عبد الله البياري

(تحية إجلال و إكبار للحركة الأسيرة المقاومة، فأنتم تعريف السماء والأرض)

ملاحظات حول إضراب الأسرى../ د. عبد الله البياري

إن إضراب الأسرى في معتقلات الكيان الصهيوني يعيد ترتيب الكثير من علاقات القوى وإيضاحها في داخل الحالة الفلسطينية والعربية فيما يتعلق بالمقاومة خصوصاً، والقضية الفلسطينية عموماً. فالأسرى لا ينفصلون عن كامل الجسد الفلسطيني المقاوم، كما يراد تقديمهم (إما بثقافة التنسيق الأمني وإما بالبنية الحداثية المعولمة للدولة الصهيونية)، ولعل هذا ما يفسر أهمية ودلالة التضامن معهم في الوطن العربي عموماً وفي الأراضي المحتلة (كاملة من النهر إلى البحر) خصوصاً، وذلك للتأكيد على أن الأسرى لم يستطع الزمان والمكان الصهيونيان طمسهم، وفصلهم عن باقي الإدراك الفلسطيني للذات المقاومة (إما باستحقاق أيلول وإما بالدولة اليهودية)، حيث يمكن تقسيم ذلك الإدراك إلى:

1. إدراك يتعلق بالتمثيلات السياسية والثقافية والقانونية والإجتماعية للفلسطيني بعد اتفاقيات أوسلو التي قننت وأسست لإدراك مغاير للإحتلال بأن حوَّلت "الثورة" إلى "سلطة" و"الاحتلال" إلى "تنسيق"، ولعل تشريعات ما يسمى بـ"التنسيق الأمني" هي أبرز تجليات لإعادة تشكيل الوعي والادراك الفلسطيني المقاوم لذاته إسرائيليا.

ومن هنا كان التضامن والدعم الفلسطيني والعربي للحراك الأسير "الجائع للحرية"، ليس محدوداً في المطالبات الأسرى الاعتيادية لأدب السجون بالحق في وجبة غذائية أفضل، أو المزيد من الدقائق تحت الشمس، أو الاستغناء عن "الحاجز الصامت/العازل" بين الأسير وذويه في الزيارات والذي يمنعه من رؤية ذويه والتعامل الجسدي معهم، إنما هو رفض ونقض وتطهر يصل حد الموت جوعاً من كل تبعات إعطاب الوعي الفلسطيني والعربي المتعلقة بأوسلو وتحديداً ثقافة "التنسيق الأمني".

2. إدراك ما يتعلق بالبنية الداخلية للكيان الصهيوني كدولة، تلك البنية التي بدعوى الديموقراطية والحداثة والدفاع عن الحريات في وجه "صراع الحضارات"، تشيطن وتقمع وتنفي شريحة كبيرة ممن تطلق عليهم "مواطنين" وليسوا أصحاب الأرض الأصليين من مكانهم وزمانهم. وهنا تتضح أهمية الحراك الفلسطيني في الداخل المحتل، بإصراره على نقل المعركة إلى فضاء الحداثة النيوليبرالي بشقيه:

المديني (نسبة إلى المدينة) كما حدث في يافا البرتقال وغيرها، والأكاديمي كما يحدث في الجامعة العبرية وغيرها، مما يعيد تقشير الظل الإسرائيلي الحداثي الجاثم على تفاصيل المكان الفلسطيني العربي المحتل، ناسفاً الادعاء الصهيوني أولاً بحداثة وديموقراطية المكان في مقابل صلابة وتخلف ما كان عليه، وثانيا الادعاء بتاريخانية المشهد الصهيوني (زمانياً ومكانياً).

لا يمكن التعامل مع بنية وتفاصيل وآلية السجون الإسرائيلية بمعزل عن بنية الدولة الإسرائيلية، وبالتالي فلا يمكن التعامل مع الحراك الأسير "الجائع للحرية" بمعزل عن البنية الفلسطينية الواقعة تحت الاحتلال الإسرائيلي من البحر إلى النهر، باعتبار وحدة الرابط العضوي بين المحتل والمحتل.

فواهم هو من يرى الحراك الأسير مجرد حركة جائعة لمميرات أفضل من ذي قبل، قافزاً عن حالة التماهي بين ظروف المواطن الفلسطيني وظروف الأسرى، والذين يتقاطعون فيما هو أكثر من مجرد القمع وأشكاله، فكما تسيطر إدارة السجن باعتبارها إدارة عسكرية في بنية دولة عسكرية على كامل تفاصيل حياة الأسير بأدوات سيطرة ناعمة وحداثية ومطلقة يغلب عليها الوجه المعولم والنيوليبرالي للسيطرة بعيدا عن الهراوة وضجتها التي ألفناها في أدب السجون العربي، فهي تستخدم وتوظف أدوات الدولة الحديثة للسيطرة من قانون ومحاكم ونماذج معرفية غربية (تحديداً كولونيالية) الجذر، ها هي الدولة الصهيونية تحتجز المواطن الفلسطيني في معازل منفردة جغرافياً، ممزقة الجسد المكاني الفلسطيني بجدار عازل وطرق التفافية وبنية استيطانية، بالتوازي مع بنية قانوينة تتمثل في التصاريح و الهويات وغيرها بمباركة وشرعنة فلسطينية كاملة عن طريق النخب الفلسيطينية السياسية متمثلة في أبو مازن وسلام فياض وغيرهم، وهو ما نعيد التأكيد على أنه امتداد فكري لصورة عطب الإدراك الفلسطيني والعربي المتمثل في "التنسيق الأمني".

وهاهم الأسرى معزولون وواقعون تحت قمع قانوني، لا تجمعهم إلا إرادة السجان، ولعل هذا ما يفسر محاولة إدارة السجون التفاوض مع الأسير سعدات بشأن فض إضرابه هو عن الطعام بشكل منفرد، وهو ما رفضه الأخير في تأكيد على عامل اللحمة بين الأسرى، والذي يخلق عاملا جامعا يتفوَّق على قدرة إرادة السجن على جمعهم وعزلهم وتفكيكهم.

كما يفسر ما سبق غياب الدور الإعلامي العربي الذي يتناول –إن تناول- بخجل قضية الأسرى باعتبارها شأنا إسرائيلياً داخلياً (في امتداد للدعم العربي لفكرة استحقاق أيلول ومشروع الرباعية الخاص بالاعتراف بالدولة الإسرائيلية)، وذلك بفصله عن:

1. حركة التضامن العربي عضوياً (لم يأت ذكر التضامن النقابي والطلابي للحراك الأسير على أي قناة إخبارية عربية، وبقي حبيس شبكات التواصل الاجتماعي).
2. حركة التضامن الفلسطيني كاملة (وهو ما يفسره بشدة غياب ورود أخبار عن الحراك في رام الله، وما يعريه أيضا إزالة بلدية طولكرم لغرافيتي داعم لحراك "جائعون للحرية"). والاكتفاء بتقديم ذلك الحراك الأسير الجائع للحرية مقيداً بسقف معين من المطالبات الإدارية، والمكانية: إما أمام السجون من ذوي السجناء فقط وإما من أمام المحاكم دعماً فقط.

وبالتالي يمكن كذلك فهم موقف السلطة الفلسطينية المستفيد من الموقف لا باعتباره تقديما لنفسها كمدافعة عن حقوق الأسرى المقاومين، إنما باعتبار ذلك نوعا من المناورة الإستراتيجية للتقليل من الخسائر، في ظل حراك شعبي عربي شبابي وفلسطيني عارم في المنطقة، بوصلته محسومة الاتجاه، وبالذات في الإجابة على سؤال واضح بشأن الحركة الأسيرة: من اعتقلهم؟ ولصالح من؟

(تحية إجلال و إكبار للحركة الأسيرة المقاومة، فأنتم تعريف السماء والأرض)

التعليقات